آداب تعامل الزوج مع زوجته عند الولادة
اعْلَمْ أن الله جَعَلَ الزواج والعشرة بين الزوجين آية من آياته الباهرة، تدل على كمال الحكمة، وتمام النعمة، وعظيم مِنَّتِهِ؛ فقال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]، وهذه الرحمة والمودة تقتضي من الزوج أن يشارك زوجته، ورفيقة دربه في أحزانها ومُصابها، وأفراحها وأتراحها، وأن يتعاونا معًا لبناء عشِّ الزوجية، ومسكن الأسرة، لتربية الأجيال، وتنشئة الأطفال، ويتحمل من أجل تحقيق ذلك الهدف الأسمى والغاية العظمى المتاعبَ والمصائب؛ ليصل إلى السعادة المنشودة؛ وهي إرضاء الله تعالى، ومن أعظم المواقف والأحوال، وأشدها وأصعبها، وأكثرها مرارة التي يجب على الزوج أن يُعينَ زوجته، ويُذلِّل لها الصِّعاب، ويكون لها كالبلسم الوافي، والدواء الشافي، والعسل الصافي؛ وذلك عند ولادة زوجته، وقرب المخاض وعلاماته، وقبل ذلك حملها، وثقل أيامها، وقد بيَّن سبحانه حال المرأة وحملها، وما تعانيه من أثقال، وما تشكو من أحمال، وما ذلك إلا ليدعونا إلى مزيد من الاعتناء والشفقة، والتحمل والصبر، والرحمة بها وبجنينها؛ قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الأعراف: 189، 190].
وليس من الرجولة والوفاء، والعشرة والصفاء، أن يعاشر الزوج زوجته ويستمتع بها، حتى إذا حان وقت الحمل، وظهرت آثاره، وبانت مظاهره، وبدأت دلائله، ضجِرَ منها، وتركها وحدها تواجه الصعوبات، وتدفع الآفات، دون أن يشاركها ويواسيَها، ويُؤنسَها ويداريها، والبعض من هؤلاء ينتظر فقط خبرَ مَن يزُفُّ له البشرى عند الولادة، فإن كان المولود ولدًا سُرَّ واستبشر، وإن كانت بنتًا ضجِر واستكبر، ولعن وشتم واستدبر، وهذا النوع من الرجال ممن ذكرهم الله في القرآن، ورماهم بالجهل والعمى والنكران، وفقدان الرحمة والعرفان؛ فقال تعالى: ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [النحل: 58، 59].
ومن تلك الآداب التي ينبغي للزوج الصالح أن يتصف بها عند معاناة زوجته وأهله ما يلي:
- أن يدعو لزوجته بالتيسير، ويُشفق عليها، ويتلطف بها، ويسأل الله أن ييسر على زوجته، ويسهل عليها، وتقوم بالصحة والسلامة؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74]، وأن يكون مع أهله وزوجه في المشفى، يهدِّئ من رَوعِها، ويعِدها بالخير، ويحثُّها على الصبر والتماس الأجر والثواب، وأن يعلمها ما يجب عليها من الأمور الفقهية والشرعية من الاستعانة بالله، والإكثار من ذكر الله، وطلب العون من الله في هذه الأحوال الصعبة، وأنه ابتلاء لِبَنَاتِ حواءَ لحكمة أرادها، وأمر أراده وقضاه، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
- أن يعاملها في حال الحمل وبعد الولادة بدوام الألفة، وزيادة المحبة، وحسن التعامل؛ لأن نفسية المرأة يتغير، ومزاجها يتعكر، وقلقها يزداد، ومرضها يشتد ويرتاد، وحالتها الجسدية تصعب بسبب ما تمر به، فعلى الزوج والحالة تلك أن يصبر ويحتسب في ذلك الصبر مع زوجته الأجرَ والثواب، وأن يكون لها خيرَ مُعين، وأعظم ناصر، بعد الله سبحانه.
- أن يجلب لها ما يقوِّم صحتها وحياتها، وينفق عليها في أثناء الحمل وبعد الولادة، ويجلب لها من الأغذية النافعة المفيدة ما يمكن أن يحافظ على صحتها وصحة جنينها، بل إذا اقتضى الأمر أن يجلب لها من يُعينها من خادمة أو معينة، وقد أجاب النبي عليه الصلاة والسلام معاوية بن حيدة عندما سأله عن حق الزوجات على الأزواج؛ قال له صلى الله عليه وسلم: «أن تُطْعِمَها إذا طعِمتَ، وتكسوها إذا اكتسيت، أو اكتسبت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت ».
- عدم ترك الزوجة كما يفعل البعض وحدها تعاني من ألم الولادة والمخاض، ويذهب ليجلس وحده أو في المقاهي والحدائق؛ لأن الجلوس مع الزوجة في هذه اللحظات العصيبة يُشعرها بالراحة النفسية والاطمئنان، ويُزيل عنها ما يعتريها من خوف وقلق، وذلك من أعظم مقومات بناء الأُسَرِ، وزيادة المودة وديمومتها بين الأزواج، فإن المرأة تعاني من أحمال ثقيلة كالحمل والولادة وما يتبعها، والبيت والأولاد، والتربية والرضاع، وغيرها، وتأمَّل قول سيدنا الرحمة المهداة، والنعمة المسداة لسيدتنا عائشة بنت الصِّدِّيق رضي الله عنها حينما «دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها، فوجدها تبكي، فقال: ما شأنكِ؟ قالت: شأني أني قد حِضْتُ، وقد حلَّ الناس، ولم أحلل، ولم أطُفْ بالبيت، والناس يذهبون إلى الحج الآن، فقال: إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم...» ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم»؛ أي: قضى به عليهن، وهذا تسلية وتأنيس لها، وتخفيف لهمِّها، ومعناه: إنكِ لستِ مختصة به؛
- إنَّ صَبْرَ الزوج على معاناة زوجته هو في الحقيقة من الوفاء وردِّ الجميل، كما هي تصبر عليه وتتحمل أخلاقه، وتقوم بواجبها تجاهه، والمرأة أثناء الحمل تعاني الكثير - ليست كالرجل - من قلة النوم، وتحمُّل الأذى، وكثرة الحركة والقيام، وما يصاحب ذلك من أحوال صحية مثل الوحام ونحوه، والزوج في مثل تلك الأحوال يشارك زوجته في مصابها وآلامها؛ وذلك بكثرة السؤال عن حال صحتها، وما تحتاجه من أغراض، ومثل ذلك الزوج هو من يصلح لقيادة الأسرة، وبناء صرحها، وهو من يستحق القِوامة وشرف القيادة.
- أن يرضى بما قسم الله له من زوجته بنتًا أو ولدًا، ويشكر الله على ما أعطاه من كريم الأولاد، وزينة الحياة، ووافر النعم، وجميل الصفات، ويقوم بما يجب من طاعة الله من الشكر والاقتداء بهدْيِ رسول الله صلى الله عليه وسلم من السنن والآداب الواردة في المولود، تلك الآداب التي سطَّرها العلماءُ في كتبهم؛ مثل كتاب ابن القيم في المولود المسمى: (تحفة المودود بأحكام المولود)، ولا يكون حاله كحال الجاهلين الذين وصفهم الله بالقرآن الكريم بقوله: ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [النحل: 58، 59].
إن بعض هؤلاء من الرجال ما زال على التقاليد البالية، والأعراف السيئة، التي نبذها الإسلام وحرَّمها، وشرع مكانها من الشرائع والسنن والآداب ما يقيم الأسرة، ويعطي للمرأة حقَّها، ويصون شرفها، ويحمي حِماها، ويرفع من قدرها ومكانتها، ومن تلك التقاليد الجاهلية التي يستمسك بها بعض الأزواج، وقد عفا عليها الزمن - أن يسوَّد وجهه عندما يُرزَق ببنت، بل تسوَّد الدنيا بعينه، وكأنه نزلت عليه صاعقة من السماء، وبدلًا من أن يواسي زوجته، ويخفف من معانتها وآلامها، يلعنها ويخاصمها، ويسبها ويشتمها، وهي في حالة يُرثَى لها من ألم المخاض، فتزداد سوءًا على سوء، وأرقًا على أرقٍ، ويُسمعها من الكلام البذيء، كان يقول: أنا كنت أنتظر ولدًا ليحمل اسمي، وإني سأتزوج عليكِ، لا فائدة منكِ، ونحو ذلك من القول الكاذب، والكلام الباطل، وهذا كله من الجاهلية الجهلاء، التي أبدلنا الإسلام خيرًا منها، ووضع لنا الأسس والمناهج التي تكفل لنا سعادة الدنيا والدين، والأمر لله وحده.
المصدر :
لا تنس ذكر الله