احداث الموت والقبر

احداث الموت والقبر

أحداث الموت والقبر


تذكُّر الموت وما بعده


الحديث عن لحظات وساعات وأوقات ما عشناها وما جربناها وما أتت علينا, لحظات عاشها من مات وعاصرها من فات وذاقها من أصبح رفاتًا، نذكرها اليوم للذكرى: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾[الذاريات: 55], نرى في كل يوم وفي كل صباح وفي كل مساء مَن يذهب إليها، مَن تأتيه تلك اللحظات, إنها لحظات الموت إنها ساعات النهاية وساعات البداية.

مواقف ولحظات وأمور أتت على غيرنا أتت على الأقارب والأباعد والأقوياء والضعفاء والأغنياء والفقراء والملوك والوزراء، ولن يسلم منها أحد منها ولن ينجو منها هارب ولن يختفي منها شارد.. نريد أن نعلم ماذا يحدث لهم، هل هو موت وانتهى الأمر؟ هل هي لحظات خروج الروح ولا شيء بعدها؟ أم ماذا؟

وذكر الموت لن يقربه ولن يبعده، إنَّ الموت حَتْمٌ لازم لن ينجو منه أحد.. حتى ملك الموت سيموت، ويُذْبَح الموت بين الجنة والنار, ويقال: "يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت"، قال الله -تعالى-: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون﴾[القصص: 88]، وقال -تعالى-: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾[الرحمن: 26-27], وقال سبحانه: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾[آل عمران: 185].

وما نجا منه حتى خير مَن خلَق الله؛ محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال الله له: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ﴾[الزمر: 30], وقال الله له: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ)﴾الأنبياء: 34].

أحوال الناس عند حلول الموت بهم


لكن إنه لن يأتي هكذا كيفما اتفق.. له مواعيد وله أوقات وله لحظات وله ساعات لا يأتي إلا فيها، وهي نهاية الأعمار نهاية الأنفاس نهاية الحياة الدنيا، إن الله -تعالى- قد جعل لكل مخلوق أجلاً، قد جعل لكل مخلوق عُمرًا لا يزيد عليه ولا ينقص منه, وقد كتب الله الآجال عنده في اللوح المحفوظ من قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.

فإذا جاء الموعد وجاءت ساعة النهاية فلن يفلت منه أحد، مهما فعل من أسباب البقاء فلن يستطيع, (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا)[آل عمران:145]، وقال -تعالى-: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ﴾[النساء:78]، وقال -تعالى-: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾[الأعراف:34].

قالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: "اللَّهُمَّ مَتِّعْنِي بزَوْجِي رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ، وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ"؛ فَقالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّكِ سَأَلْتِ اللَّهَ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ، وَآثَارٍ مَوْطُوءَةٍ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ، لا يُعَجِّلُ شيئًا منها قَبْلَ حِلِّهِ، وَلَا يُؤَخِّرُ منها شيئًا بَعْدَ حِلِّهِ، ولو سَأَلْتِ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ مِن عَذَابٍ في النَّارِ، وَعَذَابٍ في القَبْرِ لَكانَ خَيْرًا لَكِ", فلو سأل العبد ربه أن يزيد في عمره سنة أو شهر أو يوم أو ساعة لما حصل له ذلك.

ووقت مجيء الموت مجهولٌ؛ لحكمة يريدها الله -تعالى-، وهذه مسألة خطيرة في غاية الخطورة يجب على اللبيب أن يعمل لها ألف حساب؛ لأنه لا يدري متى يتسلل إلى روحه فيأخذها, ﴿إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾[لقمان:34].

فإذا جاءت تلك الساعة وتلك اللحظة وتلك الدقائق التي نراها فيمن مات وفيمن فات فإن الله -تعالى- يرسل ملك الموت لسَلّ تلك الروح أو نزعها، إذا كان مؤمنًا تُسَلّ، وإذا كان كافرًا أو فاجرًا تُنْزَع؛ قال -تعالى-: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ، ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ﴾[الأنعام:61-62].

لكنَّ ملك الموت يأتي المؤمنين في صورة حسنة ويأتي الكافر في صورة مخيفة كما في حديث البراء بن عازب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ العبدَ المؤْمن إذا كان في انْقِطَاعٍ من الدُّنْيَا، وإِقْبالٍ من الْآخِرَةِ، نزل إليه من السَّمَاءِ ملائكةٌ بِيضُ الوجُوهِ، كأَنَّ وجوهَهُمُ الشمسُ، معهُمْ كفنٌ من أكْفَانِ الجنَّةِ، وحَنُوطٌ من حَنُوطِ الجَنَّةِ، حتى يَجْلِسُوا منه مَدَّ البَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ المَوْتِ حتى يَجلِسَ عندَ رأسِه فيَقولُ: أيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي إلى مغْفِرةٍ من اللَّهِ ورِضْوَانٍ، فتخْرُجُ تَسِيلُ كما تسِيلُ القَطْرَةُ من فِي السِّقَاءِ"..

إلى أن قال -صلى الله عليه وسلم-: "وإنَّ العبدَ الكافِرَ إذا كان في انقِطَاعٍ من الدنيا، وإقبالٍ من الآخِرةِ، نزل إليه من السماءِ ملائكةٌ سُودُ الوجُوهِ معَهُمُ المُسُوحُ، فيجلِسُونَ منه مَدَّ البَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الموتِ حتى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ: يَا أيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ اخْرُجِي إلى سَخَطٍ من اللَّهِ وغَضَبٍ، فَتَفْرُقُ في جَسَدِهِ فيَنتَزِعُهَا كَما يُنتَزَعُ السَّفُّودُ من الصُّوفِ المَبْلُولِ"

كل هذه الاحداث الغريبة تحدث للميت ومن حوله لا يشعرون ولا يحسون؛ قال -تعالى-: ﴿فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ﴾[الواقعة:83-85], وكل من جاءه الموت يتمنَّى الرجعة إلى الدنيا فإذا كان كافرًا؛ فيريد أن يُسْلِم، وإذا كان عاصيًا يريد أن يتوب، ويصور الله تلك اللحظات فيقول: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾[المؤمنون:99-100]؛ فيقال له: ﴿كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا﴾ مجرد كلام لا ينتفع به خلاص لا عودة ولا رجوع.

الثبات والفرح واليقين بلقاء رب العالمين


والمؤمن يفرح بلقاء الله، المؤمن صاحب الإيمان صاحب الصدق والإخلاص والأخلاق صاحب الصلاة والعبادة طاهر القلب واللسان والجوارح, فإنه إذا جاء الموت يفرح بلقاء الله قالَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إذَا وُضِعَتِ الجِنَازَةُ، فَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ علَى أعْنَاقِهِمْ، فإنْ كَانَتْ صَالِحَةً قالَتْ: قَدِّمُونِي، قَدِّمُونِي، وإنْ كَانَتْ غيرَ صَالِحَةٍ قالَتْ: يا ويْلَهَا، أيْنَ يَذْهَبُونَ بهَا؟ يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شيءٍ إلَّا الإنْسَانَ، ولو سَمِعَهَا الإنْسَانُ لَصَعِقَ"

وإذا جاءت ساعة الموت حضر الشيطان، وقد ذكر العلماء أن الشيطان يأتي الإنسان عند وفاته في صورة أمه أو أبيه أو غيرهم ممن هو عليه مشفق فيدعوه إلى اليهودية أو النصرانية، وقد حدث عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل قال: "حضرت وفاة أبي أحمد، وبيدي خرقة لأشد لحييه، فكان يغرق، ثم يفيق، ويقول بيده: لا بعدُ، لا بعدُ، فعل هذا مراراً، فقلت له: يا أبتِ أيّ شيء يبدو منك؟ قال: إن الشيطان قائم بحذائي عاضّ على أنامله، يقول: يا أحمد فُتَّنِي، وأنا أقول: لا بعدُ، لا بعدُ، حتى أموت"

هكذا المؤمن يُخْتَم له بخيرٍ ويصير إلى خيرٍ، ويثبت -بإذن الله- على إيمانه وعلى دينه وعلى استقامته وعلى صلته بربه، وهو في سكرات الموت, ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾<
[إبراهيم:27].

التحذير من أمور تؤدي إلى سوء الخاتمة


المؤمن في تلك اللحظات يتشهد يذكر الله أو ساجد أو محرمًا أو يقرأ القرآن أو في المساجد, وفي تلك اللحظات العصيبة مَن يختم له بسوء الخاتمة -أجارنا الله وإياكم منها-. كم في الناس مَن يختم له بسوء الخاتمة -نعوذ بالله-!، لذلك يجب أن نحذر من عدة أمور، الأمر ليس بالسهل، المسألة جنّة أو نار، نعيم أو جحيم, يجب أن نحذر كل الحذر حتى لا تسوء خاتمتنا عند موتِنا:

أولاً: نحذر من فساد العقيدة: احذر أن يفسد اعتقادك في أمر من أمور الدين أو تؤمن به على غير مراد الله وعلى غير ما جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, لا تعتقد أن الإسلام ظلم المرأة, لا تعتقد أن الإسلام يبيح الأغاني أو الموسيقى أو النظر إلى العاريات أو كشف الوجه للمرأة أو زواج المتعة أو سبّ الصحابة أو أن الدين تخلف ورجعية وإرهاب ولا يصلح لهذا الزمن، وأنه ضد التطوّر والرقي.

لا تعتقد أن المجوس والنصارى واليهود حياتهم أسعد من المسلمين أو أنهم على حقّ أو أنهم على دين عيسى -عليه السلام- أو أنهم يُعْذَرُون بكفرهم؛ لأنهم لا يعلمون الإسلام, احذر من هذه العقائد؛ فإنها من أسباب سوء الخاتمة.

ومن أسباب سوء الخاتمة: الإصرار على المعصية، نعلم أنها حرام، وأنها سيئة، وأنها مخالفة ومع ذلك نُصِرّ عليها وفي كل يوم نقترفها ونمارسها؛ فإن ذلك من أسباب سوء الخاتمة والموت مع الاصرار على المعصية.

ومن الأسباب: العدول عن الاستقامة.. يعلم أن الاستقامة حقّ وأنها تُرضي الله وتقرّب إلى الله وفيها سعادة الدنيا والأخرى ثم لا يهتمّ ولا يغتمّ ولا يهمه أن يستقيم ويقبل على الرب الرحيم فيبقى لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ولكنَّه عند الموت يغلب عليه ما كان مُصِرًّا عليه.

ومن الأسباب: ضعف الإيمان، وهذا منزلق خطير؛ لأن ضعيف الإيمان يفشل عند السكرات ويندهش عند الممات، فلا إيمان قوي ولا عمل خالص يثبّته في تلك اللحظات, نقل عن الغزالي في الإحياء أن "سوء الخاتمة على رُتبتين: إحداهما أعظم من الأخرى؛ فأما الرتبة الأولى العظيمة أن يغلب عند الموت الشك أو جحود فتقبض الروح على ذلك فيكون حائلًا عظيمًا بينها وبين الله, والثانية دونها أن يغلب على قلب الميت شيء من أمور الدنيا كان متعلقًا فيه من شهوة أو شبهة فتقبض روحه في حالةِ غلبةِ الدنيا".

حوار رائع مليء بالفوائد


عن يحيى بن أبي كثير قال: دخل سليمان بن عبد الملك المدينة حاجًّا فقال: هل بها رجل أدرك عدّة من الصحابة؟ قالوا: نعم، أبو حازم، فأرسل إليه، فلما أتاه قال: يا أبا حازم ما هذا الجفاء؟ قال: وأيّ جفاء رأيت مني يا أمير المؤمنين؟ قال: وجوه الناس أتوني ولم تأتني، قال: والله ما عرفتني قبل هذا، ولا أنا رأيتك فأيّ جفاء رأيت مني؟

فالتفت سليمان إلى الزهري، فقال: أصاب الشيخ وأخطأتُ أنا.

ثم قال: يا أبا حازم ما لنا نكره الموت؟

فقال: "عمّرتم الدنيا وخرّبتم الآخرة؛ فتكرهون الخروج من العمران إلى الخراب"، قال: صدقت.

فقال: يا أبا حازم ليت شعري ما لنا عند الله -تعالى- غدًا؟

قال: اعرض عملك على كتاب الله -عز وجل-.

قال: وأين أجده من كتاب الله -تعالى-؟

قال: قال الله -تعالى-: ﴿إِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ﴾[الانفطار: 13- 14].

قال سليمان: فأين رحمة الله؟

قال أبو حازم: ﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾[الأعراف:65].

قال سليمان: ليت شعري كيف العرض على الله غدًا؟

قال أبو حازم: أما المحسن كالغائب يقدم على أهله، وأما المسيء كالآبق يُقدَم به على مولاه.

فبكى سليمان حتى علا نحيبه واشتدّ بكاؤه..

فقال سليمان: أوصني. فقال: "أوصيك وأوجز: عَظِّم رَبّك ونَزِّهه أن يراك حيث نهاك أو يفقدك حيث أمرك"

أحوال القبور وعذابها ونعيمها


ثم بعد الموت وخروج الروح ينتقل الميت إلى القبر فيا ترى ما تلك الحفرة؟ هل هي تراب فقط وطين وانتهى الأمر؟ أم ماذا فيها؟

إن في تلك الحفرة أمورًا عظيمة يجب على المسلم أن يعلمها ويُعِدّ لها العدة:

أولها: أن القبر أول منازل الآخرة, يقول عنه -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ القَبرَ أوَّلُ مَنازِلِ الآخِرةِ، فإِنْ نَجَا مِنهُ، فمَا بَعدَه أيسرُ مِنهُ، و إنْ لَم يَنْجُ مِنهُ، فمَا بَعدَهُ أشَدُّ مِنهُ"

ثانيها: أن القبر ظلمة لا يشابهها ظلمة، ولكن أهل الإيمان والصلاح ينوّر الله قبورهم عليهم, قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ هذِه القُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً علَى أَهْلِهَا، وإنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنَوِّرُهَا لهمْ بصَلَاتي عليهم" والحديث له قصة.

وثالثها: أن القبر له ضمة لا ينجو منها أحد، ولكن على قدر عمل العبد يكون قدر ضمة القبر, قال -صلى الله عليه وسلم- عن سعد بن معاذ -رضي الله عنه-: "هذا الذي تَحَرَّكَ لهُ العرْشُ، وفُتِحَتْ لهُ أبوابُ السماءِ، وشهِدَهُ سبْعونَ ألْفًا من الملائِكةِ، لقدْ ضُمَّ ضَمَّةً، ثمَّ فُرِّجَ عنْهُ"

ورابعها: أن في القبر اختبارًا وأسئلة؛ فناجح وراسب، والأسئلة ثلاثة: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟

خامسها: إن في القبر نعيمًا، وإن في القبر جحيمًا, صاحب النميمة يُعذَّب في قبره، والذي لا يستبرئ من بوله يُعذَّب في قبره, والذي ينام عن الصلاة المكتوبة يُعذَّب في قبره, والذي يكذب ويغتاب ويأكل لحوم الناس يُعذَّب في قبره, ومَن غلَّ أو أخذ شيئًا لا يحقّ له سواءً من مقر عمله أو على أحد من الناس حتى ولو كان كافرًا عُذِّبَ في قبره.

ولذلك لَمَّا قُتِلَ رجل في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا له الشَّهَادَةُ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "بَلْ، والذي نَفْسِي بيَدِهِ، إنَّ الشَّمْلَةَ الَّتي أصَابَهَا يَومَ خَيْبَرَ مِنَ المَغَانِمِ، لَمْ تُصِبْهَا المَقَاسِمُ، لَتَشْتَعِلُ عليه نَارًا"؛ فَجَاءَ رَجُلٌ حِينَ سَمِعَ ذلكَ مِنَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- بشِرَاكٍ أوْ بشِرَاكَيْنِ، فَقَالَ: هذا شيءٌ كُنْتُ أصَبْتُهُ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "شِرَاكٌ -أوْ شِرَاكَانِ- مِن نَارٍ"

وهاجر القرآن والزاني وآكل الربا يُعذَّبُون في القبور، وارجعوا في ذلك إلى حديث الرؤيا الذي رواه البخاري, ومَن عليه دَيْن يُحْبَس في قبره، ومن ناح عليه أهله بعد موته عُذِّب في قبره بنياحة أهله.


عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية