اسم الله الباطن

اسم الله الباطن

اسم الله الباطن


معاني اسم الله الباطن


إننا لنحتار دائمًا إذا ما وقفنا أثناء لحظات حياتنا موقفًا على مفارق الطرقات؛ فنتساءل أيها نسلك؟! وفي أيها الخير، وفي أيها الشر؟! وما حيرتنا هذه إلا لأننا لا نعلم بواطن الأمور وحقائقها ومآلاتها، فلا يكون للعبد المؤمن الفطن الذكي إلا أن يلجأ إلى الله -تعالى- يستهديه ويستخيره، ذلك لأن الله هو "الباطن" العالم ببواطن الأمور، إذ يقتصر علمنا فقط على ظواهرها.

لقد سمى الله -عز وجل- نفسه بـ"الباطن"، ويقابله اسم الله "الظاهر"، قال -عز من قائل-: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ﴾ [الحديد: 3].

ولاسم الله الباطن معان متعددة، منها ما يلي:

الباطن: المحتجب عن أبصار الخلق، الخفي عن النواظر والعيون غير المدرك بالحواس، فهو -عز وجل- باطن لا يُشاهد كما تُشاهد المخلوقات، بل لا تستطيع عين مخلوق أن تراه، قال -تعالى-: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ﴾ [الأنعام: 103]، ، ولما طلب نبي الله موسى -عليه السلام- أن يرى الله فقال: ﴿رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: 143]، قال الله له: ﴿لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا﴾ [الأعراف: 143]، فلم يتحقق لموسى ما أراد.

كذلك لما سأل أبو ذر رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-: هل رأيت ربك؟ أجابه: "نور أنى أراه" ، أي حجابه النور فكيف أراه! ففي رواية لمسلم أيضًا أنه -صلى الله عليه وسلم- إجاب أبا ذر قائلًا: "رأيت نورًا"، وعن مسروق أنه قال لعائشة -رضي الله عنها-: يا أمتاه هل رأى محمد -صلى الله عليه وسلم- ربه؟ فقالت: لقد قف شعري مما قلت... من حدثك أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه فقد كذب" ، وعليه فـ"الباطن هو المحتجب عن أبصار الخلائق وأوهامهم فلا يدركه بصر ولا يحيط به وهم"

ومن معاني اسم الله الباطن: الخبير العالم بما بطن، أي: خفي من قولهم: "بطن فلان بكذا" قَرُب منه فأختص بمعرفة باطن أمره، ويقال: "بطانة فلان" أي خاصته، فاسم الله الباطن يدل على اطلاعه -سبحانه وتعالى- على خفايا الأمور وخبايا القلوب وسرائر الصدور وضمائر البشر ودقائق المخلوقات... ويدل كذلك على كمال قربه -سبحانه- من مخلوقاته ودقة علمه بأحوالها.

ومن معانيه: القريب من كل شيء الذي هو أقرب شيء إلى كل شيء، فلا أحد أقرب منه -سبحانه- إلى جميع الكائنات والمخلوقات والموجودات، وعليه حُمل قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وأنت الباطن فليس دونك شيء" ، وقد قرر القرآن الكريم هذا المعنى حين قال: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ [ق: 16]، وحين قال: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ﴾ [الواقعة: 85].

ومن معانيه إذا تكامل مع اسم الله الظاهر: المحيط علمًا بجميع خلقه بحيث يكون أقرب إليهم من أنفسهم، وذلك أن الباطن محيط ببواطن الأمور وخفاياها، والظاهر محيط بظواهرها وعلانيتها؛ فاكتملت له -عز وجل- الإحاطة بكل شيء، وما أجمل ما فسر به النبي -صلى الله عليه وسلم- اسم الله الظاهر واسمه الباطن حين قال: "... وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء..." ؛ والمراد في قوله: "فليس دونك شيء" بمعنى الإحاطة بالكائنات، فينبغي أن يحمل الظاهر والباطن علي معنى تقرر الإحاطة"

الله باطن عن العيون ظاهر للعقول


إن كان ربنا -عز وجل- باطنًا محتجبًا عن عيوننا وحواسنا ولا تدركه أبصارنا، فإنه -تعالى- ظاهر تمام الظهور لكل عقل ذكي متأمل متدبر، لقد ظهر وتجلى ربنا -عز وجل- لقلب أعرابي قد صفت فطرته وانتفت الموانع من عقله، فأطلقها كلمات تقطر تأملًا وفطنة وذكاء قائلًا: "البعرة تدل على البعير، وأثر السير يدل على المسير، وهذي سماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، ألا تدلان على اللطيف الخبير"؟!.

وهذا القرآن يحكي لنا كيف أن أقوامًا وصل بهم تأملهم في خلق الله إلى أن يظهر الله الباطن الظاهر لعقولهم فيتملقوه ويتقربون منه ويدعونه، يقول الله: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آلعمران:190-191].

وآيات الله في هذا الكون الفسيح وأقداره الحكيمات لتقوم دلائل ناطقات على ظهوره وتجليه لكل قلب نقي ولكل عقل ذكي:

لله في الآفـاق آيات لعل أقلها
         هو ما إليه هداك

ولعل ما في النفس من آياته
          عجب عجاب لو ترى عينــاكَ

والكـون مــــشــحون بأســرار إذا
          حـــاولت تـــفــــســــيرًا لـهــا أعيـــاكَ

قل للـطــبــيـــب تـخــطـــفــتــه يـد الـردى
         مـــن يا طبيب بطبه أرداك

قل للمـــــريــــض نـجـــا وعـــــوفـــي بعدما
         عجزت فنون الطب من عافاك

قل للصحــــيــــح يـمـوت لا مـــــن عــــلة
         من بالـمــــنــــايا يا صحيح دهاك

قل للجنين يعيش مـــعـزولاً بلا
          راعٍ ولا مرعى ما الذي يرعاك

واسأل بطون النحل كيف تقاطرت
         شهدًا وقل للشهد من حلاك

بل ســـائـــل اللـــبن المصــفى كان بـين
         دم وفرث مـــا الذي صفَّاك

وإذا رأيت النـــخـــل مــشــقـوق النــوى
         فاســألـه مـــن يا نخل شق نواك

ربـي لك الـحــمــد الــعــظـــيــم لذاتك
         حـمـدًا ولـيـس لواحد إلاك

يا مــدرك الأبـصـــــار والأبــصــــــــار لا
        &تدري له ولكنه إدراك

أتراك عـــــــين والـــعـــــــيــــون لـهـا مـــدى
         ما جاوزته، ولا مدى لمداك

إن لـم تـكــــن عــيـــنــي تــــراك فـــإنــنـي
          فـي كـل شـــيء أستـبين عُلاك

فأعمى القلب ومظلم البصيرة وكليل العقل هو الذي لا يبصره -تعالى- ظاهرًا في مخلوقاته وإبداعاته وتجلياته! وصدق الله -تعالى- الذي قال: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [فصلت: 53]، قال عطاء وابن زيد: "(في الآفاق): يعني أقطار السموات والأرض من الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار والرياح والأمطار والرعد والبرق والصواعق والنبات والأشجار والجبال والبحار وغيرها" ، ومثله قول الله -تعالى-: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا﴾ [النمل: 93].

ثمار الإيمان باسم الله الباطن


كثيرة هي الثمار التي يجنيها العبد إذا عاش في معية اسم الله الباطن، ونحاول فيما يلي ذكر بعضها:

فأولاها: الشعور بمعية الله -عز وجل- الذي ليس شيء أقرب إليك منه، وقد قيل في معنى اسم الله الباطن: أي ليس شيء أبطن منه "انظر: مرقاة المفاتيح للقاري، وحاشية السندي"، فهو -تعالى- أقرب شيء إلى كل شيء.

وثانيها: إحسان الأحوال الباطنة: فإن استشعر العبد أن الله الباطن -عز وجل- خبير بسره وبذات صدره عليم بخفايا نفسه حاول أن يطهر باطنه كي لا يطلع منه ربه على قبيح، فيكون نصب عينيه قول الله -تعالى-: ﴿فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ [طه: 4]، وقال -عز من قائل-: ﴿قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾ [آل عمران: 29]، فتلقى العبد مهتمًا بتحسين سره وتزيينه وتنقيته أكثر مما يحرص على تزيين ظاهره الذي تقع عليه أعين الخلق.

ومن ثمرات الإيمان باسم الله الباطن: تفويض أمور الناس إلى الله وعدم الحكم على من لا يضطر إلى الحكم عليه من البشر؛ ذلك ليقينه أنه لا يطلع على بواطنهم إلا الله -تعالى- وحده لا شريك له، وأنه مهما كانت فطنته وذكاؤه وفراسته تقصر قدراته عن أن تعلم بواطن الأشخاص، ومنتهاه أن يبصر ظواهرهم.

ومن التفكر في اسم الله الباطن: تمني النظر إلى وجهه الكريم؛ فالله الباطن -عز وجل- هو المحتجب عن عيون خلقه في هذه الحياة، أما في الآخرة فإنه -سبحانه وتعالى- يمنح أولياءه رؤيته والنظر إليه -جل وعلا-، ففي القرآن يقول الله -تعالى-: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: 26]، فالزيادة هي النظر إلى الله -عز وجل-.

وفي الصحيحين عن جرير بن عبد الله قال: كنا جلوسًا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ نظر إلى القمر ليلة البدر قال: "إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته" ، فيكون شاغله هو العمل الصالح ونقاء القلب والصحيفة من الذنوب كي ينال الرؤية الربانية السامية التي لا تعدلها متعة ولا لذة، فعن صهيب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال: يقول الله -تبارك وتعالى-: تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة، وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم -عز وجل-"

ومن بركات العيش في ظلال اسم الله الباطن: دوام مراقبة الله الباطن الذي هو مطلع على المرء في خلواته، قال -تعالى-: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا﴾ [المجادلة: 7].

المرجع :

لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية