اسم الله البر

اسم الله البر

اسم الله البَر


اسم الله البر معانٍ ودلالات


إن أسماء الحسنى وصفاته العلى تبعث الأمن والطمأنينة في قلب العبد المؤمن, ومن هذه الأسماء الحسنى التي سمى الله به نفسه اسم "البَر", وقد ورد مرة واحدة في سورة الطور مقترنا باسمه "الرحيم" في قوله تعالى: ﴿إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ﴾ [الطور: 28].

والبِرّ بكسر الباء يُطلق على فعل الخير والإحسان والطاعة, والبَرُّ بالفتح هو المُحسن المكثر من فعل الخير، يقال: "فلان ٌ بارٌ بوالديه" إذا كان محسناً لهما, ومن هذا الباب جاء وصف الزهاد والعباد بالأبرار في قوله تعالى: ﴿وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ﴾ [آل عمران:198], والبَرُّ أبلغ من البار, ولذلك يقال: "الله بر"، ولم يقل: "الله بار", وقد جاء وصفاً في بر الأنبياء بوالديهم, قال الله عن يحيى عليه السلام: ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا﴾ [مريم:14], وقال عن عيسى عليه السلام: ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا﴾ [مريم:32]. أيها المسلمون: وبِرّ الله بخلقه يعني تتابع إحسانه إليهم وإصلاح جميع أحوالهم، فالبَرّ سبحانه هو الذي لا ينقطع إحسانه عن خلقه، شمل الكائنات كلَّها ببره وإحسانه وكرمه، فهو مولى الجميل، ودائم الإحسان، وواسع المواهب، قال الإمام الخطابي: "البَر هو العطوف على عباده, المحسن إليهم, عمّ ببره جميع خلقه, فلم يبخل عليهم برزقه, وهو البرُّ بأوليائه, إذ خصهم بولايته, واصطفاهم لعبادته, وهو البَرُّ بالمحسن في مضاعفة الثواب له, والبر بالمسيء في الصفح, والتجاوز عنه".

وقال الحليمي: "معناه الرفيق بعباده، يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر, ويعفو عن كثير من سيئاتهم، ولا يؤاخذهم بجميع جناياتهم, ويجزيهم بالحسنة عشر أمثالها, ولا يجزيهم بالسيئة إلا مثلها، ويكتب لهم الهمّ بالحسنة، ولا يكتب عليهم الهمّ بالسيئة".

الحكمة من اقتران اسم البر الرحيم


تتابع إحسانه وإنعامه سبحانه هو أثر من آثار رحمته الواسعة التي غمرت الوجود، وتقلب فيها كلُّ موجود، ولذا فاقتران "البر" بـ "الرحيم" لعله من اقتران المسبَّب بالسبب, وتقديم "البَرِّ" على "الرحيم" أبلغ في المدح, والثناء بالترقي من الأخص إلى الأعم، ومن المسبَّب إلى السبب.

برّه سبحانه بخلقه على نوعين


إذا تأملنا هذا الاسم الإلهي العظيم ودلالاته، تبيّن لنا أن برّه سبحانه بخلقه على نوعين: النوع الأول: البرّ العام: وهو الإحسان الإلهي العام الذي وسع الخلائق كلّها في البرّ والبحر، والسماوات والأرض، وما من مخلوقٍ إلا وقد أسبغ الله عليه من برِّه وإحسانه ونعمه ظاهراً وباطناً، فهيّأ له رزقه وقوته، وكساه الجمال وأحسن خلقه، وأعطاه ما ينفعه ودفع عنه ما يضرّه، بحسب ما تقتضيه حكمته سبحانه، وفي دعاء الملائكة: ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً﴾ [غافر:7], وقال تعالى: ﴿وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ [إبراهيم:34].

النوع الثاني: البرّ الخاص: وهو ما خصّ به المؤمنين المتقين دون غيرهم، فحبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وتولاهم بولايته وأحاطهم بعنايته؛ فشرح صدورهم لطاعته, وأوزعهم شكر نعمته, ورزقهم والأمن والطمأنينة النفسيّة، قال تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف:156].

ومن البر الخاص: مُضَاعَفَةَ الثَّوَابِ لَهُمْ, وَهُنَاكَ الْكَثِيرُ مِنْ الأُمُورِ الْيَسِيرَةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا الْعَبْدُ؛ فَيُضَاعِفُ اللهُ لَهُ الثَّوابَ عَشَرَاتِ بَلْ آلاَفَ الأَضْعَافِ، مِنْ ذَلِكَ: الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ"

ومن بره سبحانه بالمؤمنين: ما يهبهم من الأزمنة المباركة التي تتضاعف فيها الأجور, وتُكَفَّر فيها السيئات, فهذه لَيْلَة الْقَدْرِ العمل فيها يفضل عن عَمَلِ أَلْفِ شَهْرٍ، قَالَ تعالى: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ [القدر: 3]، بَلْ وَمَنْ قَامَهَا إِيمَانًا وَاِحْتِسَابًا غَفَرَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ كما صح عن النبي عليه الصلاة والسلام، فَتِلْكَ الذُّنُوبُ الْمُتَرَاكِمَةُ، وَالْمَعَاصِي الْمُتَتَابِعَةُ؛ يَغْفِرُهَا اللهُ بِقِيَامِ لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ.

وَالْأَذْكَارُ بَابٌ عَظِيمٌ يَفْتَحُهُ الْبَرُّ الرَّحِيمُ لِعِبَادِهِ؛ لِيُضَاعِفَ لَهُمُ الْأُجُورَ والحسنات, فَانْظُرُوا إِلَى هَذِهِ الأَذْكَارِ الْيَسِيرَةِ بِأَعْدَادٍ مَحْصُورَةٍ تَرَتَّبَتْ عَلَيْهَا أُجُورٌ عَظِيمَةٌ, مِنْ ذَلِكَ: قَالَ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَالَ: رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ" ، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ سَبَّحَ اللهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَحَمِدَ اللهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَ اللهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَقَالَ: تَمَامَ الْمِائَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؛ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ" , وَقَالَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ أَوْ فَيُسْبِغُ الْوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ؛ إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ".

وهكذا من تتبع الأعمال الصالحة يجد كرم الله وبره بالمؤمنين ليس له حد ولا عد, فمَا أَلْطَفَ اللهَ! وَمَا أَبَرَّهُ! وَمَا أَكْرَمَهُ!. بل بلغ بِرُّ الرب بأوليائه في الدنيا أن لو أقسم عليه أحدهم للبى له طلبه وما حنثه في يمينه, قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ".

الآثار الإيمانية لاسم الله البر


ولاسم الله "البَر" آثار إيمانية ينبغي أن تنعكس على حياة المؤمن منها: إدراك أن الخالق سبحانه وتعالى يريد بعباده اليسر ولا يريد بهم العسر ورفع عنهم الحرج: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة:185]، ومن التيسير الحاصل لهم مجازاتهم بالعمل اليسير الأجر الكثير، وإثابتهم بمجرّد النيّة الصالحة، وغفران السيئات ومحوها بالأعمال الصالحات ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾ [هود:114]. ومن الآثار الإيمانية: إمهال الخالق للمذنبين وستره لعيوبهم، قال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ﴾ [الكهف:58], فينبغي على العبد أن يعرف بره سبحانه في ستره عليه حال ارتكاب المعصية، مع كمال رؤيته له، ولو شاء لفضحه بين خلقه، وإذا اشتغل العبد بمطالعة هذه المنة وتذكّرها لقوي تعلّقه بالله وازداد إيمانه، وهو أنفع له وأكملُ من الاشتغال بالجناية، وشهود ذل المعصية، فإن الاشتغال بالله والغفلة عما سواه هو المطلب الأعلى، والمقصد الأسمى، كما يقول الإمام ابن القيم.

ومن الآثار الإيمانية لاسم الله "البر": أن المؤمن مع ما يرى من منة البر سبحانه عليه وكثرة فضائله لديه إلا أن ذلك لا يؤمِّنه من عذابه, ولا يقطع عليه الوعد أنه من الناجين من النار بل يشفق أن يكون من أهلها, فذلك الإشفاق كان سببا في عتقهم من النار, فالله أخبر عن نجاتهم منها ولم يذكر من أعمالهم إلا الخوف والدعاء, فتأمل ذلك في قوله تعالى: ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ﴾ [الطور:2528].

ومن الآثار الإيمانية لاسم الله "البر": أنه سبحانه يأمر بالبر ويحب البررة ,فليعرض العبد أحواله على خصال البر, قال تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة: 177].

ومن أعظم البر الذي حث الله عليه عباده بر العبد بوالديه, ومن أراد بِرَّ ربه به فليقم علاقته مع والديه على ما يرضي ربه عنه, فرضى الله في رضاهما وسخطه في سخطهما, كما ويسعى المسلم جاهدا أن تكون أعماله كلها مبرورة, فالله بر يحب البر ويكرِّم الأبرار, فهذا الذي يزكِّي له عمله ويضاعف له أجره, فالحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة. ومن أراد أن يحوزَ على البِرِّ كله فليحسن معاملته للآخرين, روى مسلم من حديث النَوَّاس رضي الله عنه أنه قال: "سألت رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم عن البر، فقال: "الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ".

ومن الآثار الإيمانية لاسم الله "البر": كثرة التضرع ودعاء الله تعالى, فقد ورد هذا الاسم في تذكر أهل الجنة ما كانوا عليه في الدنيا من الخوف من ربهم ودعائه سبحانه ﴿إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ﴾. ولن يبلغ العبد البر الذي يريده مولاه إلا إذا تضرع إليه سبحانه أن ينيله الله البر ويرزقه إياه, ولهذا كان من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم في سفره: "سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ، اللهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ في سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى" . ومن الآثار الإيمانية لاسم الله "البر": أن معرفة الله بهذا الاسم تؤدي إلى الاشتياق إلى ما وعد الله به الأبرار من النعيم المقيم، قال البر تعالى: ﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ﴾ [آل عمران:198], وقال: ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ [المطففين:2226].

فما أحوجنا إلى العيش في ظلال اسم الله البر المشتمل على المعاني اللطيفة والثمار الجليلة؛ فالعاقل من أدرك حقيقة هذا الاسم ومعناه وبر ربه ومولاه.

لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية