اسم الله المحيي والمميت

اسم الله المحيي والمميت

اسم الله المحيي والمميت


هي حركة دائبة دائمة لا تتوقف أبدًا؛ حركة الموت والحياة؛ ففي كل لحظة يولد آلاف من البشر ويموت آلاف أخرى، ولولا ذلك لما اتسعت الأرض لمن عليها، وما يسري في هذا الشأن على البشر يسري كذلك على الحيوانات والطيور والحشرات التي تولد وتموت، وعلى النباتات والأشجار التي ينبت منها ما ينبت ويذبل منها ما يذبل، بل وينطبق هذا على النجوم والكواكب والأفلاك، وإن تفاوتت الأعمار والآجال... لكنها جميعًا تحيا وتموت... وحركة الموت والحياة هذه إنما تجري بفعل الواحد الأحد الفرد الذي سمى نفسه: "المحيي المميت"؛ بل هو الذي خلق الموت والحياة، قال -تعالى-: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [الملك: 2].

لم يرد اسمي الله المحيي والمميت في القرآن ولا في السنة بلفظهما المقترن بالألف واللام، وإنما ورد اسم الله المحيي مضافًا إلى غيره؛ كقوله -تعالى-: ﴿إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى﴾ [فصلت: 39]، وورد كلا الاسمين الجليلين بصيغة الفعل؛ كقوله -تعالى-: ﴿كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى﴾ [البقرة: 73]، وكقوله -سبحانه-: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [الحديد: 17]، وكقول إبراهيم -عليه السلام-: ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ [البقرة: 258].

معاني اسمي الله المحيي المميت


معنى اسم الله المحيي: جاعل الخلق حيًّا بوهب الروح لهم وإحداث الحياة فيهم، ومعنى اسم الله المميت: جاعل الأحياء موتى بسلب الحياة منهم وإحداث الموت فيهم، قال -تعالى-: ﴿قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾ [الجاثية: 26].

ومن العلماء من عرَّف اسم الله المحيي بأنه: الذي يحيي النطفة الميتة فيخرج منها النسمة الحية، ويحيي الأجسام البالية بإعادة الأرواح إليها عند البعث، ويحيي القلوب بنور المعرفة، ويحيي الأرض بعد موتها بإنزال الغيث وإنبات الرزق.

وعرَّفوا اسم الله المميت بأنه: الذي يميت الأحياء، وينهي بالموت حياة الأحياء، وقد مدح الله -تعالى- نفسه بالإماتة كما مدحها بالإحياء فقال -عز من قائل-: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ [المؤمنون: 80].

ومن معاني هذين الاسمين الجليلين: أن المحيي "خالق الحياة ومعطيها" لمن يشاء، والمميت "نازع الحياة وسالبها" ممن يريد؛ فلا يستطيع أحد منع نفس كتب الله إحياءها من الحياة؛ فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، أنهم سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا رسول الله، إنا نصيب سبيًا، فنحب الأثمان؛ فكيف ترى في العزل؟ فقال: "أوإنكم تفعلون ذلك؟ لا عليكم أن لا تفعلوا ذلكم، فإنها ليست نسمة كتب الله أن تخرج إلا هي خارجة"

وكذلك فلا يستطيع مخلوق أن يمنع عن نفسه أو عن غيره الموت الذي قدره المميت -سبحانه وتعالى-، قال -عز من قائل-: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ [النساء: 78]، وتحدى الله من غروا غيرهم بترك الجهاد لئلا يموتوا قائلًا: ﴿قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [آل عمران: 168]

ومن معاني اسم الله المحيي أنه -تعالى- أصيل الحياة؛ فحياته لم يسبقها عدم ولا موت، ولذلك فهو -عز وجل- واهب الحياة لغيره، كذلك فالمميت -تعالى- يرمي من سواه بالموت والفناء الذي قضاه عليهم، وهو -تعالى- الحي الذي لا يموت أبدًا.

ومن معاني اسم الله المحيي: أنه محيي القلوب الميتة بالقرآن وبالهدى، والمميت مميت القلوب الجاحدة بالكفر وبالضلال.

ومن معاني اسم الله المحيي: أنه -عز وجل- محيي العيون من نومها بالاستيقاظ والبعث في النهار للمعاش، والمميت مميت الانتباه والشعور بالموتة الصغرى التي هي النوم، قال الله -تعالى-: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ﴾ [الأنعام: 60]، فسمى -عز وجل- النوم وفاةً، والاستيقاظ بعثًا، وعن حذيفة بن اليمان، قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أوى إلى فراشه يقول: "باسمك أموت وأحيا"، وإذا قام قال: "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور"

تجليات اسمي الله المحيي المميت


إن الناظر المتدبر في هذا الكون الفسيح ليدرك في يسر وسهولة تجليات اسمي الله المحيي المميت في كل أركانه وجنباته، ومن هذه التجليات:

أولًا: بث الحياة في الأجنة التي لم تك شيئًا؛ فإن النطفة تدخل الرحم فتتكامل وتتحد مع العلقة، ثم يبدأ خلق الله -تعالى- لها والتدرج فيه، ثم يحيها المحيي -سبحانه- بنفخ الروح فيها، فعن عبد الله بن مسعود أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح..." ، فذلك هو الإحياء الأول من الله -تعالى- لابن آدم والذي ذكره القرآن الكريم حين قال: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ﴾ [البقرة: 28]؛ "وكنتم أمواتًا: يعني نطفًا في أصلاب آبائكم، فأحياكم: يعني في الأرحام والدنيا، أي: قد كنتم عدمًا فأخرجكم إلى الوجود"

ثانيًا: إحياء الأموات من قبورهم بعد مفارقة الأرواح لأجسادهم: وذلك في الدار الآخرة حين يأمر الله -تعالى- بالنفخ في الصور، قال -تعالى-: ﴿ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ﴾ [الزمر: 68]، والله -عز وجل- قادر على إحياء الموتى في كل زمان ومكان، وقد حدث وأحيا الله قتيلًا قتله قريبه من بني إسرائيل، قال -عز من قائل-: ﴿فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى﴾ [البقرة: 73]، ولقد أمات المحيي المميت -عز وجل- عبدًا من عباده هو وحماره وأحياهما بعد أن صارا جيفتين، قال -تعالى-: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: 259].

وقد جمع الله -عز وجل- الإحيائين السابقين في قوله -تعالى-: ﴿قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ﴾ [غافر: 11]؛ فالإحياء الأول هو إحياء الجنين من العدم بعد أن لم يكن، والإحياء الثاني هو الإحياء بعد الموت، ومع الإحياءين السابقين موتتان، قال ابن عباس مفسرًا: "كنتم ترابًا قبل أن يخلقكم فهذه ميتة، ثم أحياكم فخلقكم فهذه حياة، ثم يميتكم فترجعون إلى القبور فهذه ميتة أخرى، ثم يبعثكم يوم القيامة فهذه حياة أخرى؛ فهذه ميتتان وحياتان" .

ثالثًا: إحياء النفوس والقلوب والعقول بنور الإسلام والهداية، وإماتة غيرها بظلام الكفر والغواية، وهذا ما قرره الله -تعالى- حين قال: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ [الأنعام: 122]، وقد سمى الله -تعالى- الكفار موتى في قوله: ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ [الأنعام: 36].

رابعًا: إحياء الأرض الجدباء بالماء بعد موتها؛ فالمحيي -عز وجل- يسوق الماء إلى الأرض الميتة فيحييها به، قال -تعالى-: ﴿فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى﴾ [الروم: 50]، وقال -عز من قائل-: ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى﴾ [الحج: 5-6]، وإن المحيي الذي أحيا الأرض الميتة هو -عز وجل- الذي يحيي موتى البشر، وقد جعلها آية من آياته فقال -جل وعلا-: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى﴾ [فصلت:39].

وكما يحيي الله -تعالى- الأرض الجدباء بالماء فتحيا وتخرج الزرع والشجر والثمر، كذلك فإن الله -تعالى- يحيي البلاد الكاملة والقرى من بعد موتها، قال -عز من قائل-: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا﴾ [الفرقان: 48-49].

آثار الإيمان باسمي الله المحيي المميت


إن من آمن باسمي الله المحيي المميت اختصه الله -تعالى- بالكثير من الهبات والعطايا التي منها: الجراءة والشجاعة وعدم الرهبة إلا من الله؛ فإن الحياة والموت بيد المحيي المميت وحده -سبحانه-؛ فلا يملك عبد روح عبد لينزعها أو ليهبها؛ فعن أبي أمامة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "نفث روح القدس في روعي أن نفسًا لن تخرج من الدنيا حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها" ، وإذا أيقن المسلم بذلك لم يحجم عن الإقدام والشجاعة في الحق لأنه يعلم أن ذلك لا يقرب أجله ولا يمنع رزقه.

ومنها: مسابقة الأعمار بالعمل الصالح؛ فقد قضى المميت -سبحانه- الموت على جميع الأحياء، فقال: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ [آل عمران: 185]، وأن الآجال معدودة محدودة: ﴿إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [يونس: 49]، وقضى المحيي -جل في علاه- أن بعد هذا الموت حياة أخرى يُسأل فيها المرء عن أعماله في دنياه، فقال: ﴿قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ﴾ [الجاثية: 26]، وعليه: فلعلى العاقل اللبيب أن يتزود من القربات والصالحات قبل أن تنفد سنوات عمره فيميته الله ثم يحييه ليوم القيامة فيحاسبه.

ومنها: المداومة على أسباب حياة القلب، واجتناب أسباب قسوته وموته؛ فالمحيي المميت يحيي القلوب بالطاعات حتى تمتلء نورًا وروحًا وريحانًا، ويظلم قلوبًا أخرى ويميتها بالمعاصي حتى تصير كالجمادات والحجارة الصلدة، قال -تعالى-: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ [البقرة: 74].

المرجع :

لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية