اسم الله الحي

اسم الله الحي

اسم الله الحي


اسم الله الحي في القرآن والسنة


يقول الحق -تبارك وتعالى-: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف:180], ومن هذه الأسماء اسمه الأعظم, قال عنه رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: "اسم الله الأعظم في سور من القرآن ثلاث: في البقرة، وآل عمران، وطه". . قال القاسم بن عبد الرحمن: "فالتمست في البقرة، فإذا هو في آية الكرسي: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾، وفي آل عمران فاتحتها: ﴿الم * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾، وفي طه: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾".

واسم الله الحي عليه مدار كل الأسماء والصفات الأخرى، ورد اسم الله "الحي" اسماً وصفةً في مواضع متعددة من القرآن، منها: في آية الكرسي: ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة:255], وفي قوله -تعالى-: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ﴾ [الفرقان:58].

وقد جاءت السنة المطهرة مستفيضة بذكر اسم الله "الحيّ", فمن ذلك حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- جَالِسًا فِي الْحَلْقَةِ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَلَمَّا رَكَعَ وَسَجَدَ فَتَشَهَّدَ، ثُمَّ قَالَ فِي دُعَائِهِ: "اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ، يَا بَدِيعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، إِنِّي أَسْأَلُكَ"، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَتَدْرُونَ بِمَا دَعَا اللهَ؟"، فَقَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَقَدْ دَعَا اللهَ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ، الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى"

وكان من دعاء رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَنْ تُضِلَّنِي، أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ يَمُوتُونَ" . وقال النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قالَ أسْتَغْفِرُ الله الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، غُفِرَ لَهُ وَإِن كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْف"

المعاني والدلالات لاسم الله الحي


الحي اسم مشتق من الحياة, والحياة نقيض الموت، فهو -سبحانه- حي بذاته أزلا وأبداً.

وإن المتدبر في الآيات والأحاديث الواردة عن اسم الله "الحي"، يلتمس الكثير من الدلالات, ومنها:

أولا: إن حياة الله حياة لم يسبقها عدم، وما من أحد إلا وقد سبق حياتَه عدمٌ، إلا الله الحي -سبحانه-، قال ربنا: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾ [الإنسان:1]، أي: قد مضى على الإنسان وقت طويل من الزمان قبل أن تُنفَخ فيه الروح، لم يكن شيئا يُذكر، ولا يُعرف له أثر.

ثانيا: إن الحي -سبحانه- هو الباقي الدائم الذي لا يموت، ولا يلحقه فناء, وكل ما سوى الله سيموت وينتهي، قال -تعالى-: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ *وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [الرحمن:26-27].

فحياة الله كاملة، منزهة من كل عيب أو نقص, وهذا يدل أعظم دلالة على عظم شأن هذا الاسم وجلالة قدره, وما يقتضيه من الذلِّ والخضوع لله -تعالى- القائل: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾ [طه:111].

ثالثا: إن الحي -سبحانه- هو القيوم الذي لا تأخذه سِنة ولا نوم، فضلا عن الفناء والموت، فحياته -سبحانه- مرتبطة بقيّوميته، فهو -سبحانه- يدبر أمر الخلائق كلها، يدبر الأمر من السماء إلى الأرض, يحيي ويميت، يخلق في كل لحظة ما لا يحصى من الأحياء من نبات وحيوان وإنسان، ويتكفل بتدبير معاشهم وأقواتهم، وتحت أمره بقاؤهم وفناؤهم، سبحانه!! ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ [الرحمن: 29]، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ, يَرْفَعُ الْقِسْطَ -وهو العدل- وَيَخْفِضُهُ, وَيُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ النَّهَارِ بِاللَّيْلِ, وَعَمَلُ اللَّيْلِ بِالنَّهَارِ"

رابعا: إن الحي -سبحانه- هو واهب الحياة للخلق, فالحياة لا يملكها أحد غير واهبها, ولا يسلبها أحد غير معطيها, فسبحان الحي ﴿الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [غافر:68].

الفارق بين حياة الله وحياة المخلوقين


هذه المعاني العظيمة لاسم الله الحي، تبين لنا الفارق بين حياته -سبحانه- وحياة مخلوقاته، فالخالق موصوف بالحياة، والمخلوق موصوف بالحياة، ولكن شتان بين الحياتين!, فالحي -سبحانه- حياتُه مُنَزَّهَةٌ عن مشابهة حياة الخلق، لا يجري عليها الموت أو الفناء، ولا تَعْتَريها السِّنَة ولا النَّوم, ولم تُسْبَقْ بعدم، ولا يَلْحَقُها زَوَال.

حياة الله -تعالى- هي من لوازم ذاته وكماله


حياة الله -سبحانه- هي من لوازم ذاته وكماله, وكل حي في الدنيا يستمد حياته من الحي -سبحانه-, وفي الآخرة كل الأحياء المخلدون إنما هم أحياء بإحياء الله لهم؛ فالكافر والشَّقيُّ في نار جهنم ﴿لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا﴾ [الأعلى:13], وأهلَ الجنة في حياةَ النعيم الدَّائمة ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت:64]؛ فالله الحي هو الذي وهبهم الحياة، وليست حياتهم في الجنة من لوازم ذواتهم، وهو -سبحانه- الذي قضى عليهم ألا يموتوا, وإن كانت هذه الحياة أكمل من الحياة الدنيا، وهي حياة حقيقية بالنسبة للحياة الدنيا العارضة الزائلة, ولو شاء الله لأهلكهم جميعاً.

والحياة التي يوصف بها الإله الواحد هي الحياة الذاتية التي لم تأت من مصدر آخر كحياة الخلائق المكسوبة الموهوبة لها من الخالق؛ ومن ثم يتفرد الله -سبحانه- بالحياة على هذا المعنى؛ كما أنها هي الحياة الأزلية الأبدية التي لا تبدأ من مبدأ ولا تنتهي إلى نهاية، فهي متجردة عن معنى الزمان المصاحب لحياة الخلائق المكتسبة المحددة البدء والنهاية.

قال ابن القيم:

وله الحياة كمالها فلأجل ذا
             ما للممات عليه من سلطان

هذه المعاني العظيمة لاسم الله "الحي" جعلت كثيرا من أهل العلم يقولون: إن اسم الله "الحي" هو اسمه الأعظم إذا ما قرن باسمه "القيوم"، إذ عليهما مدار كل الصفات الأخرى، فالحياة مستلزمة لجميع صفات الكمال.

من الآثار الإيمانية لاسم الله الحي


فإن اسم الله الحي المشتمل على المعاني والدلالات العظيمة فيه من الآثار الإيمانية والثمار الربانية ، ومن ذلك:

أولا: إخلاص العبودية للحي -سبحانه-؛ فالعبد المؤمن إذا فقه اسم الله الحي، فإن ذلك يؤثر في حياته، فلا يصرف العبادة إلا له -سبحانه-, ولا يشرك به أحدا في الدعاء والمحبة والخوف والرجاء..., فإذا دعا غير الله معه فإنه قرن الله الحيّ بمخلوقه الزائل الذي سيموت لا محالة؛ وقد عاب الله على المشركين دعاءهم غير الله؛ لأن الذين يدعونهم من دون الله أموات، فقال: ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ [النحل:20-21], وقال: ﴿وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [القصص: 88].

لذلك أمر الله عباده بدعائه؛ لأنه هو الحيّ, قال -تعالى-: ﴿هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [غافر:65], ومما ورد الدعاء به أن نبينا -عليه الصلاة والسلام- كان دائما ما يدعو باسم الحي القيوم, عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -عليه الصلاة والسلام- إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ: "يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ"

ثانيا: تمام التوكل عليه, فإن العبد المؤمن بربه الحي، إذا استقرت المعاني الإيمانية في قلبه, فإنه يقبل عليه بالكلية، ولذا قرن الله بين التوكل وبين هذا الاسم، قال -تعالى-: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ [الفرقان:58]؛ لأن توكل العبد على غير الله شرك وتوكل في غير محله؛ فقد ينسى الوكيل أو يموت, أما الحي -سبحانه- ﴿لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾ [طه:52].

ثالثا: من آثار اسم الله الحي: تعظيم قدر النفس وصيانتها، وعدم التجرؤ على حق الله في الإماتة والإحياء، وذلك بتعظيم النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، قال -تعالى-: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء:93].

ومثله أن يقتل المرء نفسه منتحراً, ففي ذلك جناية على النفس, واعتداء على ما هو من حق الله المحيي والمميت، قال النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا, وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا, وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا"

وقد علمنا نبينا أن نفوض الأمر إلى الله الحكيم, العليم بما هو أصلح لعبده, قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُل: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي"

فليَجْتهدَ العبد في نيل حظه من هذا الاسم؛ فَيَسْعَى للحياة الآخرة بالحياة الدُّنْيا, متوكلاً في أموره على الحي القيوم, وليعلم أن حقيقةَ الحياة هي الحياةُ بالرَّبِّ والأنس به, ففي ذلك الحياة الطيبة والسعادة الحقيقة.

أكثر من الصلاة على النبي يكفيك الله ما أهمك من دنياك وآخرتك
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
0

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية