الاحتساب عند المرض

الاحتساب عند المرض

الاحتساب عند المرض


إِنَّ الْحَمْد للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمْنْ يَضْلُلُ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدُهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللهُ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَة،ٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، عندما نتعامل مع أي أزمة صحية, أو غيرها، ينبغي أن يكون تعاملنا معها إيمانيًّا في المقام الأول، فنحن أمة مسلمة مؤمنة بالله ورسوله، تُؤمر فتُطيع، وتُنهى فتَترك.

فمن ذلك أولًا:

الواجب على كلٍّ مسلمٍ أن يكون في أحواله كلِها معْتصمًا بربِّه جل وعلا متوكِّلًا عليه، معتقدًا أن الأمور كلَّها بيده؛ قال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ [التغابن: 11]، وقال صلى الله عليه وسلم: «وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بشيءٍ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بشيء قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بشيء لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بشيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ»، وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: «كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلاَئِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ».

ثانيا:

إنَّ المصائب التي تُصيب المسلمَ سواءً في صحته أو في أهله وولده، أو في ماله وتجارته، أو نحو ذلك، إن تلقَّاها بالصَّبْر والاحتساب، فإنها تكون له رِفْعَة عند الله جل وعلا؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157].

ثالثًا:

من أعظم الوقاية من الأمراض التحصن بذكر الله: فعن عثمان بن عفان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم ثلاث مرات، فيضره شيء»، ولَما جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة، قال: أما لو قلت حين أمسيت: «أعوذ بكلمات الله التامات من شرِّ ما خلق، لم تضرَّك»؛ رواه مسلم.

وعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا خرج الرجل من بيته، فقال: بسم الله، توكَّلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، يُقال حينئذ: هُديت وكُفيت ووُقيت، قال: فتتنحَّى له الشياطين، فيقول له شيطان آخر: كيف لك برجل قد هُدي وكُفي ووُقي؟".

وجاء عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّه قال: «مَنْ قَرَأَ بِالآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ»؛ أي: من كلِّ آفةٍ وسوءٍ وشرٍّ، وقال صلى الله عليه وسلم: "احفَظ الله يحفظك"، قال ابن رجب رحمه الله في شرح هذا الحديث: وله: ((احفظ الله)): يعني احفظ حدودَه وحقوقه، وأوامره ونواهيَه، وحفظُ ذلك هو الوقوف عند أوامره بالامتثال، وعند نواهيه بالاجتناب.

قوله: ((يحفظك)): يعني أن من حفِظ حدود الله وراعى حقوقه، حفظه الله، وحفظُ الله لعبده يدخل فيه نوعان:

الأول:

حفظه له في مصالح دنياه؛ كحفظه في بدنِه وولده، وأهله وماله؛ قال تعالى: ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾ [الرعد: 11], قال ابن عباس رضي الله عنهما: هم الملائكة يحفظونه بأمر الله، فإذا جاء القدر خلُّوا عنه.

النوع الثاني من الحفظ - وهو أشرف النوعين - حفظ الله العبدَ في دينه وإيمانه، فيحفظه في حياته من الشُّبهات المضلَّة، ومن الشهوات المحرَّمة، ويحفظ عليه دينه عند موته، فيتوفاه على الإيمان.

ومن الأمور المطلوبة شرعًا:

الابتعادُ عن الأماكن الموبوءة والأشخاصِ المرضى، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا يُورَد مُمرض على مُصح".

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

الخطبة الثانية :

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، الهادي إلى إحسانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

عباد الله، إن من علامة قبول الطاعة هو عمل الطاعة بعدها، فقد شرع الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بعد صيام رمضان صيام ست من شوال، ووعد مَن صامها أجرًا كبيرًا، وثوابًا جزيلًا؛ قال صلى الله عليه وسلم: "مَن صَام رمضان، ثم أَتْبَعَهُ سِتًّا من شوال، كان كصيامِ الدهر"؛ (رواه مسلم).

ويجوز صيامها حسب ما يتيسَّر للمسلم خلال شهر شوال، ولا يلزم التتابع في صيامها.

والأولى في حق من عليه قضاءُ أيامٍ من رمضان أن يبادرَ بقضاء ما عليه أولًا، ثم يصوم الست من شوال؛ لأن ذلك أسرع في براءة ذمَّتِه.

وصلوا رحمكم الله.

لا تنس ذكر الله
لا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية