الخروج الأخير ( الموت )

الخروج الأخير ( الموت )

الخروج الأخير ( الموت)


وداع حبيب أو عزيز إلى مثواه الأخير

من أصعب اللحظات وأشدها وأقساها على النفس لحظة أن يودع الإنسان عزيزاً عليه وحبيباً لديه إلى مثواه الأخير , فالمرء مهما طالت به الأيام وتوالت عليه الشهور والأعوام فإنه لا مفر من رجوعه إلى ربه وعودته إلى مولاه , لكن رجوعه هذا يُعد رجوعاً أخيراُ , وخروجه من الحياة يعتبر خروجاً لا رجوع بعده , قال تعالى : ﴿قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [سورة المؤمنون٩٩-١٠٠].

فقد يخرج الإنسان من بيته مسافراً إلى بلد ما وإن كان هذا السفر طويلاً لكنه يأمل في العودة إلى وطنه , ولقاء أهله وأحبته , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِمَكَّةَ :« مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وَأَحَبَّكِ إِلَىَّ وَلَوْلاَ أَنَّ قَوْمِى أَخْرَجُونِى مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ».

أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه قال : لما خرج النبي ﷺ من مكة فبلغ الجحفة ، اشتاق إلى مكة ، فأنزل الله : ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [سورة القصص:٨٥] . أي إلى مكة .

فهذا خروج من مكان إلى مكان في الدنيا , أما الخروج الأخير فهو خروج بلا عودة ووداع بغير لقاء , وهذا الخروج الأخير يتضمن :

خروج الروح من الجسد

حينما يأذن الله تعالى بخروج الروح من الجسد فإن ذلك معناه انتقال الإنسان من هذه الحياة الدنيا إلى عالم آخر هو عالم البرزخ , ولن يستطيع بشر إرجاعها إلى الجسد مرة أخرى , قال تعالى : ﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾[الواقعة: ٨٣-٨٧]

والروح في خروجها من الجسد ليست على شاكلة واحدة , فعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، قَالَ:خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي جَنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ ، وَلَمَّا يُلْحَدُ ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ، وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ ، وَكَأَنَّ عَلَى رُؤُوسِنَا الطَّيْرَ ، وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِي الأَرْضِ ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ ، فَقَالَ :« اسْتَعِيذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، مَرَّتَيْنِ ، أَوْ ثَلاَثًا ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا ، وَإِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ ، نَزَلَ إِلَيْهِ مَلاَئِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ ، بِيضُ الْوُجُوهِ ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ ، فَيَقُولُ : أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ، اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ ، قَالَ : فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ ، فَيَأْخُذُهَا ، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا ، فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ ، وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ ، قَالَ : فَيَصْعَدُونَ بِهَا ، فَلاَ يَمُرُّونَ ، يَعْنِي بِهَا ، عَلَى مَلأٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ إِلاَّ قَالُوا : مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ ؟ فَيَقُولُونَ : فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ ، بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا ، حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ ، فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا ، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ ، فَيَقُولُ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ : اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ ، وَأَعِيدُوهُ إِلَى الأَرْضِ ، فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ ، وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ ، وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى ، قَالَ: فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ ، فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ ، فَيَقُولاَنَ لَهُ : مَنْ رَبُّكَ ؟ فَيَقُولُ : رَبِّيَ اللهُ ، فَيَقُولاَنِ لَهُ : مَا دِينُكَ ؟ فَيَقُولُ : دِينِيَ الإِسْلاَمُ ، فَيَقُولاَنِ لَهُ : مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ ؟ فَيَقُولُ : هُوَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَيَقُولاَنِ لَهُ : وَمَا عِلْمُكَ ؟ فَيَقُولُ : قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ ، فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ ، فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ : أَنْ صَدَقَ عَبْدِي ، فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ ، قَالَ : فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا ، وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ ، قَالَ : وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ ، حَسَنُ الثِّيَابِ ، طَيِّبُ الرِّيحِ ، فَيَقُولُ : أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ ، فَيَقُولُ لَهُ : مَنْ أَنْتَ ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ ، فَيَقُولُ : أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ ، فَيَقُولُ : رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي. قَالَ : وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا ، وَإِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ ، نَزَلَ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَلاَئِكَةٌ ، سُودُ الْوُجُوهِ ، مَعَهُمُ الْمُسُوحُ ، فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ ، حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ ، فَيَقُولُ : أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ ، اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنَ اللهِ وَغَضَبٍ ، قَالَ : فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ ، فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ مِنَ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ ، فَيَأْخُذُهَا ، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ ، حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ ، فَيَصْعَدُونَ بِهَا ، فَلاَ يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلأٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ إِلاَّ قَالُوا : مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ ؟ فَيَقُولُونَ : فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ ، بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا ، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ ، فَلاَ يُفْتَحُ لَهُ ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ) ، فَيَقُولُ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ : اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ ، فِي الأَرْضِ السُّفْلَى ، فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا ، ثُمَّ قَرَأَ : (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) ، فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ ، وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ ، فَيَقُولاَنِ لَهُ : مَنْ رَبُّكَ؟؟
فَيَقُولُ : هَاهْ ، هَاهْ ، لاَ أَدْرِي ، فَيَقُولاَنِ لَهُ : مَا دِينُكَ ؟ فَيَقُولُ : هَاهْ ، هَاهْ ، لاَ أَدْرِي ، فَيَقُولاَنِ لَهُ : مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ ؟ فَيَقُولُ : هَاهْ ، هَاهْ ، لاَ أَدْرِي ، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ : أَنْ كَذَبَ ، فَافْرِشُوا لَهُ مِنَ النَّارِ ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ ، فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا ، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ ، حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلاَعُهُ ، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ ، قَبِيحُ الثِّيَابِ ، مُنْتِنُ الرِّيحِ ، فَيَقُولُ : أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ ، فَيَقُولُ : مَنْ أَنْتَ ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالشَّرِّ ، فَيَقُولُ : أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ ، فَيَقُولُ : رَبِّ لاَ تُقِمِ السَّاعَةَ ».


خروج الإنسان من بيته إلى قبره

وبعد أن تخرج الروح إلى بارئها ويغسل المرء ويكفن ويصلى عليه يخرج من بيته خروجاً أخيراً لا رجوع بعده فيُذهب به إلى قبره , قال تعالى : ﴿ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾ [ الأنعام:٦٢].

والقبر هو أول منازل الآخرة , كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ، إِذَا وَفَفَ عَلَى قَبْرٍ ، يَبْكِي حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ ، فَقِيلَ لَهُ : تَذْكُرُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَلاَ تَبْكِي ، وَتَبْكِي مِنْ هَذَا ؟ قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ:« إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الآخِرَةِ ، فَإِنْ نَجَا مِنْهُ ، فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ ، فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ منْهُ» .قَالَ : وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ما رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ ، إِلاَّ وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ»

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : «إِنَّمَا الْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ , أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ» .

وحينما يذهبون به إلى القبر يعود أهله ويبقى معه عمله , فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: « يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلاَثَةٌ ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ ، وَيَبْقَى وَاحِدٌ ، يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ ، وَيَبْقَى عَمَلُهُ» .

مات الحسن ابن الحسين من أولاد على ابن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه وكان عنده زوجة وأطفال وكان في الشباب .

والحسن ابن الحسين مات فجأة ، نقلوه إلى المقبرة فوجدت عليه امرأته وحزنت حزنا لا يعلمه إلا الله , أخذت أطفالها وضربت خيمة حول القبر - وهذا ليس من عمل الإسلام ولولا أن مؤرخو الإسلام ذكروه ما ذكرته - ضربت خيمة حول القبر وأقسمت بالله لتبكيا هي وأطفالها على زوجها سنة كاملة , هلع عظيم وحزن بائس , وبقيت تبكي فلما وفت سنة أخذت إطناب الخيمة وحملتها وأخذت أطفالها في الليل , فسمعت هاتفا يقول لصاحبه في الليل : هل وجدوا ما فقدوا ؟ هل وجدوا ما فقدوا ؟ فرد عليه هاتف آخر قال : لا ، بل يئسوا فانقلبوا . إحياء علوم الدين.

مر رجل مسافر بغلام في صحراء فقال له يا غلام أين العمران فقال له اصعد الرابية تشرف على العمران فصعد فأشرف على قبور فرجع إليه فقال سألتك عن العمران فدللتني على القبور فقال إني رأيت أهل هذه الدنيا ينقلون إلى تلك ولم أر أحدا من تلك ينقل إلى هذه وإنما ينتقل من الخراب إلى العمران ولو سألتني عما يواريك ويواري دابتك لدللتك عليه. الاشبيلي : العاقبة في ذكر الموت ١٩٤.
وكان الحسن يقول: « ابن آدم إنك تموت وحدك، وتبعث وحدك، وتحاسب وحدك. ابن آدم: لو أن الناس كلهم أطاعوا الله وعصيت أنت لم تنفعك طاعتهم، ولو عصوا الله وأطعت أنت لم تضرك معصيتهم. ابن آدم: ذنبك ذنبك، فإنما هو لحمك ودمك وإن تكن الأخرى فإنما هي نار لا تطفأ وجسمٌ لا يبلى ونفسٌ لا تموت». حلية الأولياء

خروج الإنسان من قبره إلى أرض المحشر للحساب

بعد انتهاء مرحلة البرزخ ينادى المنادي للخروج إلى أرض المحشر والمنشر للحساب , وهو خروج وأي خروج ؟ . قال تعالى : ﴿ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ * خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ * مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ ﴾ [سورة االقمر:٦-٨].
وقال تعالى : ﴿ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ﴾ [سورة المعارج:٤٣-٤٤]
وقال تعالى : ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرض إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الأَرض بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾[الزمر : ٦٨ -٧٠ ].
وقال : ﴿ وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ* يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ * إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا االْمَصِير * يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرض عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ * نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْءَانِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ﴾[ ق : ٤١ – ٤٥ ].

يقول سلمان الفارسي : أضحكني ثلاث : مؤمل للدنيا والموت يطلبه وغافل لا يغفل عنه وضاحك بملء فيه لا يدري الله راضٍ عنه أم ساخط .وابكاني ثلاث فراق الأحبة محمد وصحبه وهول المطلع يوم القيامة ووقوفي بين يدي الله لا ادري الله راض عني أم ساخط .

وها هو عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يبكي ذات يوم فتبكي زوجته ويبكي أولاده لماذا يا عمر قال تذكرت منصرف الناس يوم القيامة فريق في الجنة وفريق في السعير .

وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها والنبي ﷺ نائم في حجرها تذكر الآخرة فتبكي فتسقط دمعات على جبين النبي ﷺ فيقول: يا عائشه ما الأمر. قالت: يا رسول الله تذكرت يوم القيامة فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة يا رسول الله .فقال ﷺ: «في ثلاث مواطن والذي نفسي بيده لا يذكر الإنسان إلا نفسه عند الصراط حتى ينظر أيعبر الصراط أم يسقط في النار وعند الميزان حتى ينظر العبد أيخف ميزانه أم يثقل وعند تطاير الصحف حتى ينظر العبد أيأخذ كتابه بيمينه أم بشماله ».

عن المقداد بن الأسود قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : « تدني الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل ، قال سليم بن عامر فوالله ما أدري ما يعني بالميل ؟ أمسافة الأرض أم الميل الذي تكتحل به العين , قال فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق فمنهم من يكون إلى كعبيه ومنهم من يكون إلى ركبتيه ومنهم من يكون إلى حقويه ومنهم من يلجمه العرق إلجاما قال وأشار رسول الله ﷺ بيده إلى فيه» .

عَنْ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : « يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ ، لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ ، سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ , يَجُرُّونَهَا» . أخرجه مسلم والترمذي

خروج الإنسان من أرض المحشر إلى الجنة أو إلى النار

ثم هناك الخروج الذي ليس بعده خروج وهو خروج الإنسان من أرض المحشر بعد الحساب والجزاء إما إلى جنة وإما إلى نار كما يشاء العزيز الغفار , قال تعالى : ﴿ وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ﴾ [ سورة الجاثية:٣٤-٣٥]
قال تعالى : ﴿ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ [سورة المؤمنون:١٠٦-١٠٨]
قال تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ* وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ﴾ [فاطر:٣٦-٣٧]

وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة، ينادي: إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدًا، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا وإن لكم أن تنعموا فلا تبئسوا أبدا»
فهناك بعد هذا الخروج من يهتك ستره ويفضح , عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، قَالَ : قِيلَ لأُسَامَةَ : أَلاَ تُكَلِّمُ هَذَا ؟ قَالَ : قَدْ كَلَّمْتُهُ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ : يُجَاءُ بِرَجُلٍ ، فَيُطْرَحُ فِي النَّارِ ، فَيَطْحَنُ فِيهَا كَطَحْنِ الْحِمَارِ بِرَحَاهُ ، فَيُطِيفُ بِهِ أَهْلُ النَّارِ ، فَيَقُولُونَ : يَا فُلاَنُ ، أَلَسْتَ كُنْتَ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ ؟! فَيَقُولُ : إِنِّي كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ أَفْعَلُهُ ، وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَأَفْعَلُهُ.

وهناك من يستر عليه , عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِىِّ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِى مَعَ ابْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما آخِذٌ بِيَدِهِ إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ ، فَقَالَ كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِى النَّجْوَى فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ يُدْنِى الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أَىْ رَبِّ. حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِى نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ في الدُّنْيَا ، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الأَشْهَادُ (هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)» .

فهلا أعددنا لتلك اللحظة ؟ وهل استعد كل من لهذا الخروج الأخير والذي ليس بعده عودة ؟ .
اللهم واجعلنا ممن يقولون فيفعلون ، ويفعلون فيخلصون ، ويخلصون فيقبلون ، ويقبلون فيفوزون.

لا تنس ذكر الله
سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر
0 / 100

إقرأ المزيد :



عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية