الأسباب الحقيقية لانشراح الصدر

الأسباب الحقيقية لانشراح الصدر

الأسباب الحقيقية لانشراح الصدر


العبد العاقل هو من يحاسب نفسه ويعمل لما بعد الموت


ان أيسرَ الناسِ حسابًا يومَ القيامة الذين حاسَبُوا أنفسَهم لله في هذه الدنيا، فوقفوا عند هموهم وأعمالهم، فإن كان الذي همُّوا به لله مضَوْا فيه، وإن كان عليهم أمسكوا، وإنَّما يَثقُل الحسابُ يومَ القيامة على الذين جازَفُوا الأمورَ، فأخذوها من غير محاسَبة، فوجدوا اللهَ قد أحصى عليهم مثاقيلَ الذرّ.

اللذة الحقيقية في انشراح الصدر وراحة النفس


لا لذةَ للحياة، ولا طِيبَ للعيش إلا بانشراح الصدر، وراحة النفس؛ بأن يتَّسِع وينفسح ويستنير بنور الإيمان ويحيا بضوء اليقين بالله -عز وجل-، وهذا مطلبٌ من مطالب الإنسان في هذه الحياة الدنيا، وهو علَامة سعادة العبد وهدايته، وأنَّ اللهَ قد هداهُ ومنَّ عليه بالتوفيق وسلوك أقوم الطريق؛ قال تعالى: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾[الْأَنْعَامِ: 125]، وتلا رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وسلَّم تسليمًا- قوله -تعالى-: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾[الْأَنْعَامِ: 125]، فقال رسول الله -صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وسلَّم تسليمًا-: "إنَّ النورَ إذا دخَل الصدرَ انفسَح"، فيقل: يا رسول الله، هل لذلك مِنْ عِلْم يُعرَف؟ قال: "نعم، التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزوله"؛ فالهُدَى والتوحيدُ من أعظم أسباب شرح الصدور، وبدونهما قد يجد المرءُ راحةً نفسيةً في مبدأ من المبادئ، وتلك راحة مؤقَّتة، وانشراح خادع، لا يلبث إلا أن ينقلب حسرةً وضِيقًا، وأمَّا الشركُ والضلالُ فمن أعظم أسباب ضيق الصدر.

بعض أسباب انشراح الصدر


ومن أسباب انشراح الصدر كثرة قراءة القرآن، ويزداد الصدر انشراحًا بتجويد حروفه، ومعرفة وقوفه، وتدبُّرِه، وكذلك العلمُ بسنته -صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وسلَّم تسليمًا-، تواترًا وأحادًا، قولًا وعملًا وتقريرًا؛ فإِنَّ كلَّ ذلك يشرح صدرَ المؤمن ويوسِّعه حتى يكون أوسع من الدنيا.

ومن أسباب انشراح الصدر الإيمان بالقَدَرِ خيره وشرِّه، حُلوِه ومُرِّه، والرضا عن الله -عز وجل- في كل أحواله، فإذا عَلِمَ الإنسانُ أنَّ ما أصابَه لم يكن لِيُخطِئَه، وأنَّ ما أخطأه لم يكن لِيُصِيبَه ما كان فَرِحًا بما أُوتِيَ، ولا يائسًا على ما فاته؛ لأنَّ العبدَ إذا اعتقد جازمًا أن كل شيءٍ مِنَ اللهِ -تبارك وتعالى-، وأن الله لا يفعل إلا الخيرَ، اطمأنَّت نفسُه، وتقبَّل ما قُدِّرَ عليه بارتياح، قال صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وسلَّم تسليمًا: "عجبًا لأمرِ المؤمنِ، أمرُه كلُّه خيرٌ، إِنْ أصابَه سراءُ شكَر فكان خيرًا له، وإن أصابَه ضراءُ صبَر فكان خيرًا له"، ونحن إزاء القدر نجهل الغيب، ونجهل المصلحة الغائبة، فإذا وكَّلْنَا الأمرَ لله عالِم السرِّ وأخفى، سواءٌ انكشفت لنا ولم نُميِّزها نجزم بأن الخير فيما اختاره الله -عز وجل-، فخِيرَةُ اللهِ لعبده خيرٌ من خيرته لنفسه، وكما ورَد في الأثر: "لو اطلعتُم على الغيب لاخترتُم الواقعَ".

ومن أسباب انشراح الصدر أيضًا الإحسان إلى الخَلق ونفعهم، بما يُمكِن من المال والجاه، فإنَّ الكريم المحسِن أشرحُ الناسِ صدرًا وأطيبُهم نَفْسًا، والبخيلَ الذي ليس فيه إحسانٌ لأحد، أضيقُ الناس صدرًا، وأنكدُهم عيشًا.

وإن لزوم جماعة المسلمين مما يُطهِّر القلبَ من الغُلُوّ والغش؛ فإن المسلم للزومه جماعةَ المسلمينَ يُحِبّ لهم ما يُحِبّ لنفسه، ويكرَه لهم ما يكرَه لها، بخلاف مَنِ انحاز عنهم، وانشَغَل بالطعن عليهم، والذم لهم، فاتقوا الله -عباد الله-، وقَوُّوا صِلَتَكم بالله، وأحسِنُوا متابعتَكم لرسولكم -عليه الصلاة والسلام- تَسعَدُوا وتُفلِحوا، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾[الزُّمَرِ: 22].

من دواعي السعادة الانشغال بأمر الآخرة والزهد في الدنيا


إنَّ الله يُعطي الدنيا للمؤمن وللكافر، ولا يعطي الدينَ إلا لمَنْ يُحِبّ، وقد تعجَّب رسولُ الله -صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وسلَّم تسليمًا- من عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- حين رآه يُصلِح جدارَ بيتِه ويُطيِّنه فأراد أن يُخلِي قلبَه من التعلُّق بالدنيا، ويُذكِّره بقُرب الأجل للاستعداد له فقال عليه الصلاة والسلام: "ما أرى الأمرَ إلا أعجلَ من ذلك"؛ ليجعل الآخرةَ همَّه والاستعدادَ لها شُغلَه، فإذا بالَغ المرءُ في الانصراف إلى إعمار الدنيا والسعي فيها، فيحتاج إلى لفتة من نوعٍ آخرَ؛ ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾[الْقَصَصِ: 77].

المعنى الصحيح للزهد في الدنيا


إن الرغبة في الآخرة لا تعني إهمال الدنيا وتركها بلا جهد لتحسينها وإصلاحها، وتركها للطغاة والمفسدين تطلعا إلى نعيم الآخرة، وإنَّما الدنيا مزرعة للآخرة، والجهاد في الحياة الدنيا لإصلاح هذه الحياة، ورفع الشر والفساد عنها، ورد الاعتداء والظلم عن أهلها، وتحقيق الخير والعدل للناس جميعًا، كل أولئك هو زاد الآخرة؛ فيبقى على جادَّة القصد والتوازن.

وإن العبد المحفوف بالنعيم قد يكون مستدرَجًا لمزيد من المسؤوليَّة والعذاب وهو لا يدري، عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- عن النبي -صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وسلَّم تسليمًا- قال: "إذا رأيتَ اللهَ يُعطي العبدَ من الدنيا ما يحب، وهو مقيمٌ على معاصيه فإنما ذلك منه استدراج ثم تلا قوله: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾[الْأَنْعَامِ: 44]".

وإن المهتم لآخرته لا يرى الدنيا دار قرار؛ لشعوره بقرب الرحيل إلى دار الخلود، قال عليه الصلاة والسلام: "قال لي جبريلُ: يا محمدُ، عِشْ ما شئتَ فإنكَ ميتٌ، وأَحْبِبْ مَنْ شئتَ فإنكَ مُفارِقُه، واعْمَلْ ما شئتَ فإنكَ مُلاقِيه" أخرجه الطيالسي في المسند والبيهقي في شعب الإيمان، وهو حديث حسن؛ فتجارة الآخرة لا تبور، والتهافُت على الدنيا لا يغير المقدور.

لا تنس ذكر الله
سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية