غزوة بدر الكبرى

غزوة بدر الكبرى

غزوة بدر الكبرى



إن في سيرة النبي العطرة وآثاره الجميلة الجليلة النضرة أسوة للمؤمنين، وقدوة للأخيار والصالحين، سيرة خير الورى حبيب الله -جل وعلا-، سيرة مُلئت علمًا وحكمة وإيمانًا، سيرة ملئت ثباتًا وصبرًا وإيقانًا، سيرة ملئت حلمًا ورحمة وبرًا وفضلاً وإحسانًا، سيرة خير الورى حبيب الله -جل وعلا-، ثلاثة وعشرون عامًا حمل فيها رسالة الله، وبلَّغ فيها شريعة الله، ما ترك باب خير إلا دلنا عليه، ولا سبيل رشد إلا هدانا إليه، فصلى الله عليه وسلم تسليمًا، وزاده تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا.

يوم بدر ملحمة عظيمة من ملاحم الإسلام


وفي ثنايا هذا الشهر المبارك كانت ملحمة من ملاحم الإسلام، ويوم من أيامه الجليلة العظام، يوم الفرقان يوم التقى الجمعان، يوم أعز الله فيه جنده، ونصر فيه عبده، وأذل فيه من عاداه، ورفع المنار لمن والاه، يوم الفرقان، يوم التقى الجمعان، يوم خاضه رسول الله بالثبات واليقين والإيمان، خاضه مع الصحب الكرام -رضي الله عنهم وأرضاهم-، وبوَّأهم دار السلام، ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً ما على وجه الأرض يومها أحب إلى الله منهم، ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً كتبت لهم السعادة وهم في بطون أمهاتهم، ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً نادى عليهم منادي الله: يا أهل بدر: "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"، ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً أقدامهم حافية وثيابهم مرقعة بالية، وأحشاؤهم ظامئة خاوية، ولكن قلوبهم نقية زاكية، وهممهم شريفة سامية عالية، الصحب الكرام -عليهم من الله الرضوان والسلام-.

قاد رسول الله جحافل الإيمان، أسد الشرى، رجال الوغَى، أتم الله عليهم المحبة والرضا.

وقفنا أمام يوم بدر؛ لكي نستلهم العظات والعبر، وقفنا أمام ملحمة الإسلام، واليوم الأول من أيامه العظام، رأينا العبر، رأينا العظات، أعظمها وأجلها أن الإسلام كلمة الله الباقية، ورسالته الخالدة، باقية ما بقي الزمان وتعاقب المكان، يرفع شعارها ويقدس منارها بعزّ عزيز وذل ذليل، هذا الإسلام الذي كتب الله العزة لمن والاه، وكتب الذلة والصغار على من عاداه، كلمة باقية ورسالة خالدة زاكية.

عبر وعظات من غزوة بدر


مِنْ عِبَر يوم بدر أخذنا أن الصبر مفتاح الفرج؛ فما ضاقت الأمور على من صبر، الصبر مفتاح الخير.

أخذنا من غزوة بدر أن مع العسر يسرًا، وأن عاقبة الصبر خير: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ﴾ [النحل: 127]، صبر حبيب الله ورسول الله فأقر الله عينه، ونصر الله حزبه، ﴿بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا﴾[آل عمران: 125]، فإن وجدت عبدًا من عباد الله قد صُبَّت عليه المحن والبلايا من الله، ونصب وجهه صابرًا لله، فبشره بحسن العاقبة والمآل من الله.

علمنا أن الصبر عواقبه الخير، ولقد صدق رسول الهدى إذ يقول: "ما أعطي عبد عطاء أفضل من الصبر". بالصبر يتوسع ضيق الدنيا، وبالصبر تتبدد همومها وغمومها وأحزانها، يطيب العيش وترتاح النفوس وتطمئن القلوب، وصدق عمر -رضي الله عنه وأرضاه- إذ قال: "وجدنا ألذ عيشنا بالصبر".

من أسباب النصر والهزيمة


وقفنا أمام غزوة بدر فوجدنا أن التقوى سبيل النصر للمؤمنين، وطريق الفلاح للمفلحين: ﴿بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا﴾[آل عمران: 125]، بالصبر والتقوى تنزلت ملائكة الرحمن؛ نصرة لجند الإيمان، فمن صبر واتقى جعل له ربه من كل همّ فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا.

صبرًا -يا أهل الإسلام- في زمان عظمت كربه، في زمان اشتدت بلاياه ومحنه، حيثما ولَّيْتَ بناظريك رأيت الأشجان والأحزان، نساء وأرامل وأطفال وثكالى، لا يعلم مقدار ما يعانون ولا يعلم مقدار ما يكابدون إلا الله المطلع على الخفيات، عالم السر والنجوى، فاطر الأرض والسموات، فيا أهل الإسلام: لئن ضاقت الأرض عليكم فَلِمَ تضيق بالصبر والتقوى؟! إن وراء الليل فجرًا، إن تحت الرماد نارًا، صبر جميل، لعل الله أن يأتي بالفرج الجليل.

وقفنا أمام غزوة بدر الكبرى، فعلمنا أن من أسباب النصر العظيمة تآلف القلوب وتراحمها، كان أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- في قلة من العدد والعدة، ولكن كانت بينهم المحبة والصفاء والمودة، كانوا متراحمين متعاطفين متآلفين متكاتفين متناصرين متآزرين، شعارهم: لا إله إلا الله، فسبحان من أعزهم وهم أذلاء، سبحان من أغناهم وهم فقراء، سبحان من رفعهم وهم وضعاء.

التآلف والتعاطف والتكاتف والتناصر والتآزر سبيل إلى نصر المؤمنين، طريق لعزة الأخيار والصالحين، فإن وجدت أهل الإسلام متعاطفين متراحمين فاعلم أن النصر حليفهم، وإن وجدتهم متقاطعين متباعدين متناحرين، إن مزقتهم الجماعات والحزبيات والرايات والشعارات، فادمع على الإسلام بين أهله.

وقفنا أمام غزوة بدر الكبرى، فاستلهمنا منها مواقف المحبة والرضا من أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وجدناهم تحت رايته لا يقولون غير قوله، لا يتقدمون عليه، ولا يؤخرون أمرًا أمر بإمضائه -صلوات الله وسلامه عليه-، سلام على أسد الشَّرى، سلامٌ على رجال الوغَى يوم سمعوا وأطاعوا، سلامٌ عليهم يوم قال قائلهم: "يا رسول الله: امض لما أمرك الله، وصل حبال من أردت، واقطع حبال من شئت، فإنا سِلمٌ لمن سالمت، وحرب لمن حاربت، وخذ من أموالنا ما شئت، والله ما أخذت منها أحب إلينا مما تركت". سلام عليهم من الله ورحمات، ﴿رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ [الأحزاب: 23].

لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية