الغش والاحتكار وأثرهما على الفرد والمجتمع

الغش والاحتكار وأثرهما على الفرد والمجتمع

الغش والاحتكار وأثرهما على الفرد والمجتمع


أهمية قواعد المعاملات في الإسلام


إنَّ السماحةَ واليُسْر، وحفظَ الحقوقِ، وتحريمَ كلِّ ما يُفْضِي إلى الخلافِ والنِّزَاعِ مِنْ أهمِّ الصِّفَاتِ الجوهريَّةِ، والقواعِدِ الكلِّيَةِ التي قَامَتْ عليهَا الشريعةُ الإسلاميَّةُ، قالَ -تعالَى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِنكُمْ﴾[النساء: 29]، وقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إذا باعَ، وإذا اشْتَرَى، وإذا اقْتَضَى"

والمسلمُ كمَا يَتَعَبَّدُ للهِ -عزَّ وجلَّ- بالصَّلَاةِ والصِّيَامِ، يَتَعَبَّدُ كذلكَ بِتَحِّري الحلالِ، والبُعْدِ عن الحرامِ، قالَ -تعالَى-: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالاً طَيِّبًا﴾[البقرة: 168]؛ ولأنَّ النَّاسَ في حياتِهم اليوميَّةِ يحتاجونَ إلى الطَّعَامِ والشَّرَابِ والسَّكَنِ والكِسَاءِ وغَيرِهِ؛ فقدْ جاءت الشَّرِيعَةُ الإسلاميَّةُ بتشرِيعِ كُلِّ مَا يَحْتَاجُهُ الناسُ مِنَ الْبَيْعِ والشِّرَاءِ، والْقَرْضِ، والسَّلَمِ، والإِجَارَةِ، والوَكَالَةِ، وغيرِ ذلكَ، وتَحْرِيمِ كلِّ ما يؤدي للخلافِ والنِّزَاعِ، وهَضْمِ الْحُقُوقِ.

من آفات المعاملات المالية المحرمة


ومِنْ آفَاتِ المعاملاتِ الماليِّةِ المحرَّمَةِ، الغِشُّ، وهو خَدِيعَةٌ وخِيَانَةٌ وضَيَاعٌ للأمَانَةِ، وإيثارُ الحرامِ الَّذِي يطغى عَلى الحلالِ الذِي يَبقى، وقَدْ عَدَّهُ بعضُ العلماءِ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، ولِذَا طَهَّرَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- قلوبَ أهلِ الجنةِ منَ الغِشِّ بِقولِهِ: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ﴾[الحجر: 47]؛ قالَ مُقَاتِلُ -رحمه اللهُ-: "يَعْنِي مَا كَانَ فِِي الدُّنْيَا فِي قُلُوبِهِم مِنْ غِشٍّ".

أبرز صور الغش


وللغشِّ صُوَرٌ كَثِيرَةٌ؛ مِنْهَا التدليسُ والكَذِبُ في البيعِ والشِّرَاءِ، وَكِتْمَانُ عُيُوبِ السِّلْعَةِ وإخْفَاؤُهَا، أو البَخْسُ في ثَمَنِهَا، أو تَطْفِيفُ كَيْلِهَا ووزْنِهَا، أو خَلْطُ الجَيِّدِ بالرَّدِيءِ، فقد مَرَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على صُبْرَةِ طَعامٍ فأدْخَلَ يَدَهُ فيها، فَنالَتْ أصابِعُهُ بَلَلًا؛ فقالَ: ما هذا يا صاحِبَ الطَّعامِ؟ قالَ أصابَتْهُ السَّماءُ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: "أفَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعامِ كَيْ يَراهُ النّاسُ، مَن غَشَّ فليسَ مِنِّي"

عواقب الغش التجاري وآثاره السيئة


والغِشُّ مَمْحَقَةٌ للبركةِ، وأَكْلٌ لأموالِ النَّاسِ بالباطِلِ، واسْتِهَانَةٌ بِنَظَرِ اللهِ -عزَّ وجلَّ-، قالَ -صلى الله عليه وسلم-: "البَيِّعانِ بالخِيارِ ما لَمْ يَتَفَرَّقا، فإنْ صَدَقا وبَيَّنا بُورِكَ لهما في بَيْعِهِما، وإنْ كَذَبا وكَتَما مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِما"

وكانَ جَرِيرُ بنُ عبدِ اللهِ -رضِيَ اللهُ عَنْهُ- إِذَا قَامَ إلى السِّلْعَةِ يَبِيعُهَا؛ بَصَّرَ عُيُوبَهَا ثُمَّ خيَّرَهُ، وقَالَ: إنْ شِئْتَ فَخُذْ، وَإِنْ شِئْتَ فَاتْرُكْ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ مِثْلَ هَذَا لَمْ يَنْفَذْ لَكَ بَيْعٌ، فَقَالَ: إِنَّا بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى النُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ.

تحريم احتكار السلع


وَمِنْ آفَاتِ المعاملاتِ الماليَّةِ المحرَّمَة احتكارُ السِّلَعِ وَتَخْزِينها واحتجازهَا؛ لِبَيْعِهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِسِعْرٍ أَعْلَى، والاحتكارُ مُحَرَّمٌ بِإِجْمَاعِ أهلِ العلمِ، قالَ -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَحتَكِرُ إلَّا خاطِئٌ"؛ أي: عاصٍ لله ورسوله، وقال أيضًا: "مَن احْتَكَرَ عَلى المسْلِمِينَ طَعَامَهُمْ ضَرَبَهُ اللهُ بِالجُذَامِ والإفلاسِ"

واحتكارُ السِّلَعِ وحَاجَاتِ النَّاسِ، يَحْمِلُ في طَيَّاتِهِ بُذُورُ الهَلَاكِ، لما يُسَبِّبُهُ مِنْ ظُلْمٍ للعبادِ، وإهدارٍ لتجارةِ المسلمينَ وصناعَتِهِمْ، وتضييقٍ لأبوابِ العملِ والرِّزْقِ وغلاءٍ في الأسعارِ، وخاصَّةً في المواسِمِ كَدُخُولِ رَمَضَان.

والاحتكارُ نوعٌ من مَحَبَّةِ الذَّاتِ يُؤَدِّي إلى تَضَخُّمِ الأموالِ في طائفةٍ قليلةٍ من النَّاسِ، فيكونُ المالُ دُولَةً بين الأغنياءِ يُحْرَمُ مِنْهُ الفقراءُ، قالَ -تعالَى-: ﴿كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ﴾[الحشر: 7].

رسائل ووصايا للتجار


اعلموا أيها التجار أنَّهُ يجبُ عليكم التَّفَقُّهُ في أَحْكَامِ البيوعِ، قالَ عُمَرُ بنُ الخطابِ -رضيَ اللهُ عنْهُ-: "لا يَبِعْ فِي سُوْقِنَا إِلا مَنْ قَدْ تَفَقَّهَ فِي الدِّينِ"

والزموا الصِّدْقَ، ولا تَكُنْ هِمَّتُكُمْ قَاصِرَةً عَلى جَمْعِ المالِ فَقَطْ؛ فقد كانَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَخْرُجُ إلى التُّجَّارِ قائلاً: "يَا معْشَرَ التُّجَّارِ إيّاكُمْ والكذِبَ"

وأُوصِيكُم بالصَّدَقَةِ، قالَ -صلى الله عليه وسلم-: "يَا مَعْشَرَ التُّجّارِ! إنّ هذا البيعَ يَحْضُرُه اللَّغْوُ والحَلِفُ، فشُوبُوه بالصدقةِ"

واعلموا أنَّكُمْ قد وُلِّيتُم أمرًا هلكتْ فيه الأممُ السّابقةُ المِكيالُ والميزانُ، فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا، ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ.

المرجع :

أكثر من الصلاة على النبي يكفيك الله ما أهمك من دنياك وآخرتك
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
0

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية