الإمام أبو حنيفة النعمان

الإمام أبو حنيفة النعمان

الإمام أبو حنيفة النعمان


مقدمة

يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين :﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [فاطر:٢٨]

وروى أبو داود في سننه ،عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا ».

وفي سنن الترمذي أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِى فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِى السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِى الأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِى الْمَاءِ وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ

إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ ».


حديثنا في هذا المقال إن شاء الله عن عالم جليل ، وإمام فقيه ، إنه الإمام أبو حنيفة النعمان.

نسب الإمام أبو حنيفة النعمان

أما عن نسبه ومولده : فهو النعمان بن ثابت بن المَرْزُبان، وكنيته أبو حنيفة، وهو من أبناء فارس الأحرار، ينتسب إلى أسرة شريفة في قومه،

أصله من كابل (عاصمة أفغانستان اليوم)، أسلم جَدُّه المرزُبان أيام عمر رضي الله عنه، وتحوَّل إلى الكوفة، واتخذها سكنًا.

وقد وُلِد أبو حنيفة رحمه الله بالكوفة سنة ثمانين من الهجرة على القول الراجح (699م). ونشأ رحمه الله بالكوفة في أسرة مسلمة صالحة غنية كريمة، ويبدو أنه كان وحيد أبويه، وكان أبوه يبيع الأثواب في دكان له بالكوفة، ولقد خَلَف أبو حنيفة أباه بعد ذلك فيه.

حفظ أبو حنيفة القرآن الكريم في صغره، شأنه شأن أمثاله من ذوي النباهة والصلاح. وحين بلغ السادسة عشرة من عمره خرج به أبوه لأداء فريضة الحج وزيارة النبي صلى الله عليه وسلم ومسجده.

وكان أول ما اتجه إليه أبو حنيفة من العلوم علم أصول الدين ومناقشة أهل الإلحاد والضلال،

ولقد دخل البصرة أكثر من سبع وعشرين مرة، يناقش تارةً ويجادل ويرد الشبهات عن الشريعة تارة أخرى، وكان يدفع عن الشريعة ما يريد أهل الضلال أن يلصقوه بها،

ومضى الإمام أبو حنيفة رحمه الله في هذه السبيل من علم الكلام وأصول الدين، ومجادلة الزائغين وأهل الضلال،

حتى أصبح عَلَمًا يُشار إليه بالبنان، وهو ما يزال في العشرين من عمره، وقد اتخذ حلقة خاصة في مسجد الكوفة، يجلس إليه فيها طلاب هذا النوع من العلوم.

ثم توجَّه أبو حنيفة رحمه الله إلى علم الفقه، وتفقَّه على حمَّاد بن أبي سليمان، حتى صار مقرَّبًا عنده؛ قال حماد:

"لا يجلس في صدر الحلقة بحذائي غير أبي حنيفة".

ملامح شخصية أبي حنيفة وأخلاقه

ومن ملامح شخصية أبي حنيفة وأخلاقه ، أنه كان زاهدًا ورعًا، أراده يزيد بن هبيرة أمير العراق أيام مروان بن محمد أن يلي القضاء فأَبَى، وأراده بعد ذلك المنصور العباسي على القضاء فامتنع، وقال: "لن أصلح للقضاء".

فحلف عليه المنصور ليفعلَنَّ، فحلف أبو حنيفة أنه لن يفعل؛ فحبسه المنصور.

قال ابن المبارك: قلتُ لسفيان الثوري: ما أبعد أبا حنيفة عن الغيبة، ما سمعتُه يغتاب عدوًّا له.

قال: والله هو أعقل من أن يُسلِّط على حسناته ما يذهب بها.

وقال : سمعت الشافعي قال : قيل لمالك : هل رأيت أبا حنيفة ؟

قال : نعم . رأيت رجلا لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته .

وروى بشر بن الوليد ، عن القاضي أبي يوسف قال :

بينما أنا أمشي مع أبي حنيفة ، إذ سمعت رجلا يقول لآخر :

هذا أبو حنيفة لا ينام الليل . فقال أبو حنيفة : والله لا يتحدث عني بما لم أفعل . فكان يحيي الليل صلاة وتضرعا ودعاء .

وعن النضر بن محمد قال : كان أبو حنيفة جميل الوجه ، سري الثوب ، عطر الريح . وعن أبي يوسف قال : كان أبو حنيفة ربعة ، من أحسن الناس صورة ، وأبلغهم نطقا ، وأعذبهم نغمة ، وأبينهم عما في نفسه.

وعن حماد بن أبي حنيفة قال : كان أبي جميلا ، تعلوه سمرة ، حسن الهيئة ، كثير التعطر ، هيوبا ، لا يتكلم إلا جوابا ، ولا يخوض -رحمه الله- فيما لا يعنيه .

وعن ابن المبارك قال : ما رأيت رجلا أوقر في مجلسه ، ولا أحسن سمتا وحلما من أبي حنيفة .

عن المثنى بن رجاء قال : جعل أبو حنيفة على نفسه ، إن حلف بالله صادقا أن يتصدق بدينار . وكان إذا أنفق على عياله نفقة تصدق بمثلها .

وعن قيس بن الربيع قال : كان أبو حنيفة ، ورعا تقيا ، مفضلا على إخوانه .

وعن القاسم بن معن ، أن أبا حنيفة قام ليلة يردد قوله تعالى : بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر ويبكي ويتضرع إلى الفجر .

وكان عابدا لله تقيا ورعا وكان أبو حنيفة يختم القرآن في كل يوم، ثم حين اشتغل بالأصول والاستنباط واجتمع حوله الأصحاب أخذ يختمه في ثلاثٍ في الوتر. وصلى أبو حنيفة ثلاثين سنة صلاة الفجر بوضوء العتمة، وحجَّ خمسًا وخمسين حجة.

وقال مِسْعَر بن كِدَام: "رأيتُ الإمام يصلي الغداة ثم يجلس للعلم إلى أن يصلي الظهر، ثم يجلس إلى العصر ثم إلى قريب المغرب ثم إلى العشاء، فقلتُ في نفسي: متى يتفرغ للعبادة؟

فلما هدأ الناس خرج إلى المسجد - وكان بيته بجوار المسجد الذي يؤم فيه حِسْبة لله تعالى - فانتصب للصلاة إلى الفجر، ثم دخل فلبس ثيابه - وكانت له ثياب خاصة يلبسها لقيام الليل - وخرج إلى صلاة الصبح ففعل كما فعل، ثم تعاهدته على هذه الحالة فما رأيته مفطرًا، ولا بالليل نائمًا".

شيوخ أبو حنيفة وتلامذته

وأما عن شيوخ أبو حنيفة فقد بلغ عدد شيوخ أبي حنيفة رحمه الله أربعة آلاف شيخ، فيهم سبعة من الصحابة، وثلاثة وتسعون من التابعين، والباقي من أتباعهم، ولا غرابة في هذا ولا عجب، فقد عاش رحمه الله تعالى سبعين سنة، وحج خمسًا وخمسين مرة، وموسم الحج يجمع علماء العالم الإسلامي في الحرمين الشريفين.

وأستاذ الإمام أبي حنيفة هو حماد بن أبي سليمان، وهو تابعيٌّ كوفي ثقة، روى عنه أبو حنيفة رحمه الله ألفي حديث من أحاديث الأحكام، وأكثر من ثلث أحاديث الإمام في مسنده الذي جمعه الحَصْكَفي، هي برواية الإمام عنه، عن إبراهيم بن أبي موسى الأشعري، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنهم.

ومن تلامذة أبي حنيفة فقد روى عنه جماعة، منهم: ابنه حماد، وإبراهيم بن طهمان، وإسحاق بن يوسف الأزرق، وأسد بن عمرو القاضي، والحسن بن زياد اللؤلئِيُّ، وحمزة الزيات، وداود الطائي.

منهج الإمام أبي حنيفة

وأما عن منهج الإمام أبي حنيفة في البحث فقد ابتكر الإمام أبو حنيفة رحمه الله نموذجًا منهجيًّا في تقرير مسائل الاجتهاد، وذلك عن طريق عرض المسألة على تلاميذ العلماء في حلقة الدرس ليدلي كلٌّ بدلوه، ويذكر ما يرى لرأيه من حجة، ثم يعقِّب هو على آرائهم بما يدفعها بالنقل أو الرأي، ويصوِّب صواب أهل الصواب، ويؤيده بما عنده من أدلةٍ، ولربما تقضَّت أيام حتى يتم تقرير تلك المسألة. وهذه هي الدراسة المنهجية الحرة الشريفة التي يظهر فيها احترام الآراء، ويشتغل فيها عقل الحاضرين من التلامذة.
وإذا أُشكلت عليه مسألة قال لأصحابه: ما هذا إلا لذنب أذنبته. ويستغفر، وربما قام وصلَّى، فتنكشف له المسألة، ويقول: رجوتُ أنه تيب عليَّ".

آراء العلماء في أبي حنيفة

وأما عن آراء العلماء في أبي حنيفة فقد قال وكيع بن الجرَّاح شيخ الشافعي: "كان أبو حنيفة عظيم الأمانة، وكان يُؤثِر الله على كل شيءٍ، ولو أخذته السيوف في الله تعالى لاحتملها".

وقال الإمام الشافعي: "ما طلب أحد الفقه إلا كان عيالاً على أبي حنيفة، وما قامت النساء على رجلٍ أعقل من أبي حنيفة".

وقال الإمام أحمد بن حنبل: "إن أبا حنيفة من العلم والورع والزهد وإيثار الآخرة بمحلٍّ لا يدركه أحد، ولقد ضُرب بالسياط لِيَلِيَ للمنصور فلم يفعل،

وقال الإمام أبو يوسف: "كانوا يقولون: أبو حنيفة زينَّه الله بالفقه، والعلم، والسخاء، والبذل، وأخلاق القرآن التي كانت فيه".

وقال عنه الإمام سفيان الثوري: "ما مقلت عيناي مثل أبي حنيفة".

وفاة الإمام أبي حنيفة

وأما عن وفاة أبي حنيفة فقد قيل أنه توفي شهيدا مسقيا في سنة خمسين ومائة وله سبعون سنة.

يقول ابن كثير: "وصُلِّي عليه ببغداد ست مرات لكثرة الزحام،وقبره هناك رحمه الله"

لا تنس ذكر الله
أستغفر الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية