أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلاَثَةٌ

أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلاَثَةٌ

أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلاَثَةٌ


الخطبة الأولى


الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

أما بعد أيها المسلمون

روى الامام البخاري في صحيحه :(عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلاَثَةٌ مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ ،وَمُبْتَغٍ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ ،وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ »

إخوة الإسلام

موعدنا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع هذا الأدب النبوي ،ففي هذا الحديث النبوي الكريم يُخبرُ النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ أبغضَ النَّاسِ إلى اللهِ تعالى ممَّنْ هوَ من جملةِ المسلمِينَ من أهل المعاصي والذنوب ثلاثةٌ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة»: لا يقتضي الحصر؛ لوجود من يشاركهم ممن يبغضهم الله تعالى؛ لأن الله يبغض كثيرًا ممن سواهم. وأول هؤلاء الثلاثة: "مُلحدٌ في الحرَمِ" والمقصودُ بالإلحاد : الظُّلمُ والعصيانُ وفِعلُ الكبائرِ، فالإلحادُ: هو الْمَيلُ عَنِ الصَّوابِ، وقد عظَّم الله الإلحاد في الحرم في كتابه العزيز، فقال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الحج:25]، فاشترط أليم العذاب لمن ألحد في الحرم زائدًا على عذابه لو ألحد في غير الحرم
وقد ذكر العلماء أن الإلحاد في الحرم له صور كثيرة، ولكن أشد صور الإلحاد في الحرم تنحصر في ثلاث صور:

  • أولاً: الكفر والشرك بالله والنفاق، أو إحداث بدعة مكفرة في الحرم؛ وما أشبه ذلك من الأقوال أو الأفعال المكفرة التي تخرج صاحبها من الملة.

  • ثانياً: كبائر الذنوب ؛ كالاعتداء على دماء المسلمين أو أموالهم أو أعراضهم، وكذلك أكل الربا، والوقوع في الزنا، وشرب المسكر والمخدر، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات المؤمنات، وكالسرقات الموجبة لحدود الدنيا، أو الوعيد بالنار واللعنة والغضب أو نفي الإيمان كأذية الجار، أو البراءة من صاحبه كالفسق وحمل السلاح. فالإلحاد بفعل ما يغضب الله، أو ترك ما أوجب الله، سوء كان الترك لواجب أو فريضة للصلاة في الجماعة، أو فعل أقول محرم، وساء كان الفعل كبيرة ظاهرة أو باطنة، قولية كانت كالغيبة والنميمة، أو عملية، كالسرقة وما أشبه ذلك.

  • ثالثا: المعاصي والذنوب التي لم تبلغ حد الكبائر؛ كشرب الدخان في الحرم، وكالسفور والتبرج، وكالتضييق على المسلمين في الحرم في صلاتهم أو عبادتهم أو أحوالهم مع الأخذ بالاعتبار أن الإصرار على الصغيرة يصيَّرها كبيرة من كبائر الذنوب. فعلى المسلم الحذر من كل ذلك..

أيها المسلمون :

وثَاني الثَّلاثةِ الَّذين هم أبغضُ النّاسِ إلى اللهِ "مَنْ يَبتَغِ فِي الْإِسلامِ سُنَّةً جاهليَّةً"، بمعني: أنَّ ما محاه الإسلامُ ،وأمَرَ بِتركِه من أُمورِ الجاهليَّةِ يُريدُ هو إحداثَه وإشاعَتَه، مثل القتل ،وانتهاك المحارم، واتباع الشهوات؛ لأنها كانت مباحةً في الجاهلية، فنسخها الله في الإسلام ،وحرمها على المؤمنين، وقال صلى الله عليه وسلم: «قُيِّد الفتك لا يفتك مؤمن». ومنها: النياحة ،والطيرة ،والكهانة ، وغير ذلك، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: « فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِى فَلَيْسَ مِنِّى »، وقال الله تعالى: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ الله حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة:50]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ [الأحزاب:33].

فمن عمل بشيء من سننهم فقد اتبع سنة جاهلية، وهذا نص عام يوجب تحريم متابعة كل شيء كان من سنن الجاهلية في أعيادهم وغير أعيادهم. قال ابن تيمية -رحمه الله-: ويندرج فيه كل جاهلية مطلقة أو غير مقيدة، يهودية أو نصرانية، أو مجوسية أو صابئة، أو وثنية أو شركية من ذلك أو بعضه أو منتزعة من بعض هذه الملل الجاهلية، فإنها جميعها مبتدعها ومنسوخها صارت جاهلية بمبعث محمد -صلى الله عليه وسلم- وإن كان لفظ الجاهلية لا يقال غالبا إلا على حال العرب التي كانوا عليها فإن المعنى واحد". وفي الصحيحين : (عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّاسَ نَزَلُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى الْحِجْرِ أَرْضِ ثَمُودَ فَاسْتَقَوْا مِنْ آبَارِهَا وَعَجَنُوا بِهِ الْعَجِينَ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُهَرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا وَيَعْلِفُوا الإِبِلَ الْعَجِينَ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنَ الْبِئْرِ الَّتِى كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ). وفي صحيح البخاري : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلاَءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلاَ تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ ، لاَ يُصِيبُكُمْ مَا أَصَابَهُمْ »

أيها المسلمون :

وثالثُهم "مَطلَبُ دمِ امرئٍ بغيرِ حقٍّ لِيُهَريقَ دمَه"، وهو مَنْ يجتهدْ في السَّعيِ لِطلبِ قتلِ امرئٍ مُسلمٍ وإراقةِ دمِه بغير حقٍّ، فهؤلاءِ الثَّلاثةَ أبغضُ أهلِ المعاصِي إلى اللهِ تعالى. وقال المناوي -رحمه الله-: "وإنما كان هؤلاء الثلاثة أبغض المؤمنين إليه؛ لأنهم جمعوا بين الذنب وما يزيد به قبحا من الإلحاد، وكونه في الحرم، وإحداث البدعة في الإسلام، وكونها من أمر الجاهلية، وقتل نفس لا لغرض بل بمجرد كونه قتلا، ويزيد القبح في الأول باعتبار المحل، وفي الثاني باعتبار الفاعل، وفي الثالث باعتبار الفعل" ،وقال ابن تيمية -رحمه الله-: "أخبر صلى الله عليه وسلم أن أبغض الناس إلى الله هؤلاء الثلاثة، وذلك لأن الفساد: إما في الدين ،وإما في الدنيا ،فأعظم فساد الدنيا قتل النفوس بغير الحق، ولهذا كان أكبر الكبائر بعد أعظم فساد الدين الذي هو الكفر.

وأما فساد الدين فنوعان: نوع يتعلق بالعمل، ونوع يتعلق بمحل العمل، فأما المتعلق بالعمل:
فهو ابتغاء سنة الجاهلية. وأما ما يتعلق بمحل العمل: فالإلحاد في الحرم؛ لأن أعظم محال العمل هو الحرم، وانتهاك حرمة المحل المكاني أعظم من انتهاك حرمة المحل الزماني، ولهذا حرم من تناول المباحات من الصيد والنبات في البلد الحرام مالم يحرم مثله في الشهر الحرام.

ولهذا كان الصحيح أن حرمة القتال في البلد الحرام باقية كما دلت عليه النصوص الصحيحة بخلاف الشهر الحرام، فلهذا -والله أعلم- ذكر صلى الله عليه وسلم الإلحاد في الحرم وابتغاء سنة جاهلية.
قال المناوي-رحمه الله-: "قال القاضي: القاتل بغير حق يقصد ما كرهه الله من وجهين: من حيث كونه ظلما، والظلم على الإطلاق مكروه مبغوض، ومن حيث كونه يتضمن موت العبد ومساءته والله يكره مساءته، فلذلك استحق مزيد المقت، وفي كل من لفظتي المبتغى والمطلب مبالغة أخرى، وذلك لأن هذا الوعيد إذا ترتب على الطالب والمتمني فكيف بالمباشر؟!"

أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد أيها المسلمون

ومن الفوائد التي يمكن أن نستخلصها من هذا الحديث : الأولى: حرمة دماء المسلمين. الثانية: تفضيل الله لبعض البقاع دون بعض، فمكة أفضل البقاع، نص على ذلك جمع من أهل العلم. الثالثة: تحذير الدين الإسلامي من العمل بأعمال الجاهلية، أو التشبه بهم، أو بثها بين المسلمين. الرابعة: إثبات صفة البغض لله تعالى إثبات يليق به جل وعلا. الخامسة: استحقاق بعض العباد لبغض الله ما لم يستحقه غيره. السادسة: تفاوت بغض الله من شخص لآخر دال على عدل الله جل وعلا. السابعة: أن فعل الصغيرة في الحرم أشد من فعل الكبيرة في غيره، وفضل الحرم وعظمته، ذلك أن الذنب فيه مضاعف، كما أن الطاعة فيه مضاعفة. الثامنة: حرمة سفك دم المسلم بغير حق، وإما إذا كان بحق كالقصاص، أو ما أشبه ذلك فإن ذلك مطلوب شرعاً.

لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية