حِراسة الدِّين من المفسدين

حِراسة الدِّين من المفسدين

حِراسة الدِّين من المفسدين


من أهم وسائل حراسة الدِّين من الفساد والمفسدين:

  • أولاً: كفالة حرية العقيدة والتَّدين وحمايتها, فالإسلام لا يُكره أحداً على اعتناقه، ويسمح بتعايش مختلف الأديان داخل دياره وفي رحاب دولته، ويترك الحرية لأهل الأديان في عقائدهم وممارستهم التعبدية وتصرفاتهم المدنية, بل إنَّ من أهداف الجهاد الإسلامي تأمين حرية الاعتقاد والتدين؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فيها الْقِيرَاطُ, فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا؛ فإنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا)[رواه مسلم].

    ومن خلال رسم صورة متكاملة حول تعامل النبيِّ صلى الله عليه وسلم مع أصحاب الدِّيانات المخالفة, وما جاء عنه من أقوالٍ ووصايا حول نفس الموضوع, نلاحظ عدَّة أمور:
    • ضمان حرية العقيدة, فلا يُجبر أحدٌ على تبديل دينه أو تغييره.

    • إعلاءُ القيم الإنسانية وتغليبُها, فيتأثَّر صلى الله عليه وسلم لموت يهودي, ويذهب لعيادة مرضاهم, ويُواسي مُصابَهم.

    • ضمان الحقوق والممتلكات والخاصة, فلا يجور عليهم أحدٌ, ولا يظلمهم, ومَنْ فَعَلَ ذلك فإنَّ خصمه يوم القيامة هو النبيُّ صلى الله عليه وسلم نفسُه.

    • اندماجهم في المجتمع, لهم ما للمسلمين, وعليهم ما على المسلمين, وهذه الصورة تتَّسع لتشمل محاورَ عدَّة, يضيق عنها المقام.

    وقد رسَّخَ مبدأ حريةِ العقيدة إلى احترام الناس, والتَّعايش السِّلمي, والاعتراف بالآخَرِ دون إنكارٍ عليه, ودون تدخُّلٍ في شؤونه, ممَّا أدَّى إلى تحقيق مُجتمعاتٍ آمنة لا توجد فيها مظاهر للطائفية أو العنف ضِدَّ أقلِّيَّةٍ مُعيَّنة, فدخلت بلادٌ بأكملها في الإسلام من هذا الجانب فاصطبغت بصبغة الإسلام عقيدةً وعبادة, واتَّخذت اللغةَ العربية لها لغة, ولم يمضِ على فتحها سنون معدودة, ممَّا ضمن البقاءَ لهذا الدِّين.

  • ثانياً: تشريع الجهاد؛ تمكيناً للدِّين, ودرءًا للعدوان, وحمايةً للاعتقاد؛ ولقد (كان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا أَمَّرَ أَمِيرًا على جَيْشٍ أو سَرِيَّةٍ, أَوْصَاهُ في خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ معه من الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا. ثُمَّ قال: اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ, في سَبِيلِ اللَّهِ, قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ, اغْزُوا ولا تَغُلُّوا, ولا تَغْدِرُوا, ولا تَمْثُلُوا, ولا تَقْتُلُوا وَلِيدًا, وإذا لَقِيتَ عَدُوَّكَ من الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إلى ثَلاَثِ خِصَالٍ "أو خِلاَلٍ" فَأَيَّتُهُنَّ ما أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ منهم وَكُفَّ عَنْهُمْ. ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى الإِسْلاَمِ, فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ منهم وَكُفَّ عَنْهُمْ. ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى التَّحَوُّلِ من دَارِهِمْ إلى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ, وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذلك, فَلَهُمْ ما لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ ما عَلَى الْمُهَاجِرِينَ, فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا منها, فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ, يَجْرِي عليهم حُكْمُ اللَّهِ الذي يَجْرِي على الْمُؤْمِنِينَ, ولا يَكُونُ لهم في الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ, إلاَّ أَنْ يُجَاهِدُوا مع الْمُسْلِمِينَ, فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمْ الْجِزْيَةَ, فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ منهم وَكُفَّ عَنْهُمْ, فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ)[رواه مسلم].

    وكان يقول صلى الله عليه وسلم كذلك: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ, وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ, وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ, فإذا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ, إلاَّ بِحَقِّ الإِسْلاَمِ, وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ)[رواه البخاري ومسلم].

    ولمَّا سُئِلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قال: (إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ), قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قال: (الْجِهَادُ في سَبِيلِ اللَّهِ) قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قال: (حَجٌّ مَبْرُورٌ)[رواه البخاري ومسلم].

    والجهاد في الإسلام إنما شُرع من أجل إيصال الدعوة, فلا بد لصوت الحقِّ من الوصول إلى الناس, ثم عليهم الاختيار طواعيةً بين الاستجابةِ والدخول في دين الله, وبين عدمِ الاستجابة والإعراض عن دين الله, فالغَرَضُ فقط هو التبليغ والدعوة, فمَنْ وقَفَ في وجه الدعوة والتبليغ وجَبَت مُجاهدته.

  • ثالثاً: الالتزام بتعاليم الدين وتطبيقها, وبذلك يظل للدِّين حيويته في النفوس, وأثره على الجوارح، ومن هنا قُرِن الإيمان والعمل الصالح في كثير من نصوص القرآن، إذْ كثيراً ما يرد في القرآن: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [يونس: 9], وجاء تأكيد النبي صلى الله عليه وسلم على أهمية العمل بالكتاب والسُّنة؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: (يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يوم الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ, تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلُ عِمْرَانَ) الحديث[رواه مسلم].

    وقوله صلى الله عليه وسلم: (الْمُؤْمِنُ الذي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ كَالأُتْرُجَّةِ؛ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ. وَالْمُؤْمِنُ الذي لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ كَالتَّمْرَةِ؛ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلاَ رِيحَ لَهَا) الحديث[رواه مسلم].

  • رابعاً: تشريع عقوبة الرِّدَّة؛ حماية لحرمةِ الدين وجدية الاعتقاد، وحتى لا يُقدم على الإسلام إلاَّ بعد قناعةٍ تامة، فالإسلام لا يُكرِه أحداً على اعتناقه, والارتداد قد يكون ذريعةً إلى إدخال الخلل في صفوف المسلمين, وفي تفكُّك جبهتهم الداخلية, وفي ذلك فساد كبير وشر مستطير؛ لأنَّ أخطر شيء على حياة الأمم وكيانها الفوضى في الاعتقاد, والاضطراب الفكري وعدم الثقة بما يُظِلُّها من نظام, ومن هنا كان انتشار الأفكار الإلحادية التي جاست خلال ديار المسلمين, أخطر على الإسلام من الكفر الصريح الخارج عن نطاق بلاد الإسلام, فالشك في النظام والتفكُّك في صفوف الجبهة الداخلية قد يكون من العوامل الأساسية في نصر الأعداء, ولذا لم يترك الإسلام للمرتد الحرية في الارتداد مع احترامه الشديد لحرية الاعتقاد بالنسبة للكافر الأصلي.

    ثم إنَّ المرتد بعد أنْ أُتيحت له فرصة الاطلاع على الأدلة والبراهين التي جعلته يؤمن بالإسلام ويدخل فيه بمحض اختياره, ليس له عذر؛ ومن أجل ذلك شُرِعت عقوبة الرِّدة على لسان النبيِّ صلى الله عليه وسلم حيث قال: (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ)[رواه البخاري].

    فكان ممَّا انفردت السنة النبوية بتشريعه؛ إذْ لم يرِدْ لعقوبة الرِّدَّة ذِكرٌ في القرآن, وهذا ممَّا يؤكِّد على عظمةِ السنة النبوية وحمايتِها لدينِ الله تعالى.

    أمَّا الكافر الأصلي الذي قد لا يتمكَّن من الاطلاع على تلك الأدلة فمعذور؛ لأنه يُرجى منه أن يطَّلع عليها, أو اطلع عليها ولكن لم يحصل اقتناع بها. فَيُرجى منه أيضاً أن يصل إلى الاقتناع.

    والرِّدَّة تكون بصريح القول؛ كقوله: كفرَ أو أشركَ أو ألْحَدَ, أو بلفظٍ يقتضي الكفر؛ كجحده ما عُلِمَ من الدِّين بالضَّرورة؛ كوجوب الصلاة والزكاة, وحرمة الزنا والقتل بغير حق, أو بفعلٍ يستلزم الكفر التزاماً بيِّناً؛ كإلقاء مصحفٍ أو جزء منه, ولو آيةً في القذر, ولو كان المستقذر طاهراً شرعاً؛ كالبصاق ونحوه, وكلُّ فعلٍ يُقصد به الاستخفاف بكلماته, وشريعته.

  • خامساً: محاربة الابتداع في الدِّين, ومقاومة المبتدعين, والبدعة: (طريقة في الدين مُخْتَرَعة تُضاهي الشرعية, يُقصد بالسُّلوك عليها المبالغة في التَّعبد لله سبحانه).

    والنبي صلى الله عليه وسلم هو أول مَنْ حارب الابتداع في الدِّين بقوله: (خَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ, وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا, وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ).
    وفي رواية: (أَحْسَنُ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ, وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا, وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ, وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ, وَكُلُّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ).
    وفي رواية: (مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا, فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي, وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بها وَعَضُّوا عليها بِالنَّوَاجِذِ, وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ, وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ).

    ومن هنا نعلم أنَّ الابتداع في الدِّين هو أخطر مِعولٍ لهدمه والانحراف بمقاصده تبعاً للخيال أو الهوى, أو ثقةً بالعقل والاغترار به, والخروج به عن دائرة ما حدَّ الشرع.

    ولم يرد حدٌّ معيَّن في عقوبة الابتداع, واتفق العلماء: على معاقبة المُبتدع إنْ كان في بدعته خطر على الدِّين, وتكون هذه العقوبة بالتعزير, ولكنهم اختلفوا: في مقدار ما تصل إليه العقوبة: هل يُتجاوز بها مقدار أدنى حدٍّ من الحدود أم لا؟ وبعض العلماء: يجعل العقوبة تبعاً لما تتركه البدعة من مفاسد, متعدِّية أو قاصرة, وبذلك تختلف بتفاوت مراتب المبتدعين بحسب الإسرار والإعلان, والمُعلِن قد يكون داعيةً إلى بدعته وقد لا يكون, والداعي قد تصل به الحالة إلى درجة الخروج على الأئمة والولاة العادلين, وقد لا تصل إلى هذه الدرجة, وقد يُحاول الاستعانة بولاة الأمر لنشر بدعته, وقد لا يحاول, إلى غير ذلك, وهذا أوجُه الآراء وأقربها إلى مبادئ الشرع ومقاصده؛ لأن العقوبة تتبع ما يترتَّب على الفعل من المفاسد والمضار, وكلَّما كان الضَّررُ أعمَّ وأشمل كانت العقوبة أشدَّ وأعظم.

  • سادساً: تحريم المعاصي ومعاقبة مَنْ يقترفونها حداً أو تعزيراً, حيث نهى الله تعالى عن المعاصي؛ الكبائر منها, والصغائر, ورتَّب على بعض الكبائر عقوبات محدَّدة, أو غير محدَّدة. وأوعَد مَنْ يتعدَّى حدودَه بعذاب أليم في الآخرة, زيادةً على عقاب الدنيا.

    ومن أعظم مبادئ ومميِّزات الأُمَّة المحمدية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وقد وصف الله تعالى أتباعَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم بأنهم خير أمَّة أُخرجت للناس؛ إذا قاموا بهذا الواجب المُقدَّس, وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ولذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بوجوب تغيير المنكر حسب الاستطاعة بقوله: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ, فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ, فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ, وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ[رواه مسلم]. والمقصود بذلك: محاربة المعاصي والمنكرات, وعدم إقرارها بين المسلمين؛ حفاظاً للدِّين, وطهارةً لقلوب المؤمنين من دَنَسِ المعاصي الذي يحجب نور الإيمان عن قلوب العصاة.

    وباستقراء الأحاديث الواردة في السُّنة النبوية نلحظ أنها: جاءت بتحريم قتل النفس بغير حق, وتحريم الزنا, وشرب الخمر, وقذف المحصنات, والسرقة, وترتَّب على كلِّ فِعلٍ منها عقوبة محدَّدة.

    وكذا جاء النهي عن عقوق الوالدين, وخيانة الأمانة, ونقض العهود وخُلْف المواعيد, وأكل الربا, وتحريم الميسر, وشهادة الزور, وكل ما يرجع إلى هذه الأنواع من قريب أو بعيد مما يدخل تحت معنى المنكر.

    ومن هنا جاء تكليف ولاة الأمور بحراسة الشريعة وحمايتها؛ بإقامة الزواجر لردع الخارجين على حدود الله تعالى وأحكامه وقواعد دِنيه ومبادئه[انظر: المقاصد العامة للشريعة الإسلامية, (ص269)]

  • سابعاً: إقامة سياجٍ من التشريعات الواجبة والمستحبة؛ كأداء الصلاة جماعة، وكنوافل العبادات المختلفة, وبكل هذه التشريعات يتأصل الدِّين، ويرسخ في نفس المسلم والمسلمة, وفي المجتمع، مما يحقق الأنس والسكينة, والخير للفرد والمجتمع.

اللّهمّ صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية