تعدد زوجات النبي ﷺ

 تعدد زوجات النبي ﷺ

تعدد زوجات النبي ﷺ


سبب تعدد الزواج النبوي :

من نظر إلى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم عرف جيداً أن زواجه بهذا العدد الكثير من النساء في أواخر عمره بعد أن قضى ما يقارب ثلاثين عاماً من ريعان شبابه وأجود أيامه مقتصراً على وجه واحدة شبه عجوز _ خديجة ثم سودة _ عرف أن هذا الزواج لم يكن لأجل أنه وجد بغتة في نفسه قوة عارمة من الشبق ، لا يصبر معها إلا بمثل هذا العدد الكثير من النساء ؛ بل كانت هناك أغراض أخرى أجلُّ وأعظمُ من الغرض الذي يحققه عامة الزواج .

فاتجاه الرسول صلى الله عليه وصلى إلى مصاهرة أبي بكر وعمر بزواجه بعائشة وحفصة ، وكذلك تزوجيه ابنته فاطمة بعلي بن أبي طالب ، وتزويجه ابنتيه رقية ثم أم كلثوم بعثمان بن عفان _ رضي الله عنهم _ يشير إلى أنه يريد من وراء ذلك توثيق الصلاة بالرجال الأربعة ، الذي عرف بلاءهم وفداءهم للإسلام في الأزمات التي مرت به ، وشاء الله أن يجتازها بسلام .

وكان من تقاليد العرب الاحترام للمصاهرة ، فقد كان الصهر عندهم باباً من أبواب التقرب بين البطون المختلفة ، وكانوا يرون مناوأة ومحاربة الأصهار ، سبة وعاراً على أنفسهم ، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بزواج عدة من أمهات المؤمنين أن يكسر عداء القبائل للإسلام ، ويطفئ حدة بغضائها ، وكان أبو سفيان لم يواجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأي محاربة بعد زواجه بابنته أم حبيبة ، وكذلك لا نرى من قبيلتي بني المصطلق وبني النضير أي استفزاز وعداء بعد زواجه بجويرية وصفية ؛ بل كانت جويرية أعظم النساء بركة على قومها ، فقد أطلق الصحابة أسر مائة بيت من قومها حين تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يخفي ما لهذا المنُّ من الأثر البالغ في النفوس .
=== وإذن فلم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم سبيل إلا أن يختار من النساء المختلفة الأعمار والمواهب ما يكفي لهذا الغرض ، فيزكيهن ويربيهن ، ويعلمهن الشرائع والأحكام ، ويثقفهن بثقافة الإسلام حتى يعدهن لتربية البدويات والحضريات ، العجائر منهن والشابات ، فيكفينه مؤنة التبليغ في النساء .

وقد كان لأمهات المؤمنين فضل كبير في نقل أحواله صلى الله عليه وسلم المنزلية للناس، خصوصاً من طالت حياته منهن كعائشة ، فإنها روت كثيراً من أفعاله وأقواله .

وهناك نكاح واحد كان لنقض تقليد جاهلي متأصل ، وهي قاعدة التبني .
وكان للمتبني عند العرب في الجاهلية جميع الحرمات والحقوق التي كانت للابن الحقيقي سواء بسواء . وكانت قد تأصلت تلك القاعدة في القلوب ، بحيث لم يكن محوها سهلاً ، لكن كانت تلك القاعدة تعارض معارضة شديدة للأسس والمبادئ التي قررها الإسلام في النكاح والطلاق والميراث وغير ذلك من المعاملات ، وكانت تلك القاعدة تجلب كثيراً من المفاسد والفواحش التي جاء الإسلام ؛ ليمحوها عن المجتمع .

وقدر الله أن يكون هدم تلك القاعدة على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبذاته الشريفة ، وكانت ابنة عمته زينب بنت جحش ، وكانت تحت زيد بن حارثة الذي كان يدعى زيد بن محمد ، ولم يكن بينهما توافق ، حتى هم زيد بطلاقها ، وفاتح بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد عرف الرسول صلى الله عليه وسلم إما بإشارات الظروف ، وإما بإخبار الله عز وجل إياه ، أن زيداً إن طلقها فسيؤمر هو صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها بعد انقضاء عدتها ، وكان ذلك في ظروف حرجة من تألب المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين ، وكان يخاف إذا وقع هذا الزواج دسيسة للمنافقين والمشركين واليهود ، وما يثيرونه من الوساوس والخرافات ضده ، وما يكون له من الأثر السيئ في نفوس ضعفاء المسلمين ، فلما فاتح زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم بإرادته طلاق زينب أمره بأن يمسكها ولا يطلقها ، وذلك لئلا تأتي مرحلة هذا الزواج في تلك الظروف الصعبة .

ولم يرض الله من رسوله صلى الله عليه وسلم هذا التردد والخوف حتى عاتبه الله عليه بقوله : { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ } [ الأحزاب 37 ] .
وأخيراً طلقها زيد ، وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيام فرض الحصار على بني قريظة بعد أن انقضت عدتها .
وكان الله قد أوجب عليه هذا النكاح ، ولم يترك له خياراً ولا مجالاً ، حتى تولى الله ذلك النكاح بنفسه يقول : { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا } [ الأحزاب 37 ] ، وذلك ليهدم قاعدة التبني فعلاً كما هدمها قولاً : { ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ } [ الأحزاب 5 ] ، { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } [ الأحزاب 40 ] .

وقد أثار المنافقون وساوس كثيرة ، وقاموا بدعايات كاذبة واسعة حول هذا النكاح ، أثر بعضها في ضعفاء المسلمين ، لاسيما أن زينب كانت خامسة أزواجه صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن يعرف المسلمون حل الزواج بأكثر من أربع نسوة وأن زيداً كان يعتبر ابناً للنبي صلى الله عليه وسلم ، والزواج بزوجة الابن كان من أغلظ الفواحش ، وقد أنزل الله في سورة الأحزاب حول الموضوعين ما شفى وكفى ، وعلم الصحابة أن التبني ليس له أثر عند الإسلام ، وأن الله تعالى وسع لرسوله صلى الله عليه وسلم في الزواج ما لم يوسع لغيره ، لأغراضه النبيلة الممتازة .

هذا وكانت عشرته صلى الله عليه وسلم مع أمهات المؤمنين في غاية الشرف والنبل والسمو والحسن، كما كن في أعلى درجة من الشرف والقناعة والصبر والتواضع والخدمة والقيام بحقوق الزواج , مع أنه كان في شظف من العيش لا يطيقه أحد .

ومع هذا الشظف والضيق لم يصدر منهن ما يوجب العتاب إلا مرة واحدة - حسب مقتضى البشرية ، وليكون سببا لتشريع الأحكام ، فأنزل الله آية التخيير : { أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمً } [ الأحزاب 28، 29 ] وكان من شرفهن ونبلهن أنهن آثرن الله ورسوله ، ولم تمل واحدة منهن إلى اختيار الدنيا .

أهمية تعدد الزوجات

وأما تعدد الزوجات وأهميته في حياة الأمة ، فلا حاجة إلى البحث في موضوعه ، لأن من نظر في حياة الدول الأوروبية ، التي تدين هذا المبدأ وتنكره ، ونظر إلى ما يقاسون من الشقاوة والمرارة ، وما يأتون من الفضائح والجرائم الشنيعة ، وما يواجهون من البلايا والقلاقل لانحرافهم عن هذا المبدأ ، كفى له ذلك عن البحث والاستدلال ، فحياتهم أصدق شاهد على عدالة هذا المبدأ ، وإن في ذلك لعبرة لأولى الأبصار .

لا تنس ذكر الله
حسبي الله ونعم الوكيل
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية