أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ

أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ

أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ


الخطبة الأولى


الحمد لله رب العالمين .اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد أيها المسلمون:

روى الإمام البخاري في صحيحه : (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ قَالَ « مَنْ هَذِهِ » . قَالَتْ فُلاَنَةُ . تَذْكُرُ مِنْ صَلاَتِهَا . قَالَ « مَهْ ، عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ ، فَوَاللَّهِ لاَ يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا » . وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ) ، وفيه قال صلى الله عليه وسلم - « أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ »، وفي مسند الإمام أحمد : قَالَ -صلى الله عليه وسلم-« إِنَّ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّ » .

إخوة الإسلام:

إن من أهم الغايات من بعثة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم : التيسير على الناس، ورفع العنت عنهم، لذا يقول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم :«إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلاَ مُتَعَنِّتًا وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا» ، ووصف النبي صلى الله عليه وسلم الدين بأنه يسر فذلك دالٌّ على وسطية الإسلام واعتداله في كل تشريعاته، وحكمة هذا اليسر الذى جاءت به هذه الشريعة الغراء :أن الله جعل هذا الدين دين فطرة، وأمور الفطرة مستقرة في النفس، يسهل عليها قبولها، ومن الفطرة النفور من الشدة والعنف، والميل إلى السماحة والتيسير ،وقد أراد الله لهذه الشريعة أن تدوم وتستمر إلى يوم القيامة ، فاقتضى ذلك أن يكون تنفيذها سهلا ميسَّرًا، وصفة اليسر تحمل معنى السماحة ، والسهولة والوسع واللين والرفق. ولذا ورد فى حديث طويل في مسند الإمام أحمد ،قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ غَيْرُ الْمُشْرِكَةِ وَلاَ الْيَهُودِيَّةِ وَلاَ النَّصْرَانِيَّةِ». وفى الحديث الذي أوردته في المقدمة ، وبوب به الامام البخاري قول النبي صلى الله عليه وسلم : «أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ».

أيها المسلمون :

والمتأمل في قوله صلى الله عليه وسلم :« أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ »، وقوله صلى الله عليه وسلم :« إِنَّ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّ» ،فقوله‏:‏ ‏(‏أحب الدين‏)‏ أي‏:‏ خصال الدين، لأن خصال الدين كلها محبوبة، لكن ما كان منها سمحا - أي سهلا – وما كان منها مستديما وميسرا فهو أحب إلى الله‏ ،ويدل عليه ما أخرجه أحمد :(عَنْ أَبِى قَتَادَةَ عَنِ الأَعْرَابِيِّ الَّذِى سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ »،
والحنيفية هي ملة نبي الله إبراهيم عليه السلام ،وسمى إبراهيم حنيفا لميله عن الباطل إلى الحق ،والسمحة‏:‏ هي السهلة، أي‏:‏ أنها مبنية على السهولة، لقوله تعالى‏: ‏( هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) الحج (78‏) ،وفي سنن البيهقي ومسند أحمد : (عَنْ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ قَالَ خَرَجْتُ ذَاتَ يَوْمٍ لِحَاجَةٍ فَإِذَا أَنَا بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ يَمْشِى بَيْنَ يَدَىَّ فَأَخَذَ بِيَدِي فَانْطَلَقْنَا نَمْشِى جَمِيعاً فَإِذَا نَحْنُ بَيْنَ أَيْدِينَا بِرَجُلٍ يُصَلِّى يُكْثِرُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « أَتُرَاهُ يُرَائِي ». فَقُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَتَرَكَ يَدِى مِنْ يَدِهِ ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يُصَوِّبُهُمَا وَيَرْفَعُهُمَا وَيَقُولُ «عَلَيْكُمْ هَدْياً قَاصِداً عَلَيْكُمْ هَدْياً قَاصِداً عَلَيْكُمْ هَدْياً قَاصِداً فَإِنَّهُ مَنْ يُشَادَّ هَذَا الدِّينَ يَغْلِبْهُ)
ولهذا كان رسول الله - صلى الله وعليه وسلم- في هديه وسيرته على سنن مستقيم، لا وكس ولا شطط، لا غلو ولا جفاء، لا إفراط ولا تفريط ،فكان اليُسر كله في اتباع سنته، اليُسر كله في الاستمساك بهديه، اليُسر كله في السير على منهاجه –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-
فجديرٌ بنا- نحن المسلمين- أن نحرص على هدي النبي - صلى الله وعليه وسلم- ظاهرًا وباطنًا، وكل من ادعى كمالًا في دينه بالخروج عن صراط الله المستقيم، وهدي النبي الأمين، صلوات الله وسلامه عليه، فإنما يخدع نفسه ،ويكذب على الله ورسوله، فإنه لا أكمل من هدي النبي - صلى الله وعليه وسلم- ولذلك إذا وجدت غالٍ يدعي إقامة السُنة، فالسنة من غلوه براء، وفي سنن البيهقي ومسند أحمد : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- غَدَاةَ الْعَقَبَةِ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ « الْقُطْ لِي حَصًى ». فَلَقَطْتُ لَهُ سَبْعَ حَصَيَاتٍ هُنَّ حَصَى الْخَذْفِ فَجَعَلَ يَنْفُضُهُنَّ فِي كَفِّهِ وَيَقُولُ « أَمْثَالَ هَؤُلاَءِ فَارْمُوا ».ثُمَّ قَالَ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ »،
وإذا رأيت عابثًا مفرطًا يدعي الوسطية، ويدعي اليُسر ويجعل الوسطية واليُسر سبيلًا للتحلل من الشريعة، فقل له: دين الله من طريقك براء، فهذان انحرافان، فالغلو والجفاء، والإفراط والتفريط، كلاهما خارجٌ عن هدي النبي - صلى الله وعليه وسلم- بل هديه أقوم هدي، وأكمل عمل ،وأقرب سبيلٍ يوصل إلى الجنة ،ومن سار على طريقه سعد في دنياه ،وفاز في أخراه، فإن الطرق الموصلة إلى رضوان الله - عز وجل- مغلقة لا تنتهي بالإنسان إلى غاية إلا طريقًا واحدًا، وهو طريق النبي محمد - صلى الله وعليه وسلم-، ومن أراد أن يصل إلى رضوان الله (وهو تحقيق العبودية) فليسلك سبيله، فكل طريقٍ خارج عن طريقه يمنةً أو يسرة فإنه لا يوصل إلى الغاية، ولا يبلغ به الإنسان المقصود، ولا ينال به ما يؤمل من سعة الله ورحمته وفضله،
فلنحرص على هديه - صلى الله وعليه وسلم- في الدقيق والجليل، ولنجعل سنته حاكمة على كل قولٍ وعمل، فإن سنته صلى الله وعليه وسلم-- إليها المرد، قال الله تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (59) النساء، فمن الواجب الرد إلى الله فيما ذكره في كتابه الحكيم، والرد إلى الرسول - صلى الله وعليه وسلم- بعد موته في سنته التي حفظها الله تعالى، وهو الحكم الذي يميز بقوله، وعمله، وهديه الحق من الباطل، ويُميز الهدى من الضلال، ويُعلم به الغلو والجفاء، والإفراط والتفريط، والهدى والضلال.

أيها المسلمون :

ومن المعلوم أن الذى يقابل اليسر هو العسر والعنت والشدة والحرج ،وهى صفات كلها مذمومة ،وهى رذائل خارجة عن حد الفضيلة؛ لأن الفضائل أوساط بين أطراف، وكل فضيلة وسط بين رذيلتين، وفي الصحيحين : (عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّهَا قَالَتْ مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلاَّ أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا ، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا ، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ ) ،وفي الصحيحين :(عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رضى الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى بِصَلاَتِهِ نَاسٌ ،ثُمَّ صَلَّى مِنَ الْقَابِلَةِ فَكَثُرَ النَّاسُ ،ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ ،فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ « قَدْ رَأَيْتُ الَّذِى صَنَعْتُمْ وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلاَّ أَنِّى خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ » ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ) ، وفي صحيح البخاري : (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَمَرَهُمْ أَمَرَهُمْ مِنَ الأَعْمَالِ بِمَا يُطِيقُونَ قَالُوا إِنَّا لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ .فَيَغْضَبُ حَتَّى يُعْرَفَ الْغَضَبُ فِى وَجْهِهِ ثُمَّ يَقُولُ « إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ أَنَا »

وقد استنبط العلماء من ذلك أن الأخذ بالأرفق الموافق للشرع أولى من الأشق المخالف له، وأن الأَوْلى في العبادة القصد والملازمة، لا المبالغة المفضية إلى الترك، فإن المنبتَّ لا أرضًا قطع ،ولا ظهرًا أبقى. وفي سنن النسائي وغيره : (عَنْ أَنَسٍ قَالَ مَا كُنَّا نَشَاءُ أَنْ نَرَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلاَّ رَأَيْنَاهُ وَلاَ نَشَاءُ أَنْ نَرَاهُ نَائِمًا إِلاَّ رَأَيْنَاهُ ).،وفي الصحيحين : (أن ابْنَ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يُفْطِرُ.وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يَصُومُ )، وهذا هو عين الوسطية والاعتدال في فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمله؛ لأن رسول الله كان يحب من العمل أدومه وإن قل، حتى صار ذلك مثلا يقال فيه: قليل دائم خير من كثير منقطع؛ لأن القليل فيه صفة اليسر، والكثير فيه صفة المشقة والعنت .

أيها المسلمون

هذا وقد أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على من خرج عن حد الوسطية والاعتدال من أصحابه ومن ذلك : ما رواه الإمام مسلم في صحيحه : (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَعِنْدِي امْرَأَةٌ فَقَالَ « مَنْ هَذِهِ ». فَقُلْتُ امْرَأَةٌ لاَ تَنَامُ تُصَلِّى. قَالَ « عَلَيْكُمْ مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ فَوَاللَّهِ لاَ يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا ». وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ وَفِى حَدِيثِ أَبِى أُسَامَةَ أَنَّهَا امْرَأَةٌ مِنْ بَنِى أَسَدٍ).فهذه المرأة خرجت عن حد الاعتدال والوسطية في أدائها للصلوات الليلية ، حتى إنها كانت لا تنام بالليل، أو أنها كثيرة الصلاة ليلا، حتى كان يقال: إنها أعبد أهل المدينة، فأنكر عليها الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك الإفراط، وأمر الإنسان أن يعمل بما يستطيع المداومة عليه، وأن يقتصر على ما يقدر عليه من العبادة، وفي صحيح البخاري : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ فَقَالَ « مَا هَذَا الْحَبْلُ » . قَالُوا هَذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ . فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ ، حُلُّوهُ ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ ، فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ » ،وفي قصة معاذ بن جبل رضى الله عنه حين صلى بالناس صلاة العشاء، ففي صحيح مسلم : ( عَنْ جَابِرٍ قَالَ كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّى مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ يَأْتِي فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ فَصَلَّى لَيْلَةً مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- الْعِشَاءَ ثُمَّ أَتَى قَوْمَهُ فَأَمَّهُمْ فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فَانْحَرَفَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ وَانْصَرَفَ فَقَالُوا لَهُ أَنَافَقْتَ يَا فُلاَنُ قَالَ لاَ وَاللَّهِ وَلآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَلأُخْبِرَنَّهُ. فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا أَصْحَابُ نَوَاضِحَ نَعْمَلُ بِالنَّهَارِ وَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى مَعَكَ الْعِشَاءَ ثُمَّ أَتَى فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ. فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى مُعَاذٍ فَقَالَ « يَا مُعَاذُ أَفَتَّانٌ أَنْتَ اقْرَأْ بِكَذَا وَاقْرَأْ بِكَذَا ». قَالَ سُفْيَانُ فَقُلْتُ لِعَمْرٍو إِنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ حَدَّثَنَا عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ « اقْرَأْ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا. وَالضُّحَى .وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى. وَسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى »،

وفي قصة عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، ورغبته في أن يصوم النهار، ويقوم الليل، ويقرأ القرآن كله في ليلة ،ففي الصحيحين : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رضى الله عنهما - قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اقْرَإِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ ». قَالَ قُلْتُ إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً. قَالَ « فَاقْرَأْهُ فِي عِشْرِينَ لَيْلَةً ». قَالَ قُلْتُ إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً. قَالَ « فَاقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ وَلاَ تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ ».وفي الصحيحين : (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- رَأَىَ شَيْخًا يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ فَقَالَ « مَا بَالُ هَذَا ». قَالُوا نَذَرَ أَنْ يَمْشِىَ. قَالَ « إِنَّ اللَّهَ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ لَغَنِىٌّ ». وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ.

أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أما بعد أيها المسلمون:

وتظهر سماحة الاسلام ويسره في قصة الرهط الثلاثة الذين ذهبوا إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة الرسول صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح البخاري : (أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضى الله عنه - يَقُولُ جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ . قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّى اللَّيْلَ أَبَدًا . وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ . وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا . فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ ،لَكِنِّى أَصُومُ وَأُفْطِرُ ،وَأُصَلِّى وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ،فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي »،إلى غير ذلك من الأمثلة التي يضيق المقام عن حصرها وكلها دالة على أن أحكام الإسلام ومبادئه ومثله القائمة أصلا على مبدإ الوسطية والاعتدال ،وملائمة لطبيعة الإنسان وما يجب أن يتكمل به، ويسمو إليه. فإنها مبادئ ليس فيها انحراف ،لا إلى اليمين ،ولا إلى اليسار، ولقد مُرِّنت هذه الأمة على تلك المبادئ حتى أصبح ذلك سليقة لها وغريزة فيها، وكما أنها اعتراف بالفطرة البشرية ،وبما ركب فيها من ميول وعواطف، فمن يسر الإسلام وسماحته ووسطيته واعتداله أنْ جَعَلَ التكاليف والمسئوليات المنوطة بهذا الإنسان في حدود قدرته واستطاعته، ووزَّعها توزيعًا متوازنًا : فإن لربك عليك حقًّا ، أن تعبده ولا تشرك به شيئًا. وإن لنفسك عليك حقًّا ، ألاَّ تضرها ولا تشق عليها، بل تحسن إليها. وإن لأهلك عليك حقًّا.. وأهلك على نوعين : خاص.. وهم ألصق الناس بك. وعام.. الناس جميعًا. وإن لعدوك عليك حقا.. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة :8] .

لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية