حق البُنُّوة

حق البُنُّوة

حق البُنُّوة


إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾جرب تطبيقنا الجديد [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70-71].

أما بعد:

يقول تعالى: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾ [الشورى: 49-50].

أيها المسلمون، يخبر الله تعالى في هاتين الآيتين الكريمتين عن ملكه وتصرفه المطلق، وعن علمه وقدرته في سماواته وأرضه، ويذكر لنا مثالين على ذلك في مسألة التوالد والتكاثر بين خلقه، وأن ذلك مرتبط بمشيئته وعلمه سبحانه وتعالى، ولا يمكن للبشر أن يخرجوا عن ذلك فيختاروا لأنفسهم ما تشتهي.

في الآيتين السابقتين يقسِّم الله تعالى خلقه بالنسبة للتوالد وعدمه إلى أربعة أقسام:

الأول: من يهبه الله إناثاً فقط، والثاني: من يهبه الله ذكوراً فقط، والثالث: من يهبه الله ذكوراً وإناثاً، والرابع: من يجعله الله عقيماً بلا ولد.

وهذا التقسيم الرباعي للفروع - أي: الأبناء والبنات - كالتقسيم الرباعي للأصول - أي: الآباء والأمهات من بني الإنسان-، فهناك من الأصول من خلق من غير الأصلين: الأب والأم، كآدم عليه السلام، وهناك من خلق من أصل واحد فقط هو الأب، وهي حواء عليها السلام، وهناك من خلق من أم فقط، وهو عيسى عليه السلام، وهناك من خلق من الأصلين معاً وهم بقية الناس.

عباد الله، تأملوا في الآيتين الماضيتين لطيفتين مهمتين:

الأولى: أن الله حينما بدأ بذكر هبة الأولاد بدأ بذكر الإناث قبل الذكور، وهذا له حكمته ولم يأت في هذا الموضع عبثاً، فمن حكمته: الرد على بعض أهل الجاهلية الذين كانوا يكرهون ولادة الإناث ويتشاءمون بهن، وربما دفنهن بعضهم وهن من الأحياء.

قال تعالى: ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [النحل58-59]. وقال: ﴿ وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ﴾ [التكوير8-9].

الحكمة الثانية: أن في هذا التقديم لذكر الأنثى دعوة للاعتناء بهن ورحمتهن ورعايتهن، قال واثلة بن الأسقع: "من يمن المرأة تبكيرها بأنثى؛ لأن الله بدأ بها"، وقرأ الآية السابقة.

اللطيفة الثانية: أن الله عز وجل ذكر في جانب العطاء بالأولاد لفظ الهبة، وفي جانب الحرمان ذكر لفظ الجعل، فقال: ﴿ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً ﴾ [الشورى 49-50]. فذكر لفظ الهبة في حصول الأولاد لكون الإيلاد هو الأصل، وذكر لفظ الجعل الذي فيه تحويل وتصيير من شيء إلى شيء؛ لكون الحرمان خروجاً طارئاً وآنياً عن هذا الأصل، ولأنه أقل الحالين في الوجود.

أيها الأحبة الأكارم، إن حصول الأبويين على الأولاد، أو حرمانهم منهم ابتلاء واختبار من الحكيم الخبير. فوجود الأولاد اختبار للوالدين على أداء الأمانة فيهم من التربية والرعاية والصبر على تحمل أعباء تنشئتهم. وعدم الأولاد أيضاً اختبار على الصبر على الفقد والحرمان، وعلى تحفيز النفس إلى التضرع والابتهال بين يدي الرب تعالى. إذن الوجود والعدم ابتلاء، قال تعالى: ﴿ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [الحديد 23].

أيها المسلمون، إن النفس البشرية مفطورة على حب الأولاد والتعلق بهم؛ لأنهم ثمرات القلوب، وراحة النفوس، وأنس الأسرة والبيت، وأزاهير بستان الحياة الدنيا وزينتها، قال تعالى: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً ﴾ [الكهف 46].

قال الأحنف بن قيس رحمه الله: " الأولاد ثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم سماء ظليلة، وأرض ذليلة".

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي -وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً- فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قال: (من لا يَرحم لا يُرحم)[متفق عليه].

لقد اشتد الشوق عند زكريا عليه السلام للولد بعدما اشتعل الرأس شيباً؛ ليحمل راية الدعوة والهداية بين قومه بعد موت أبيه فدعا زكريا ربه بذلك، كما قال تعالى: ﴿ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [الأنبياء 89-90].

عباد الله، إن الله تعالى جبل الأبوين على حب الأولاد والعطف عليهم؛ ولذا فإنهما يتحملان المشاق ويبذلان الثمين مما عندهما لأجل أولادهما. فالأم حملت وولدت وأرضعت وأطعمت وربت وسهرت ومرضت وقدمت من العطاء الجزيل لفلذة كبدها. والأب جدّ وعمل ونصب وتعب وبذل ما يقدر عليه لقرة عينه وفرحة عمره. حتى لكأن الأبوين قد صارا يهدمان عمريهما ليبنيا أعمار أولادهما، كما قال الشاعر:

صغاراً نربيهم بقدر عقولهم
            ونبنيهم لكننا نتهدمُ

فكم نال الأبوين من العناء والمشقة في حياة الأولاد، وكم حرما من الراحة بسببهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الولد مبخلة مجبنة مجهلة محزنة» [رواه الحاكم، وهو صحيح]، فالحرص على حاجياتهم بخل يمنع من الصدقة والجود، والسعي لأجلهم والانشغال بهم قد يبعد بعض الناس عن التفقه والتعلم فيظل الإنسان جاهلاً أو مفوتاً على نفسه حظاً من العلم بسببهم. ومرضهم يدخل على الوالدين الحزن ويذهب من بينهما السرور.

أيها المسلمون، إن هذا الجود الذي يقدمه الوالدان يجب أن يكون مصحوباً باستشعار الأمانة والمسئولية العظيمتين في تنشئة الأولاد تنشئة صالحة.

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم 6].

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع ومسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته»[متفق عليه].

إن تربية الأولاد تربية نافعة أمانة عظيمة ومهمة جبارة ووظيفة غير سهلة، فإنها قد تقارب الجهاد إن لم تَفُقْهُ في تعب امتداد مطالبها وتقويم مسيرتها، كما قال بعض العلماء. والكلام والتنظير لهذا النوع من التربية سهل، لكن الحال في الميدان التربوي والتطبيق العملي صعب غير ميسور.

قال بعض فلاسفة الإنجليز: "كان عندي قبل أن يصير لي أولاد أربع نظريات في تربية الأولاد، فلما صار لي أولاد ذهبت تلك النظريات كلها!".

أيها الأفاضل، إذا كانت تربية الأولاد تربية صالحة مهمة صعبة في الأجيال النقية الصافية التي لم تدنس بأوساخ الحضارة المعاصرة، فكيف بهذا الزمان الذي كثر فيه أعداء التربية الصالحة؟!

إن الذي يريد أن يربي أولاده في هذا الفصل من الزمن الصعب على الارتباط بالحق اعتقاداً وفكراً وعملاً وسلوكاً، وعلى الارتباط بالحياة الناجحة ليكون عضواً صالحاً في جسد المجتمع، عارفاً حق الله وحق نفسه وحق الناس فإنه سيواجه معوقات كثيرة، فمن تلك المعوقات:

انشغال الأبوين عن التربية، فالأب قد ينشغل بأمر الرزق وتوفير الحياة المعيشية، أو قد يشغل بهواياته وملهاياته، والأم مشغولة بأعمال المنزل والجلسات مع الجارات والصديقات أو متابعة القنوات أو الصفحات الاجتماعية عبر النت، هذا إذا لم تكن موظفة، أما إذا كانت موظفة فالأمر أضيق وأشد.

والمعوق الآخر: البيئة التي تعاش، فالأصدقاء قد لا يساعدون على تحقيق مطلب التربية الناجحة، وبعض المدارس غير مهتمة بالجانب السلوكي والعملي لدى طلابها وطالباتها، بل قد تنمي الجوانب السيئة وتقضي على الجوانب الحسنة.

والإعلام بوسائله المختلفة قد يهدم من أبنية التربية البيتية في أيام ما يُبنى في سنين، وضعف رسالة المسجد وحلقات العلم والقرآن والتشويه لأهلها والتضييق عليهم يكمل هدم آخر حجر في البناء التربوي.

إن هذه المعوقات ونحوها لا تدعو الأبوين إلى اليأس والإحباط والقعود، ولكنها تدعو إلى مضاعفة الجهد وكثرة الحرص وشدة المتابعة للأولاد؛ من أجل التربية والتعليم.

أيها المسلمون، إن الحياة غير المنظمة التي يعيشها بعض الآباء أو بعض الأسر غالباً ما تولد المرض نفسه في حياة الأبناء؛ فلهذا على المربي الناجح أن يبدأ طريق التربية بخطوات ومراحل مدروسة مرتبة حتى ينشأ بين يديه الجيل الصالح.

فمن تلك الخطوات والمراحل المهمة:

اختيار الأبوين، فالزوج يختار الزوجة الصالحة ديناً ودنيا؛ لأن الأم هي المنشأ الأول الذي ينشأ فيه الطفل فيتأثر بأخلاقها وسلوكها، خصوصاً البنات، فاختيار الأم هو أول حقوق الطفل على أبيه، والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك»[متفق عليه].

وعلى المرأة وأوليائها كذلك اختيار الزوج الصالح ديناً ودنيا؛ لأن الأب هو رب الأسرة وقائدها، وبه تتأثر الأسرة وتُقاد.

عن أبي حاتم المزني مرفوعاً: «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير، قالوا: يا رسول الله، وإن كان فيه؟ قال: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، ثلاث مرات»[رواه الترمذي، وهو حسن].

ويدخل في هذه المرحلة العمل بوصية رسول الله - عليه الصلاة والسلام - للمسلم عند اللقاء الزوجي، كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فقضي بينهما ولد لم يضره شيطان أبدا» [متفق عليه].

وتأتي بعد هذه المرحلةِ المرحلةُ الثانية وهي مرحلة الحمل، وهي مرحلة ينبغي فيها المراعاة النفسية والجسدية للأم؛ لأن الجنين يتأثر بما تتعرض له أمه أثناء الحمل.

ولذلك نجد أن الشرع الحنيف خفف عن المرأة الحامل فأباح لها الفطر في رمضان؛ حفاظاً عليها وعلى جنينها من الخطر.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية :

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحابته أجمعين، أما بعد:

ايها المسلمون، من مراحل الاهتمام بالطفل والاعتناء به –بعد الحمل- وهي المرحلة الثالثة وهي مرحلة ما بعد الولادة، وفيها بعض الآداب التي هي جزء من التربية الصالحة والبداية الطيبة لتنشئة الطفل تنشئة ناجحة، فمن تلك الآداب:

استحباب الاستبشار والتهنئة بقدوم المولود. قال تعالى: ﴿ فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [آل عمران 39].

ويستحب كذلك تحنيك المولود بتمرة لينة توضع في فم المولود وتدلك فيه دلكاً لطيفاً حتى تبلغ جميع الفم، وإذا لم يتيسر التمر فبأي شيء حلو من عسل أو سكر، وهذا التحنيك له أثر صحي تحدث عنه الأطباء.

وفي هذه المرحلة أيضاً تستحب تسمية المولود باسم حسن كالأسماء المعبدة لله وأسماء الصالحين؛ لأن الأسماء لها أثر في المسميات حسنها وسيئها.

عباد الله، وتستحب أيضاً العقيقة للقادر عليها، عن عبد الله بن بريدة عن أبيه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين، كبشًا كبشًا)[رواه النسائي وأبو داود، وه صحيح].

ويستحب كذلك الختان في حق الإناث، ويجب في حق الذكور على الراجح وهو مذهب جمهور العلماء، وهذه السنة من محاسن الإسلام العظيمة وأدلة حرصه للطهارة والنقاء والصحة.

أيها المسلمون، إن الطفل يولد صفحة بيضاء يسطر فيها الوالدان ما شاءا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» [متفق عليه].

فعلى الوالدين بعد المرحلة الثالثة أن يعتنيا في السنوات الأولى لطفلهما بتعليمه -قولاً وفعلاً- الآداب والسلوكيات الحسنة، فإذا وصل سن السابعة فعلى الأبوين أن يشرعا في غرس بعض مفاهيم الإسلام المهمة عن الله ورسوله وكتابه ودينه.

وأن يعوداه بعض الأعمال التكليفية تمريناً له على فعلها والمحافظة عليها في المستقبل كالصلاة والصوم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضـربوهم عليها وهم أبناء عشـر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع» [رواه أحمد وأبو داود والبيهقي، وه صحيح].

وعن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: (كنا نصوّم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار)[متفق عليه].

عباد الله، فإذا كبر الطفل وقارب البلوغ والمراهقة –وهي مرحلة عمرية صعبة- تواجه الطفلَ والأبوين معاً؛ لشدة النوازع والجواذب فيها، وبداية انطلاقة جديدة نحو التكاليف الشـرعية والحياتية، والمتطلبات الشهوانية الفطرية، وحينئذ يهتم أبواه به أكثر من ذي قبل، ويراقبانه ويواصلان التربية معه، فيُختار له الجلساء الصالحون، ويقرّب منهم، ويبعد عن جلساء السوء، ويحذر من مجالسهم؛ لأن الجليس يتأثر بجليسه كما هو معلوم.

ومن الأمانة الأبوية متابعة الولد –ذكراً كان أو أنثى- في أفكاره؛ لما لها من أثر بالغ على مستقبله السلوكي والخلقي والعملي، خصوصاً في ظل الثروة المعلوماتية الهائلة المعاصـرة التي صار من السهولة المتناهية سـرعة الوصول إليها، مع ما يكتنفها من الإغراء والترغيب، وخاصة للبضاعة الآسنة والمسمومة منها.

فإذا وصل الولد سن الزواج ووقته ورغب فيه فهنا يكمل الإحسان إليه بحسن اختيار القرين والشـريك –ذكراً كان الولد أو أنثى- فيختار للابن المرأة الصالحة ذات الدين والخلق، وللبنت الرجل ذو الدين والخلق كذلك.

ومن الخيانة تقصير الأبوين في حسن الانتقاء للكُفء للابن أو البنت، والمراد بالكفء القادر على مؤن النكاح المادية وغير المادية، وهذا أمر في غاية الأهمية؛ كي لا يؤثر سوء الانتقاء على مستقبل هذه الأسـرة الجديدة، ويكون للأبوين جزء من مشاكلها ومعضلاتها.

أيها المسلمون، إن الطفل عندما يكبر على هذه التربية والعناية وقد أعطي هذا الغذاء الروحي، وسُقي هذا الاهتمام الأبوي والسلوكي تصبح حياته الآتية امتداداً لحياته الأولى في فضائلها ومكارمها.

كما قال الأول:

وينشأ ناشئ الفتيان فينا
               على ما كان عوده أبوه

إن الجيل المسلم -معشر المسلمين- لو رُبي على هذا النهج سيعم خيره العباد والبلاد في مجالات الحياة المختلفة، فصلاح أي مجتمع مرهون بصلاح هذه الفئة منه، وفساده بفسادها، فعلى كواهل هذه الفئة في المجتمع يقوم البناء وإعمار الحياة، وبث روح النشاط والجد والقوة فيها، هذا للمجتمع والعموم.

وللأبوين من الصلاح: البر والسعادة والخير العميم، وإن حصل الإهمال منهما فلا أقل من العقوق والتعب من الولد المهمل وتحمل أعبائه وانحرافه وسوء تصـرفاته كبيراً كما تحملاها صغيراً.

وعلى الأبوين أن يتذكرا في هذه الأمانة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة» [متفق عليه].

﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾ [الفرقان: 74].

لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية