حقوق كبار السن في الإسلام

حقوق كبار السن في الإسلام

حقوق المسنين في الإسلام


الشيخوخة


الشيخوخة مرحلة من مراحل العمر، وطور من أطوار الحياة ، والمسنين جزء لا يتجزأ من كل مجتمع من المجتمعات الإنسانية.

وقد أوصى ديننا الحنيف بكبار السن ، إذ يحظى الكبار في مجتمعنا الإسلامي غالباً، بمزيد من التقدير والرعاية والاحترام، فإذا ما تم المقارنة بين كبار السن في وسط الأسرة الإسلامية، مع غيرها من الأوساط الغربية والشرقية غير المسلمة، نجد أن كبار السن من المسلمين سعداء، بينما نظرائهم من غير المسلمين يعيشون في غربة ووحدة وشقاء.

ولقد أوجب الإسلام علينا رعاية تلك الفئة من الضعفاء ، فمن المكارم العظيمة والفضائل الجسيمة ، البر والإحسان الى كبار السن والشيوخ ، ورعاية حقوقهم، والقيام بواجباتهم، وتعاهد مشكلاتهم، والسعي في إزالة المكدرات والهموم والأحزان عن حياتهم، فعن أبو الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : « ابغوني الضُّعفاءَ ، فإنَّما تُرزقونَ و تُنصرونَ بضعفائِكُمْ » رواه الألباني

ولقد اعتبر الإسلام ،الإهتمام بكبار السن ، من أعظم أسباب التكافل الاجتماعي ومن جليل أعمال البر والصلة؛ ذلك أنه عندما يتقدم العمر ويهن العظم ويشتعل الرأس شيبًا يحتاج الكبير إلى رعاية خاصة، واحترام وتبجيل، وحسن صحبة بالمعروف؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «جاء شيخ يريد النبي صلى الله عليه وسلم، فأبطأ القوم عنه أن يوسعوا له، فقال صلى الله عليه وسلم: ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا». رواه الترمذي

ولقد جاء في القرآن الكريم العديد من الآيات عن الشيخوخة ، قال تعالى : ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا ﴾ [غافر: ٦٧]

كما وصف سبحانه وتعالى مرحلة الشيخوخة بمرحلة الضعف ، قال تعالى : ﴿ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ﴾ [الروم: ٥٤]

فالأيام ومُضيُّ الأعوام تغير في الإنسان؛ وقد عبَّر عن ذلك نبي الله زكريا حينما قال: ﴿ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ﴾ [مريم: ٤]، فهذه طبيعة الإنسان، أن يَهِنَ عظمه، وتضعف قوته وحيلته، ويحتاج الى مساعدة غيره .

فضل الشيوخ وكبار السن في الإسلام


لكبار السن والشيوخ فضل كبير في الإسلام ، ولهم حقوق وواجبات تحفظ قدرهم ، والمؤمن لا يُزاد في عمره إلا كان خيرًا له، و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« .... وإنَّهُ لا يزيدُ المُؤْمِنَ عمرُهُ إلَّا خيرًا وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرًا» رواه مسلم.

وكبار السن الصالحون خير الناس؛ فعن عبد الله بن بُسْرٍ الأسلمي رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : « خيرُكُم مَن طالَ عُمرُهُ ، وحسُنَ عملُهُ» ، فأفضل الناس من طال عمره واستفاد منه في زيادة الحسنات ، وعمل الطاعات واتباع أوامر الله ورسوله ، فمن طال عمره ، ازداد علمه وإنابته ورجوعه إلى الله عز وجل ، فالشيخوخة موجبة للخير والزهادة في الدنيا.
وعن أنس رضي الله عنه، قال: إن رسول الله ﷺ قال: « ألا أنبئكم بخياركم؟»
قالوا: بلى يا رسول الله، قال: « خيارُكم أطولُكم أعمارًا إذا سددوا» . صحيح على شرط الشيخينِ
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ «خيارُكم أطولكم أعمارًا، وأحسنكم أعمالًا » رواه أحمد

وعن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله ﷺ : «ما مِن مُعمَّر يُعمَّر في الإسلام أربعين سنة إلا دفع الله عنه أنواع البلاء: الجنون، والجذام، والبرص، فإذا بلغ الخمسين هوَّن الله عليه الحساب، فإذا بلغ الستين رزقه الله الإنابة إلى الله بما يحب الله، فإذا بلغ السبعين أحبه الله وأحبه أهل السماء، فإذا بلغ الثمانين كُتبت حسناتُه ومُحيت سيئاته، فإذا بلغ التسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وكان أسيرَ الله في أرضه، وشفع في أهل بيته».


حقوق كبار السن


  • إحترام كبير السن وإكرامه وتوقيره : فعن أبي موسى رضي الله عنه قال :قال رسول الله ﷺ : « إن من إجلال الله تعالى: إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط » .حديث حسن، رواه أبو داود.

  • بدؤه بإلقاء التحية والسلام : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : « يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ علَى الكَبِيرِ، والمارُّ علَى القاعِدِ، والقَلِيلُ علَى الكَثِيرِ» رواه البخاري

  • الابتداء به وتقديمه في الأمور كلها : كالتحدث والتصدر في المجالس، والبدء بالطعام والجلوس، وغير ذلك، فالأولى في الصلاة أن يليَ الإمام مباشرةً كبار القوم وذوو المكانة والمنزلة العلمية والعمرية أهل العقول والحكمة ، : صلى الله عليه وسلم «ليلينِّي منكم أولو الأحلامِ والنُّهى ثمَّ الَّذينَ يلونَهُم ثمَّ الَّذينَ يلونَهُم ولا تختلِفوا فتختلفَ قلوبُكُم وإيَّاكم وَهَيشاتِ الأسواقِ ». [رواه مسلم].

  • تقديمه في الكلام : وعن سهل بن أبي حثمة، قال: انطلق عبدُالله بن سهل، ومحيصة بن مسعود بن زيد إلى خيبر، وهي يومئذ صلح، فتفرقا، فأتى محيصة إلى عبدالله بن سهل وهو يتشمط في دمه قتيلًا، فدفنه، ثم قدم المدينة، فانطلق عبدالرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب عبدالرحمن يتكلم، فقال: « كبِّرْ، كبِّرْ» ، وهو أحدث القوم، فسكت، فتكلَّم . رواه البخاري .
    وعن عبدالله ابن عمرَ رضي الله عنه قال : أن النبي ﷺ قال: « أراني أتسوك بسواك، فجاءني رجلان، أحدهما أكبر من الآخر، فناولت السواكَ الأصغرَ منهما، فقيل لي: كبِّرْ، فدفعته إلى الأكبر منهما » . رواه البخاري


  • منادته بألطف خطاب وأجمل كلام : ليس من أدب الإسلام الاستخفاف بالكبير، أو إساءة الأدب في حضرته، أو رفع الصوت بحضرته أو في وجهه بكلام يسيء إلى قدره وعمره؛ روى الشيخان عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أنه قال: « لقد كنتُ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلامًا، فكنت أحفَظ عنه، فما يَمنعني من القول إلا أن ها هنا رجالًا هم أسن مني » .

  • الدعاء له: الدعاء لكبير السن بطُول العمر في طاعة الله، والتمتُّع بالصحة والعافية، وبحسن الخاتمة، ومن بر الوالدين الدعاء لهما في حياتهما وبعد مماتهما؛ قال تعالى : ﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [ الإسراء: ٢٤ ]

  • تأمين الإكتفاء المادي له: أن يعيش كبير السن مكفول الحاجات المادية، يُوفَّر له غذاؤه ودواؤه، وملبسه ومسكنه، وأولى الناس بالاهتمام بهذا أسرته وأولاده؛ فكما ربَّاهم صغارًا، يجب أن يَكفلوه كبيرًا، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، ولا يجوز لأبنائه وذويه بحال أن يفرِّطوا في هذا الواجب، ولا أن يَمُنُّوا على والديهم بهذا؛ فهي نفقة واجبة وحق مؤكد.


واهم كبار السن في حياة الإنسان هم والديه ، وقد قرن الله سبحانه شكر الوالدين بشكره فقال عز وجل : ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: ١٤]، والأبناء البررة، يحرصون على مراعاة كبرة والديهم، والجزاء من جنس العمل؛ فإنه وإن كان المرء قويًا الآن، فسيعود يومًا إلى ضعف وشيبة وقلة حيلة، فيحتاج إلى من يكرمه ويرعاه، فبرِّوا آباءَكم، تَبرَّكم أبناؤكم.كما أوصى القرآن بالوالدين، وخصَّ بالذكر حالة بلوغ الكبر؛ فقال تعالى : ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: ٢٣، ٢٤].

وفي حسن معاملة الصحابة للوالدين :

كان أبو هريرة رضي الله عنه إذا أراد أن يخرج من بيته وقف على باب أمه، فقال: السلام عليك يا أمتاه ورحمة الله وبركاته، فتقول: وعليك السلام يا بني ورحمة الله وبركاته، فيقول: رحمك الله كما ربيتِني صغيرًا، فتقول: رحمك الله كما بررتني كبيرًا، وإذا أراد أن يدخل صنع مثله.

مما سبق يتبين لنا أن رعاية المسنين في الإسلام نموذج أمثل للتكافل الاجتماعي؛ فقِيَمُنا قيمٌ إسلامية أصيلة، ترحم الضعيف والصغير، وتوقر الكبير، وتحترم العالم والسلطان.

لا تنس ذكر الله
رب اغفر لي
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية