حكم أخذ مال الزوجة

حكم أخذ مال الزوجة

مال الزوجة


تحريم أخذ مال الزوجة بغير إذنها


صورة من صور الظلم وأكل المال قد انتشرت وتفاقمت في كثير من البيوت يمارسها الأزواج في كل آخر شهر، ألا وهي أكل راتب الزوجة أو مكافآتها. كثير من الأزواج يأخذ بطاقة الصراف من زوجته ويسحب من مالها، متى ما أراد دون خوف أو وجل، والأنكى حينما يأخذ الزوج دون تأنيب ضمير، من قال: إن مالها لك، والله لتسألن يوم القيامة عن هذا المال، ولتُحشرن مع الظلمة وآكلي أموال الناس، تأملوا قول الله –تعالى-: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾ [النساء:4].

وسبب الآية فيما ذكر أن قومًا تحرجوا أن يرجع إليهم شيء مما دفعوه إلى الزوجات فنزلت: ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ﴾ فالخطاب للأزواج أمروا بإيتاء نسائهم الصداق، فإن طابت نفوسهن بشيء من ذلك فوهبن منكم، ﴿فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾ سائغًا طيبًا.

وقال ابن عباس: "إذا جادت المرأة لزوجها بالعطية طائعة غير مكرهة، لا يقضي به عليكم سلطان، ولا يؤاخذكم الله تعالى به في الآخرة"

عن ابن عباس: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾ [النساء:4]، يقول: إذا كان غير إضرار ولا خديعة، فهو هنيء مريء، كما قال الله -جل ثناؤه-، فإن لم يكن عن طيب نفس فقد سمَّاه الله بهتانًا وإثما مبينًا، قال الله: ﴿فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [النساء:20].

فتأمل كيف منع الله -جل وعلا- أن يأخذ الزوج من زوجته بعض مهرها، فكيف بمال هو من كدها وتعبها وجهدها؟ ولا شك أن هذا من أعظم الاعتداء وأخذ المال بغير حق، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي حرة الرقاشي عن عمه قال: كنت آخذًا بزِمام ناقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أوسط أيام التشريق أذود عنه الناس، فقال: "يا أيها الناس، أتدرون في أي شهر أنتم؟ وفي أي يوم أنتم؟ وفي أي بلد أنتم؟"، قالوا: في يوم حرام وشهر حرام وبلد حرام، قال: "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقونه"، ثم قال: "اسمعوا مني تعيشوا، ألا لا تظلموا، ألا لا تظلموا، ألا لا تظلموا، إنه لا يحل مال امرئ إلا بطب نفس منه"

وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أتدرون ما المفلس؟" قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: "إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار"

وروى أيضًا عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقتص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء"



نفقة البيت واجبة على الزوج


ولا شك أن أخذ مال الزوجة دون رضاها ظلم وغصب، وأكل لمالها بالباطل، حتى ولو كان الزوج يعود بهذا المال على البيت ونفقته فهو حرام لا يجوز؛ لأن نفقة البيت واجبة على الزوج لا عليها.

قال ابن عثيمين -رحمه الله-: "إذا كانت الزوجة تدرس، وقد شرط على الزوج تمكينها من تدريسها، فإنه لا حق له فيما تأخذه من راتب، لا نصف ولا أكثر ولا أقل، الراتب لها ما دام قد شرط عليه عند العقد أنه لا يمنعها من التدريس فرضي بذلك، فليس له الحق أن يمنعها من التدريس، وليس له الحق أن يأخذ من مكافآتها، أي من راتبها شيئًا، هو لها، أما إذا لم يشترط عليه أن يمكنها من التدريس، ثم لما تزوج قال لا تدرسي، فهنا لهما أن يصطلحا على ما يشاءان، يعني مثلًا له أن يقول: أمكنك من التدريس بشرط أن يكون لي شيء من الراتب، على ما يتفقان عليه، وأما إذا شرط عليه أن تدرس وقبل فليس له الحق أن يمنعها وليس له الحق أن يأخذ من راتبها شيئًا"

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [يونس:54].

فضل مساعدة الزوجة لزوجها على تكاليف الحياة


لقد سمعنا وقرأنا آهات كثير من الزوجات بسبب استبداد أزواجهن، وظلمهن في أموالهن، وعدم النفقة عليهن بحجة أنهن يستلمن راتبًا أو مكافأة، وهذا صحيح ولكن يبقى التوجيه للزوجات بأن من أعظم البر والإحسان هو مساعدة الزوج على تكاليف الحياة، وشدة المعيشة، فما المانع أن تسهم الزوجة من مالها بما يحتاجه زوجها وأولادها بما لا يضرها؟! بل إن الله -جل وعلا- جعله: ﴿هَنِيئًا مَرِيئًا﴾ [النساء:4].

وقد روى الطبري عن عبيدة قال، قال لي إبراهيم: أكلت من الهنيء المريء! قلت: ما ذاك؟ قال: امرأتك أعطتك من صداقها. وروا عن إبراهيم قال: دخل رجل على علقمة، وهو يأكل من طعام بين يديه، من شيء أعطته امرأته، فقال له علقمة: ادنُ فكل من الهنيء المريء!

روى البخاري في صحيحه عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت: كنت في المسجد فرفعت رأسها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "تصدقن، ولو من حليكن"، وكانت زينب تنفق على عبد الله وأيتام في حجرها، قال فقلت لعبد الله: سل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أيجزيني أن أنفق عليك وعلى أيتام في حجري من الصدقة؟ فقال: سلي أنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فانطلقت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فوجدت امرأة من الأنصار على الباب حاجتها مثل حاجتي، فمر علينا بلال، فقلنا:

قل له: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ السلام ويقول: "تصدقن". فقالت: بلى، فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقلت: أيجزيني أن أنفق على عبد الله وأيتام في حجري من الصدقة؟ قال: "نعم، هو لك صدقة، ولقرابتك أجران"

فتأمل -أيها الزوج- حينما تسعى إلى مال زوجتك أو راتبها دون حق أو رضا منها، فتذكر أن المال مالها ولا يحق لك الأخذ منه إلا برضاها وبما فيه المصلحة لكما، لأن من أعظم البر والإحسان مساعدة الزوجة لزوجها بما تملك، وما ينجم عن ذلك من الإيثار والرحمة بين الزوجين.


لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :



عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية