زيارة المريض

زيارة المريض

خطبة عن زيارة المريض


الخطبة الأولى

يقول عليه الصلاة والسلام: ((حق المسلم على المسلم ستٌ)) قيل: ما هنَّ يا رسول الله؟ قال: ((إذا لقيته فسلِّم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمِّتْه، وإذا مرض فعُدْه، وإذا مات فاتبعه)) هذه حقوق بين المسلمين وهناك حقوق أخرى كثيرة حفلت بها سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً وتوجيهاً.

ولقد كان من أدب السلف - رضوان الله عليهم - إذا فقدوا أحداً من إخوانهم سألوا عنه، فإن كان غائباً دعوا له، وخلفوه خيراً، وإن كان حاضراً زاروه، وإن كان مريضاً عادوه.

يقول الأعمش رحمه الله: كنا نقعد في المجلس، فإذا فقدنا الرجل ثلاثة أيام سألنا عنه، فإن كان مريضاً عدناه.

وتتأكد الزيارة إذا كان ذا قرابة؛ أو من أصدقاء الوالد؛ أو من الجيران، لأن حقهم آكد، كما دل على ذلك الكتاب والسنة.

وفي عيادة المريض - أيها الإخوة - يتجلى سموُّ الخلق، وحفظ الحق حين يكون أخوك في حالةٍ من العجز، وانقطاعٍ عن مشاركة الأصحاب، حبيس المرض، وقعيد الفراش.

في عيادة المريض إيناسٌ للقلب، وإزالة للوحشة، وتخفيفٌ من الألم، وتسليةٌ للنفس والأقارب.

وفي توجيهات المصطفى صلى الله عليه وسلم حثٌّ عظيمٌ على حفظ هذا الحق، والالتزام بهذا الخُلق، ومراعاةُ آدابه.

أخرج الإمام أحمد ومسلمٌ واللفظ له والترمذي عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خُرفة الجنة حتى يرجع)) قيل: يا رسول الله، وما خُرفة الجنة؟ قال: ((جناها)) أي: ثمارها.

وفي الحديث القدسي يقول الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة: ((يا بن آدم مرضت فلم تعدني. قال: يا رب، كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟)).

و((ما من مسلم يعود مسلماً غدوةً، إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشية، إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خريفٌ في الجنة)). صححه الألباني.

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم: ((من عاد مريضاً ناداه منادٍ من السماء: طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً)) أخرجه الترمذي وحسنه، وابن ماجه، واللفظ له.

وزيارة المريض مستحبةٌ ولو كان مغمىً عليه أو فاقد العقل، ((فقد زار النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه جابرَ بن عبد الله، ووجداه مغمىً عليه))، وفي مثل هذه الزيارة جبرٌ لخاطر أهله مع ما يرجى من إجابة الدعاء، مع كون المريض قد يسمع من حوله ويفهم مقالهم وهم لا يشعرون.

ومن أدب الزيارة أن يقول الزائر للمريض: ((لا بأس طهور إن شاء الله)) فقد كان نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك.

كما كان عليه الصلاة والسلام يرشد إلى ما يتعوذ به من الألم. يقول عثمان بن أبي العاص الثقفي قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وبي وجع؛ فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ((اجعل يدك اليمنى عليه وقل: بسم الله، أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر. سبع مرات)) فقلت ذلك فشفاني الله. رواه أبو داود والترمذي وغيرهما وصححه الألباني.

وينبغي أن يجتهد له في الدعاء، ومما ورد في ذلك: عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من عاد مريضاً لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرار: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، إلا عافاه الله من ذلك المرض)).

وقد عاد جبريل النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ((بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفسٍ أو عين حاسد، الله يشفيك، باسم الله أرقيك)) رواه مسلم من حديث أبي سعيد.

ومن الآداب الواجبة في الزيارة للمريض: التأكد من إمكانية الزيارة، والوقت المناسب لها، وألا يطيل الزيارة، وألا يثقل بكثرة المساءلة؛ وإطالة الحديث، ولا يذكر له ما يحزنه، أو يزيده وجعاً إلى وجعه، ولا يذكر صديقاً له بما يكره، أو عدواً له بما يحب، ولا يتحدث عن أهله وأولاده إلا بكل خير، رفقاً به وملاطفةً له. ولا يتحدث الزوار بما قد يتضايق من سماعه المريض أو أهله.

وإن في الإطالة إثقالاً على المريض، ومنعاً له من تصرفاتٍ قد يحتاج إليها.

ودخل رجلٌ على عمر بن عبد العزيز يعوده في مرضه فسأله عن علته فأخبره، فقال الزائر: إن هذه العلة ما شفي منها فلان، ومات منها فلان. فقال عمر: إذا عدت مريضاً فلا تنع إليه الموتى، وإذا خرجت عنا فلا تعد إلينا. ويقول سفيان الثوري: حماقة العائد أشر على المرضى من أمراضهم، يجيئون من غير وقتٍ، ويطيلون الجلوس. ومن ذلك قول بعضهم وربما والمريض يسمع: الله لا يرخص به، الله لا يملل به، ويفهم من هذا الكلام أنه في مرضه مُرخصٌ مُلل به، ومن ذلك قولهم: فلان ما يستاهل، وهذا قد يكون فيه إدخال حسرة على المريض، مع ما فيه من اعتراض على قضاء الله وقدره. والحقيقة أن هذه العبارات لا تصدر ممن استشعر أن الدنيا لا تساوي شيء أمام الآخرة، وأن الله يريد بعبده المؤمن الخير، وأن هذه الأمراض وغيرها من المصائب والبلايا تكفير للسيئات ورفعة للدرجات إذا وفق العبد للصبر والاحتساب.

وإذا كان المريض يحب تكرار الزيارة، ولا مشقة عليه فلا بأس، ومردُّ ذلك إلى الطبائع ومقتضيات الأحوال، وقد يأنس ببعضٍ من قريب أو صديق حميم، ويملُّ آخرين. وإذا طمع الزائر في شفاء المريض صبَّره وبشَّره، وساعده في التمريض والذهاب به إلى الطبيب أو إحضارِه له، وفي قضاء حوائجه التي يعجز عن الوصول إليها، وطيَّب نفسه وسعى في إدخال السرور عليه، وفتح أبواب الأمل لديه.

وقد وصف الحسن رحمه الله المريض فقال: أما والله ما هو بِشَرِّ أيام المسلم، قُورب أجلُه، وذُكِّر فيه ما نسي من معاده، وكُفِّر فيه عن خطاياه. وكان إذا دخل على مريض قد عوفي قال له: يا هذا، إن الله قد ذكَّرك فاذكره، وأقالك فاشكره.

هذه الأسقام والبلايا كفاراتٌ للذنوب، ومواعظ للمؤمنين.

عافانا الله وإياكم، وجعلنا من المتعضين.

أقول ما سمعتم وأستغفر الله....

الخطبة الثانية

من الآداب في زيارة المريض إذا يئس من حال المريض أن يذكَّره بالله، ويرغَّبه فيما عنده، وأن يحسن ظنه بربه، وأن من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه.

ويذكر بالشهادة والذكر، فإن من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله، دخل الجنة كما ورد في الحديث.

ويفتح له أبواب المغفرة، واغتنام الوقت بالذكر والقراءة والتسبيح والاستغفار، وكل ما يقرب إلى الله.

ويذكرُه بالوصية، فهي لا تَقطع أجلاً، وإنما تحفظ بها الحقوق، وتُقضى بها الديون، ويَتوصلُ بها أهلُ الحقوق إلى حقوقهم.

فاتقوا الله - أيها المسلمون - واحفظوا لإخوانكم حقوقهم، قوموا بها على وجهها، راعوا آدابها، وحققوا مقاصدها، يعظمُ أجرُكم، ويصلحُ شأنكم، ويفشُوا الخير بينكم، وتسُودُ المودة فيكم.

اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين.

اللهم اشف مرضانا، وارحم موتانا.

لا تنس ذكر الله
لا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية