صفات المؤمنين المفلحين في الدنيا والآخرة

صفات المؤمنين المفلحين في الدنيا والآخرة

صفات المؤمنين المفلحين في الدنيا والآخرة



إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير.

وأشهد أن محمَّدًا عبده ورسوله ما ترك خيرًا إلا دلنا عليه ولا ترك شرًّا إلَّا حذرنا منه.

ونعوذ بالله من شر الشيطان الرجيم وشركه وهمزه ونفخه ونفثه ووسوسته، ونعوذ بالله من شرور جنوده أجمعين.

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسوله محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها الناس:

يقول الله تعالى في كتابه الكريم: بسم الرحمن الرحيم، ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُون * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون: 1 - 11].

عباد الله:

لقد ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات ست صفات عظيمة إذا اتصف بها المؤمنون أفلحوا في الدنيا والآخرة، وقد تحدثنا في الخطبة الماضية عن الصفة الأولى وهي الخشوع في الصلاة وعن الصفة السادسة وكانت المحافظة على الصلوات:

وفي هذه الخطبة سنتحدث عن الصفة الثانية وهي: الإعراض عن اللغو، قال الله تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُون * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾.

عباد الله:

لكي يتصف المؤمن بصفة الاعراض عن اللغو يجب أولًا أن يعلم ما هو اللغو؟

قال العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - عندما سئل عن اللغو في قول الله سبحانه و تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾.

فقال: فسر العلماء (اللغو) بأمور ثلاثة:
أحدها: الشرك.
الثاني: المعاصي كلها.
الثالث: كل شيء لا فائدة فيه ولا مصلحة فيه فهو من اللغو، ومعنى معرضون: أي تاركون ومفارقون شعوريًّا ولفظيا وسلوكيا.

عباد الله:

إن الدين عند الله الاسلام وهو خير الأديان، وقد اعتنى الإسلام بالإنسان فجعله مكرمًا وأنزل إليه خير الكتب وأرسل إليه خير الرسل، وأن الإسلام يهتم كثيرًا بالعلاقات كلها:

علاقة الإنسان بربه وعلاقته بالملائكة وعلاقته بنبيه صلى الله عليه وسلم وعلاقته بالإنسان مسلمًا وكافرًا وعلاقته بالكون ومكوناته وحتى علاقته بنفسه.

وأن المتدبر في قول الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾ [المؤمنون: 3]، ليعلم أن المسلم الموحد منضبط ويتعبد الله بالأقوال والأفعال والمشاعر.

عباد الله:

إن العبادة لله ما هي إلا قول وصمت وفعل وترك وأن الصفات الخمس الواردة في بداية سورة المؤمنون كانت تركز على القول والفعل القويم الصحيح وأن الصفة الثانية تركز على مفارقة المشاعر والأقوال والسلوكيات التي لا تفيد في الدنيا والآخرة، لأن هذا الدين متكامل.

إخواني:

إن الله سبحانه وتعالى يمتدح عباده المؤمنين بأنهم يعرضون عن الكفر والشرك والبدع والمعاصي والمنكرات ويعرضون عن كل شيء لا فائدة منه في الدنيا والآخرة، ليس هذا فحسب بل إن المسلم العاقل ليبتعد عن الإفراط في المباحات وأن المسلم القائد يستثمر جهده ووقته وماله وكل موارده وطاقاته فيما يعود عليه وعلى المسلمين وعلى البشرية كافة بالنفع في الدنيا والآخرة.

بارك الله لي ولكم وللمسلمين في القرآن العظيم ونفعنا بهدي سيد المرسلين، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي جعلنا مسلمين، وأعزنا بالإسلام، وفضلنا على كثير من العالمين تفضيلا.

وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه.

أما بعد:

فإن المآل في الآخرة إما للجنة أو للنار؛ قال الله تعالى: ﴿ وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۚ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ﴾ [الشورى: 7].

وكذلك حال الإنسان في الدنيا فإما أنه يقترب من الجنة خطوة أو يقترب من النار، ولذلك فإن وقته أما لهوًا ولعبًا ولغوًا وضياعًا، وإلا استثمارًا وحفظًا، والعاقل من صرف عمره فيما يعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة. لأنه سوف يسأل عنه يوم القيامة، قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
«لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه» رواه الترمذي وصححه الألباني رحمهما الله.

والإنسان إما خاسر أو رابح، قال الله تعالى: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1 – 3].

لكي نتصف عمليًّا بصفة المؤمنين الثانية، وهي صفة الأعراض عن اللغو فإن علينا أن نحافظ على أوقاتنا ونستثمرها في كل مفيد وذلك لن يتم إلا بالخطوات التالية:

  1. محبة الله ورسوله من خلال طاعتهما في كل أمر واتباع سنة محمد صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31].

  2. عمل خطة عامة متكاملة للحياة خطة توصلنا إلى الجنة وتنجينا من النار وتكون خطة محكمة ومبنية على الرؤية والرسالة والقيم والأهداف الاستراتيجية (الثقافية والاجتماعية والاقتصدية).

  3. حصر الأعمال التي تدخلنا الجنة وهي غالبًا ١٤ عملا نؤديها خلال الأسبوع وتحقق الغاية من الحياة ومنها:
    • النوم ٧ ساعات بالليل بالظلام.
    • الصلاة
    • العمل وأفضله في التجارة والصناعة والزراعة.
    • التعلم والتطوير.
    • الدعوة ونشر العلم.
    • الرياضة.
    • صلة الأرحام والزيارات والعلاقات الاجتماعية والتواصل الاجتماعي.
    • الرحلات والترفيه المباح.
    • أعمال تطوعية والمسؤولية المجتمعية.
    • قرَّاء القرآن.
    • الأكل والنظافة.
    • التربية والتوجيه.
    • القراءة.

  4. عمل جدول زمني أسبوعي تنفيذي معلن لجميع الأعمال التي نتعبد الله بها خلال ١٦٨ ساعة في الأسبوع.

  5. تنفيذ الجدول بحزم والمتابعة والتعديل والتصحيح حتى تصل انتاجيتنا إلى ٩٠% فأكثر.

  6. التخلص من مضيعات الوقت: الأشخاص والأشياء والأماكن وغيرها.

  7. انتقاء الصحبة الصالحة المصلحة والأماكن والموارد التي تحقق الإعراض عن اللغو.

  8. الدعاء باستمرار للنفس والآخرين.

  9. إيجاد البيئة الإيجابية والتكامل مع البيئات الأخرى الإيجابية.

  10. المرونة.

  11. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باستمرار وفي كل مكان وبكل وسيلة متاحة.

جعلني الله وإياكم من المؤمنين المفلحين في الدنيا والآخرة.

عباد الله:

﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة؛ فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة عليَّ»
، وقال صلى الله عليه وسلم: «أَوْلَى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاة»؛ اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنَّك حميد مجيد وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.

عباد الله:

وإني داع فأمنوا، تقبل الله منا ومنكم، لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، سبحان الله و الحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله.

اللهم إنا نسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، يا ربنا الأكرم، يا حي يا قيوم .. يا حي يا قيوم .. يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا ولا إلى أحد من خلقك طرفة عين ولا أقل من ذلك، يا ذا الجلال والإكرام يا ذا الجلال والإكرام يا ذا الجلال والإكرام .. اللهم اغفر لنا وارحمنا واهدنا وارزقنا واشفنا واكفنا وعافنا واعف عنا وأصلح لنا ديننا ودنيانا وآخرتنا، واصرف عنا السوء والفحشاء وكيد الأعداء، وأن نقول عليك ما لا نعلم.

اللهم احفظ بلادنا وحكامنا وعلمائنا وقيمنا وتعليمنا وحدودنا وانصر جنودنا ومكن لنا في الأرض.

اللهم اجعل لنا في قلوبنا نورًا وفي أبصارنا نورًا وفي أسماعنا نورًا وفي وجوهنا نورًا وفي ألسنتنا نورًا وفي أقلامنا نورًا وفي حياتنا نورًا وفي قبورنا نورًا واجعل لنا يوم الحشر نورًا وعلى الصراط نورًا ويوم ندخل الجنة نورًا.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين، اللهم اغفر لهم واحمهم وعافهم واعف عنهم وأكرم نزلهم ووسع مدخلهم وجازهم بالحسنات إحسانًا وبالسيئات عفوًا وغفرانا.

اللهم أعنا على شكرك وذكرك وحسن عبادتك، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.

لا تنس ذكر الله
لا حول ولا قوة إلا بالله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية