كل ما يجب معرفته عن الطلاق

كل ما يجب معرفته عن الطلاق

الطلاق


الطلاق من حق الرجل

جعل الاسلام الطلاق من حق الرجل وحده ، لانه أحرص على بقاء الزوجية التي أنفق في سبيلها من المال، ما يحتاج إلى انفاق مثله، أو أكثر منه، إذا طلق وأراد عقد زواج آخر، وعليه أن يعطي المطلقة مؤخر المهر، ومتعة الطلاق، وأن ينفق عليها في مدة العدة.
ولانه بذلك، وبمقتضى عقله ومزاجه يكون أصبر على ما يكره من المرأة، فلا يسارع إلى الطلاق لكل غضبة يغضبها، أو سيئة منها يشق عليه احتمالها، والمرأة أسرع منه غضبا، وأقل احتمالا، وليس عليها من تبعات الطلاق ونفقاته مثل ما عليه، فهي أجدر بالمبادرة إلى حل عقدة الزوجية، لأدنى الاسباب، أو لما لا يعد سببا صحيحا إن أعطي لها هذا الحق.
والدليل على صحة هذا التعليل الاخير، أن الافرنج لما جعلوا طلب الطلاق حقا للرجال والنساء على السواء، كثر الطلاق عندهم، فصار أضعاف ما عند المسلمين.

من يقع منه الطلاق

اتفق العلماء على أن الزوج، العاقل، البالغ، المختار هو الذي يجوز له أن يطلق، وأن طلاقه يقع. فإذا كان مجنونا، أو صبيا أو مكرها، فإن طلاقه يعتبر لغوا لو صدر منه، لان الطلاق تصرف من التصرفات التي لها آثارها ونتائجها في حياة الزوجين، ولابد من أن يكون المطلق كامل الاهلية، حتى تصح تصرفاته.
وتكمل الاهلية بالعقل والبلوغ، والاختيار، وفي هذا يروي أصحاب السنن، عن علي كرم الله وجهه، عن النبي ﷺ ، أنه قال: «رُفِع القَلمُ عن ثلاثةٍ: عن النَّائمِ حتَّى يستيقظَ، وعن الصَّبي حتَّى يحتلِمَ، وعن المجنونِ حتَّى يَعقِلَ » أخرجه الترمذي والنسائي
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي ﷺ، قال: « كل طلاق جائز، إلا طلاق المغلوب على عقله ».رواه الترمذي والبخاري موقوفا.

وللعلماء آراء مختلفة في المسائل الآتية نجملها فيما يلي:

طلاق المكره:
المكره لا إرادة له ولا اختيار، والارادة والاختيار هي أساس التكليف، فإذا انتفيا، انتفى التكليف، واعتبر المكره غير مسؤول عن تصرفاته، لانه مسلوب الارادة، وهوفي الواقع ينفذ إرادة المكره.
فمن أكره على النطق بكلمة الكفر، لا يكفر بذلك لقول الله تعالى: ﴿.. إِلّا مَن أُكرِهَ وَقَلبُهُ مُطمَئِنٌّ بِالإيمانِ ..﴾ [النحل: ١٠٦]
ومن أكره على الاسلام لا يصبح مسلما، ومن أكره على الطلاق لا يقع طلاقه.

وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنه ، عن النبي ﷺ : « إنَّ اللهَ تعالى وضع عن أُمَّتي الخطأَ ، و النسيانَ ، و ما اسْتُكرِهوا عليه» أخرجه ابن ماجه

وإلى هذا ذهب مالك، والشافعي، وأحمد، وداود من فقهاء الامصار، وبه قال عمربن الخطاب، وابنه عبد الله، وعلي بن أبي طالب، وابن عباس.

وقال أبو حنيفة وأصحابه: طلاق المكره واقع، ولا حجة لهم فيما ذهبوا إليه، فضلا عن مخالفتهم لجمهور الصحابة.

طلاق السكران:
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن طلاق السكران يقع، لأنه المتسبب بإدخال الفساد على عقله بإرادته.
وقال قوم: لا يقع وإنه لغو لا عبرة به، لأنه هو والمجنون سواء، إذ أن كلا منهما فاقد العقل الذي هو مناط التكليف، ولأن الله سبحانه يقول: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَقرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنتُم سُكارى حَتّى تَعلَموا ما تَقولونَ ...﴾ [النساء: ٤٣]
فجعل سبحانه قول السكران غير معتد به ، لأنه لا يعلم ما يقول. وثبت عن عثمان أنه كان لا يرى طلاق السكران. وذهب بعض أهل العلم أنه لا يخالف عثمان في ذلك احد من الصحابة.

وهو مذهب يحيى بن سعيد الانصاري، وحميد بن عبد الرحمن وربيعة، والليث بن سعد، وعبد الله بن الحسين، وإسحاق بن راهويه، وأبي ثور، والشافعي في أحد قوليه واختاره المزني من الشافعية وهو إحدى الروايات عن أحمد، وهي التي استقر عليها مذهبه، وهو مذهب أهل الظاهر كلهم، واختاره من الحنفية أبو جعفر الطحاوي وأبو الحسن الكرخي.
قال الشوكاني: إن السكران الذي لا يعقل لا حكم لطلاقه لعدم المناط الذي تدور عليه الاحكام، وقد عين الشارع عقوبته فليس لنا أن نجاوزها برأينا، ونقول يقع طلاقه عقوبة له، فيجمع له بين غرمين.

طلاق الغضبان:
والغضبان الذي لا يتصور ما يقول، ولا يدري ما يصدر عنه، لا يقع طلاقه لانه مسلوب الارادة. فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: «لا طلاق ولا عتاق في إغلاق ».رواه أحمد وأبو داود، وابن ماجه

وفسر الاغلاق بالغضب، وفسر بالإكراه ، وفسر بالجنون. وقال ابن تيمية كما في زاد المعاد: حقيقة الاغلاق أن يغلق على الرجل قلبه فلا يقصد الكلام أو لا يعلم به كأنه انغلق عليه قصده وإرادته، ويدخل في ذلك طلاق المكره، والمجنون، ومن زال عقله بسكر أو غضب، وكل ما لا قصد له، ولا معرفة له بما قال، والغضب على ثلاثة أقسام:

  1. ما يزيل العقل فلا يشعر صاحبه بما قال، وهذا لا يقع طلاقه بلا نزاع.
  2. ما يكون في مبادئه بحيث لا يمنع صاحبه من تصور ما يقول وقصده، فهذا يقع طلاقه.
  3. أن يستحكم ويشتد به فلا يزيل عقله بالكلية، ولكنه يحول بينه وبين نيته بحيث يندم على ما فرط منه إذا زاد، فهذا محل نظر.

طلاق الهازل والمخطئ:
يرى جمهور الفقهاء أن طلاق الهازل يقع، كما أن نكاحه يصح، فعن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة». رواه أحمد وأبو داوود وابن ماجة والترمذي

وهذا الحديث وإن كان في إسناده عبد الله بن حبيب، وهو مختلف فيه، فإنه قد تقوى بأحاديث أخرى.

وذهب بعض أهل العلم إلى عدم وقوع طلاق الهازل. منهم: الباقر، والصادق، والناصر.
وهو قول في مذهب أحمد ومالك، إذ أن هؤلاء يشترطون لوقوع الطلاق الرضا بالنطق اللساني، والعلم بمعناه، وإرادة مقتضاه، فإذا انتفت النية والقصد، اعتبر اليمين لغوا، لقول الله تعالى: ﴿وَإِن عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَميعٌ عَليمٌ﴾ [البقرة: ٢٢٧]

وإنما العزم ما عزم العازم على فعله، ويقتضي ذلك إرادة جازمة بفعل المعزوم عليه، أو تركه ويقول الرسول ﷺ : «إنما الاعمال بالنيات». والطلاق عمل مفتقر إلى النية، والهازل لا عزم له ولا نية.
وعن ابن عباس: «إنما الطلاق عن وطر »صحيح البخاري.

أما طلاق المخطئ، وهو من أراد التكلم بغير الطلاق فسبق لسانه إليه. فقد رأى فقهاء الأحناف: أنه يعامل به قضاء، وأما ديانة فيما بينه وبين ربه فلا يقع عليه طلاقه وزوجته حلال له.

طلاق الغافل والساهي:
ومثل المخطئ، والهازل، الغافل، والساهي، والفرق بين المخطئ والهازل، أن طلاق الهازل يقع قضاء وديانة، عند من يرى ذلك، وطلاق المخطئ يقع قضاء فقط، وذلك أن الطلاق ليس محلا للهزل ولا للعب.

طلاق المدهوش:
المدهوش الذي لا يدري ما يقول، بسبب صدمة أصابته فأذهبت عقله وأطاحت بنفكيره، لا يقع طلاقه، كما لا يقع طلاق المجنون، والمعتوه، والمغمى عليه، ومن اختل عقله لكبر أو مرض، أو مصيبة فاجأته.

من يقع عليها الطلاق

لا يقع الطلاق على المرأة إلا إذا كان محلا له، وإنما تكون محلا له في الصور الآتية:

  1. إذا كانت الزوجية قائمة بينها وبين زوجها حقيقة.

  2. إذا كانت معتدة من طلاق رجعي، أو معتدة من طلاق بائن بينونة صغرى، لان الزوجية فيها تين الحالتين تعتبر قائمة حكما حتى تنتهي العدة.

  3. إذا كانت المرأة في العدة الحاصلة بالفرقة التي تعتبر طلاقا. كأن تكون الفرقة بسبب إباء الزوج الاسلام إذا أسلمت زوجته. أو كانت بسبب الآيلاء فإن الفرقة في هاتين الصورتين تعتبر طلاقا عند الأحناف.

  4. إذا كانت المرأة معتدة من فرقة اعتبرت فسخا لم ينقض العقد من أساسه ولم يزل الحل. كالفرقة بردة الزوجة، لان الفسخ في هذه الحالة إنما لطارئ طرأ يمنع بقاء العقد بعد أن وقع صحيحا.

من لا يقع عليها الطلاق

إن الطلاق لا يقع على المرأة إلا إذا كانت محلا له. فإذا لم تكن محلا له فلا يقع عليها الطلاق.
فالمعتدة من فسخ الزواج بسبب عدم الكفاءة أو لنقص المهر عن مهر المثل، أو لخيار البلوغ، أو لظهور فساد العقد بسبب فقد شرط من شروط صحته، لا يقع عليها الطلاق، لان العقد في هذه الحالات قد نقض من أصله، فلم يبق له وجود في العدة.
فلو قال الرجل لامرأته: أنت طالق وهي في هذه الحالة فقوله لغو لا يترتب عليه أي أثر.

وكذلك لا يقع الطلاق على المطلقة قبل الدخول وقبل الخلوة بها خلوة صحيحة، لان العلاقة الزوجية بينهما قد انتهت، وأصبحت أجنبية بمجرد صدور الطلاق، فلا تكون محلا للطلاق بعد ذلك. لانها ليست زوجته ولا معتدته.

فلو قال لزوجته غير المدخول بها حقيقة أو حكما: أنت طالق..أنت طالق..أنت طالق، وقعت بالأولى فقط طلقة بائنة، لان الزوجية قائمة.
أما الثانية، والثالثة، فهما لغو لا يقع بهما شيء، لأنهما صادفتاها وهي ليست زوجته ولا معتدته، حيث لا عدة لغير المدخول بها .

وكذلك لا يقع الطلاق على أجنبية لم تربطها بالمطلق زوجية سابقة. فلو قال لامرأة لم يسبق له الزواج بها: أنت طالق يكون كلامه لغوا لا أثر له، وكذلك الحكم فيمن طلقت وانتهت عدتها، لأنها بانتهاء العدة تصبح أجنبية عنه.

ومثل ذلك المعتدة من طلاق ثلاث، لأنها بعد الطلاق الثلاث تكون قد بانت منه بينونة كبرى، فلا يكون للطلاق معنى وهذا مذهب أبي حنيفة، والشافعي: وقال مالك: إذا قال لغير المدخول بها: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، ثلاثا. فهي نسق." أي متابعة وراء بعضها " قال يكون ثلاثة تشبيها لتكرار اللفظ بالعد كأنه قال ... " أنت طالق ثلاثا " وقال في بداية المجتهد، فمن شبه تكرار اللفظ بلفظه بالعدد أعني بقوله " طلقتك ثلاثا " قال: " يقع الطلاق ثلاثا " ومن رأى أنه باللفظة الواحدة قد بانت منه. قال " لا يقع " وهذا بخلاف المدخول بها.

الطلاق قبل الزواج

لا يقع الطلاق إذا علقه على التزوج بأجنبية، كأن يقول: " إن تزوجت فلانة فهي طالق، فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله ﷺ : «لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا عتق له فيما لا يملك، ولا طلاق له فيما لا يملك». رواه الترمذي

قال الترمذي: حديث حسن، وهو أحسن شئ روي في هذا الباب، وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي ﷺ وغيرهم ، وروي ذلك عن علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، وابن عباس، وجابر بن يزيد، وغير واحد من فقهاء التابعين، وبه يقول الشافعي.
وقال أبو حنيفة، في الطلاق المعلق: إنه يقع إذا حصل الشرط، سواء عمم المطلق جميع النساء، أم خصص.

وقال مالك وأصحابه: إن عمم جميع النساء لم يلزمه، وإن خصص لزمه. ومثال التعميم أن يقول: إن تزوجت أي أمرأة فهي طالق. ومثال التخصيص: أن يقول: إن تزوجت فلانة – وذكر امرأة بعينها – فهي طالق.
ما يقع به الطلاق يقع الطلاق بكل ما يدل على إنهاء العلاقة الزوجية، سواء أكان ذلك باللفظ، أم بالكتابة إلى الزوجة، أم بالإشارة من الاخرس، أو بإرسال رسول.

الطلاق باللفظ

واللفظ قد يكون صريحا، وقد يكون كناية، فالصريح: هو الذي يفهم من معنى الكلام عند التلفظ به، مثل: أنت طالق ومطلقة، وكل ما اشتق من لفظ الطلاق.

وقال الشافعي رضي الله عنه: ألفاظ الطلاق الصريحة ثلاثة: الطلاق، والفراق، والسراح، وهي المذكورة في القرآن الكريم.

وقال بعض أهل الظاهر: لا يقع الطلاق إلا بهذه الثلاث، لان الشرع إنما ورد بهذه الالفاظ الثلاثة، وهي عبادة، ومن شروطها اللفظ فوجب الاقتصار على اللفظ الشرعي الوارد فيها .

والكناية:
ما يحتمل الطلاق وغيره، مثل: أنت بائن، فهو يحتمل البينونة عن الزواج، كما يحتمل البينونة عن الشر. ومثل: أمرك بيدك، فإنها تحتمل تمليكها عصمتها. كما تحتمل تمليكها حرية التصرف. ومثل: أنت علي حرام، فهي تحتمل حرمة المتعة بها، وتحتمل حرمة إيذائها.

والصريح: يقع به الطلاق من غير احتياج إلى نية تبين المراد منه، لظهور دلالته ووضوح معناه.
ويشترط في وقوع الطلاق الصريح: أن يكون لفظه مضافا إلى الزوجة، كأن يقول: زوجتي طالق، أو أنت طالق.

أما الكناية فلا يقع بها الطلاق إلا بالنية، فلو قال الناطق بلفظ الصريح: لم أرد الطلاق ولم أقصده، وإنما أردت معنى آخر، لا يصدق قضاء، ويقع طلاقه.
ولو قال الناطق بالكناية: لم أنو الطلاق، بل نويت معنى آخر، يصدق قضاء، ولا يقع طلاقه، لاحتمال اللفظ معنى الطلاق وغيره، والذي يعين المراد هو النية، والقصد، وهذا مذهب مالك، والشافعي، لحديث عائشة رضيا لله عنها، عند البخاري وغيره، أن ابنة الجون لما أدخلت على رسول الله ﷺ ، ودنا منها، قالت: أعوذ بالله منك، فقال لها: « عذت بعظيم، الحقي بأهلك ».

وفي الصحيحين وغيرهما في حديث تخلف كعب بن مالك لما قيل له: « رسول الله ﷺ ، يأمرك أن تعتزل امرأتك، فقال: أطلقها أم ماذا أفعل؟! قال: بل اعتزلها. فلا تقربنها، فقال لامرأته: الحقي بأهلك ».
فأفاد الحديثان، أن هذه اللفظة تكون طلاقا مع القصد، ولا تكون طلاقا مع عدمه.

أما مذهب الأحناف: فإنه يرى أن كنايات الطلاق يقع بها الطلاق بالنية، وأنه يقع بها أيضا الطلاق بدلالة الحال. ولم يأخذ القانون، بمذهب الأحناف في الاكتفاء بدلالة الحال، بل اشترط أن ينوي المطلق بالكناية الطلاق.

هل تحريم المرأة يقع طلاقا؟ إذا حرم الرجل امرأته، فإما أن يريد بالتحريم تحريم العين، أو يريد الطلاق بلفظ التحريم غير قاصد لمعنى اللفظ، بل قصد التسريح: ففي الحالة الاولى، لا يقع الطلاق، فعن عائشة، رضي الله عنها، قالت: « آلى رسول الله ﷺ من نسائه، فجعل الحرام حلالا* وجعل في اليمين كفارة». أخرجه الترمذي

*جعل الشئ الذي حرمه حلالا بعد تحريمه.

وعن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: «إذا حرم الرجل امرأته، فهي يمين يكفرها». صحيح مسلم

ثم قال: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة».
وأخرج النسائي عنه: « أنه أتاه رجل فقال: إني جعلت امرأتي علي حراما» فقال: كذبت، ليست عليك حرام، ثم تلا هذه الآية: « يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك. تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم. قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ». عليك أغلظ الكفارة: «عتق رقبة ».

وفي الحالة الثانية: يقع الطلاق، لان لفظ التحريم كناية كسائر الكنايات.

الحلف بأيمان المسلمين
من حلف بأيمان المسلمين ثم حنث، فإنه يلزمه كفارة يمين عند الشافعية، ولا يلزمه طلاق ولا غيره.
ولم يرد عن مالك فيه شيء وإنما الخلاف فيه للمتأخرين من المالكية فقيل: يلزمه الاستغفار فقط، والمشهور المفتي به عندهم: أنه يلزمه كل ما اعتيد الحلف به من المسلمين.

وقد جرى العرف في مصر أن يكون الحلف المعتاد بالله وبالطلاق، وعليه فيلزم من حلف بأيمان المسلمين ثم حنث كفارة يمين وبت من يملك عصمتها ولا يلزمه مشي إلى مكة ولا صيام، كما كان في العصور الاولى، لعدم من يحلف بذلك الآن، وقال الابهري: يلزمه الاستغفار فقط، وقيل: يلزمه كفارة يمين كما يرى الشافعية.

وهذا الخلاف عند المالكية إذا لم ينو طلاقا، فإن نوى طلاقا وحنث لزمه اليمين عندهم.
ونحن نرى ترجيح رأي الابهري وأن من حلف بذلك لا يلزمه إلا أن يستغفر الله.

الطلاق بالكتابة

والكتابة يقع بها الطلاق، ولو كان الكاتب قادرا على النطق، فكما أن للزوج أن يطلق زوجته باللفظ، فله أن يكتب إليها الطلاق.

واشترط الفقهاء: أن تكون الكتابة مستبينة مرسومة.
ومعنى كونها مستبينة: أي بينة واضحة بحيث تقرأ في صحيفة ونحوها.

ومعنى كونها مرسومة: أي مكتوبة بعنوان الزوجة بأن يكتب إليها: يا فلانة، أنت طالق، فإذا لم يوجه الكتابة إليها بأن كتب على ورقة: أنت طالق، أو زوجتي طالق، فلا يقع الطلاق إلا بالنية، لاحتمال أنه كتب هذه العبارة من غير أن يقصد إلى الطلاق. وإنما كتبها لتحسين خطه مثلا.

إشارة الاخرس

الاشارة بالنسبة للأخرس أداة تفهيم، ولذا تقوم مقام اللفظ في إيقاع الطلاق إذا أشار إشارة تدل على قصده في إنهاء العلاقة الزوجية.

واشترط بعض الفقهاء ألا يكون عارفا الكتابة ولا قادرا عليها. فإذا كان عارفا بالكتابة وقادرا عليها، فلا تكفي الاشارة، لان الكتابة أدل على المقصود، فلا يعدل عنها إلى الاشارة إلا لضرورة العجز عنها.

ارسال رسول

ويصح الطلاق بإرسال رسول ليبلغ الزوجة الغائبة بأنها مطلقة، والرسول يقوم في هذه الحالة مقام المطلق ويمضي طلاقه.

الإشهاد على الطلاق

ذهب جمهور الفقهاء من السلف والخلف إلى أن الطلاق يقع بدون إشهاد، لان الطلاق من حقوق الرجل ، ولا يحتاج إلى بينة كي يباشر، حقه، ولم يرد عن النبي ﷺ ، ولاعن الصحابة، ما يدل على مشروعية الاشهاد.

قال ابن القيم: فجعل الطلاق لمن نكح لان له الامساك وهو الرجعة.
وعن ابن عباس قال: أتى النبي ﷺ رجل فقال يا رسول الله: سيدي زوجني أمته، وهو يريد أن يفرق بيني وبينها، قال: فصعد رسول الله ﷺ المنبر فقال: « يا أيها الناس: ما بال أحدكم يزوج عبده أمته ثم يريد أن يفرق بينهما: إنما الطلاق لمن أخذ بالساق ». رواه ابن ماجه. وقد تقدمت حكمة ذلك.

الطلاق السني والطلاق البدعي

ينقسم الطلاق إلى طلاق سني، وطلاق بدعي.

طلاق السنة:
فطلاق السنة هو الواقع على الوجه الذي ندب إليه الشرع، وهو أن يطلق الزوج المدخول بها طلقة واحدة، في طهر لم يمسسها فيه، لقول الله تعالى: " الطلاق مرتان، فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " أي أن الطلاق المشروع يكون مرة يعقبها رجعة، ثم مرة ثانية يعقبها رجعة كذلك، ثم إن المطلق بعد ذلك له الخيار، بين أن يمسكها بمعروف، أو يفارقها بإحسان.
ويقول الله تعالى: " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ".
أي إذا أردتم تطليق النساء، فطلقوهن مستقبلات العدة، وإنما تستقبل المطلقة العدة إذا طلقها بعد أن تطهر من حيض، أو نفاس، وقبل أن يمسها.

وحكمة ذلك أن المرأة إذا طلقت وهي حائض لم تكن في هذا الوقت مستقبلة العدة، فتطول عليها العدة. لان بقية الحيض لا يحسب منها وفيه إضرار بها.
وإن طلقت في طهر مسها فيه، فإنها لا تعرف هل حملت أو لم تحمل، فلا تدري بم تعتد، أتعتد بالإقراء أم بوضع الحمل؟ وعن نافع بن عبد الله بن عمر رضي الله عنه: " أنه طلق امرأته وهي حائض، على عهد رسول الله ﷺ، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله ﷺ عن ذلك فقال رسول الله ﷺ : « مُره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد ذلك، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله سبحانه أن تطلق لها النساء ».
وفي رواية: أن ابن عمر رضي الله عنه، طلق امرأة له، وهي حائض، تطليقة، فذكر ذلك عمر للنبي ﷺ فقال: « مره فليراجعها، ثم ليطلقها إذا طهرت، أو وهي حامل». أخرجه النسائي ومسلم وابن ماجه وأبو داود.

وظاهر هذه الرواية أن الطلاق في الطهر الذي يعقب الحيضة التي وقع فيها الطلاق يكون طلاق سنة، لا بدعة. وهذا مذهب أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد، وأحد الوجهين عن الشافعي، واستدلوا بظاهر الحديث وبأن المنع إنما كان لأجل الحيض، فإذا طهرت زال موجب التحريم. فجاز الطلاق في ذلك الطهر كما يجوز في غيره من الاطهار.

ولكن الرواية الاولى التي فيها " ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر " متضمنة لزيادة يجب العمل بها قال صاحب الروضة الندية: " وهي أيضا في الصحيحين ". فكانت أرجح من وجهين . وهذا مذهب أحمد في إحدى الروايتين عنه.والشافعي في الوجه الاخر، وأبي يوسف ومحمد.

الطلاق البدعي:
أما الطلاق البدعي، فهو الطلاق المخالف للمشروع: كأن يطلقها ثلاثا بكلمة واحدة، أو يطلقها ثلاثا متفرقات في مجلس واحد، كأن يقول: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق. أو يطلقها في حيض أو نفاس، أو في طهر جامعها فيه. وأجمع العلماء على أن الطلاق البدعي حرام، وأن فاعله آثم.
وذهب جمهور العلماء إلى أنه يقع، واستدلوا بالأدلة الاتية:

  • أن الطلاق البدعي، مندرج تحت الايات العامة.

  • تصريح ابن عمر رضي الله عنه، لما طلق امرأته وهي حائض، وأمر الرسول الله ﷺ بمراجعتها، بأنها حسبت تلك الطلقة.

وذهب بعض العلماء إلى أن الطلق البدعي لا يقع .
ومنعوا ادراجه تحت العمومات، لأنه ليس من الطلاق الذي أذن الله به، بل هو من الطلاق الذي أمر الله بخلافه. فقال: " فطلقوهن لعدتهن ". وقال ﷺ لابن عمر رضي الله عنه: " مره فليراجعها " وصح أنه غضب عندما بلغه ذلك، وهو لا يغضب مما أحله الله.
وأما قول ابن عمر: إنها حسبت، فلم يبين من الحاسب لها، بل أخرج عند أحمد وأبو داود والنسائي: " أنه طلق امرأته وهي حائض.
فردها رسول الله ﷺ، ولم يرها شيئا.
وإسناد هذه الرواية صحيح، ولم يأت من تكلم عليها بطائل. وهي مصرحة بأن الذي لم يرها شيئا هو رسول الله ﷺ.فلا يعارضها قول ابن عمر رضي الله عنه. لأن الحجة في روايته لا في رأيه.

وأما الرواية بلفظ " مره فليراجعها " ويعتد بتطليقة.
فهذه لو صحت لكانت حجة ظاهرة ولكنها لم تصح كما جزم به ابن القيم في الهدي.

وقد روى في ذلك روايات في أسانيدها مجاهيل وكذابون، لا تثبت الحجة بشيء منها.
والحاصل: ان الاتفاق كائن على أن الطلاق المخالف لطلاق السنة يقال له: طلاق بدعة. وقد ثبت عنه ﷺ: « أن كل بدعة ضلالة ».

ولا خلاف أيضا، أن هذا الطلاق مخالف لما شرعه الله في كتابه، وبينه رسول الله ﷺ في حديث ابن عمر – وما خالف ما شرعه الله ورسوله، فهو رد، لحديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي ﷺ قال: « كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد ». هو حديث متفق عليه.

فمن زعم أن هذه البدعة، يلزم حكمها، وأن هذا الامر الذي ليس من أمره ﷺ، يقع من فاعله ومقيد به، لا يقبل منه ذلك إلا بدليل.

من ذهب إلى أن طلاق البدعة لا يقع: وذهب إلى هذا:

  1. عبد الله بن معمر.
  2. سعيد بن المسيب.
  3. طاووس: من أصحاب ابن عباس.

وبه قال خلاس بن عمرو، وأبو قلابة من التابعين.
وهو اختيار الامام ابن عقيل من أئمة الحنابلة وأئمة آل البيت.
والظاهرية وأحد الوجهين في مذهب الامام أحمد، واختاره ابن تيمية.

طلاق الحامل

يجوز طلاق الحامل في أي وقت شاء. لما أخرجه مسلم، والنسائي، وأبو داود، وابن ماجه: أن ابن عمر طلق امرأة له وهي حائض تطليقة، فذكر ذلك عمر للنبي، صلى الله عليه وسلم: فقال: « مره فليراجعها، ثم ليطلقها إذا طهرت، أو وهي حامل».
وإلى هذا ذهب العلماء.

إلا أن الاحناف اختلفوا فيها: فقال أبو حنيفة وأبو يوسف: يجعل بين وقوع التطليقتين شهرا حتى يستوفي الطلقات الثلاث.

وقال محمد وزفر: لا يوقع عليها وهي حامل أكثر من تطليقة واحدة ويتركها حتى تضع حملها: ثم يوقع سائر التطليقات (ص 94 مختصر السنن الجزء الثالث)

طلاق الآيسة والصغيرة

طلاق هؤلاء إنما يكون للسنة إذا كان طلاق واحدا، ولا يشترط له شرط آخر، غير ذلك.

عدد الطلقات

وإذا دخل الزوج بزوجته ملك عليها ثلاث طلقات.
واتفق العلماء على انه على الزوج أن يطلقها ثلاثا بلفظ واحد. أو بألفاظ متتابعة في طهر واحد.
وعللوا ذلك بأنه إذا أوقع الطلقات الثلاث، فقد سد باب التلافي والتدارك عند الندم، وعارض الشارع، لأنه جعل الطلاق متعددا لمعنى التدارك عند الندم، وفلا عن ذلك، فإن المطلق ثلاثا قد أضر بالمرأة من حيث أبطل محليتها بطلاقه هذا.

وقد روى النسائي من حديث محمود بن لبيد قال: " أخبرنا رسول الله ﷺ عن رجل طلق امرأته بثلاث تطليقات جميعا، فقام غضبان. فقال: أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم، حتى قام رجل فقال: «يا رسول الله: أفلا أقتله».

قال ابن القيم في إغاثة اللهفان: (فجعله لاعبا بكتاب الله) لكونه خالف وجه الطلاق وأراد به غير ما أراد الله به، فإنه تعالى أراد أن يطلق طلاقا يملك فيه رد المرأة إذا شاء، فطلق طلاقا يريد به ألا يملك فيه ردها. وأيضا فإن إيقاع الثلاث دفعة مخالف لقول الله تعالى: (الطلاق مرتان) .

والمرتان والمرات في لغة القرآن والسنة، بل ولغة العرب، بل ولغة سائر الامم، لما كان مرة بعد مرة. فإذا جمع المرتين والمرات في مرة واحدة فقد تعدى حدود الله تعالى، وما دل عليه كتابه. فكيف إذا أراد باللفظ الذي رتب عليه الشارع حكما ضد ما قصده الشارع؟ وإذا كانوا قد اتفقوا على الحرمة، فإنهم اختلفوا فيما إذا طلقها ثلاثا بلفظ واحد. هل يقع أم لا؟ وإذا كان يقع فهل يقع واحدة أم ثلاثا؟.

فذهب جمهور العلماء إلى أنه يقع .ويرى بعضهم عدم وقوعه، والذين رأوا وقوعه، اختلفوا: فقال بعضهم: إنه يقع ثلاثا.

وقال بعضهم: يقع واحدة فقط.
وفرق بعضهم فقال: إن كانت المطلقة مدخولا بها وقع الثلاث، وإن لم تكن مدخولا بها فواحدة.
استدل القائلون بأنه يقع ثلاثا بالأدلة الاتية:

  1. قول الله تعالى: " فإن طلقها، فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ".

  2. قول الله تعالى: " وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة.

  3. وقول الله تعالى: " لا جناح عليكم إن طلقتم النساء.
    " فظواهر هذه الآيات تبين صحة إيقاع الواحدة والثنتين والثلاث. لأنها لم تفرق بين إيقاعه واحدة أو ثنتين، أو ثلاثا.

  4. وقول الله تعالى: " الطلاق مرتان، فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ".
    فظاهر هذه الاية جواز إطلاق الثلاث، أو الثنتين دفعة أن مفرقة، ووقوعه.

  5. حديث سهل بن سعد، قال: «لما لا عن أخو بني عجلان امرأته، قال: يا رسول الله ظلمتها إلى أمسكتها: هي الطلاق، هي الطلاق، هي الطلاق» . رواه أحمد.

  6. وعن الحسن قال: حدثنا عبد الله بن عمر، أنه طلق امرأته تطليقة، وهي حائض، ثم أراد أن يتبعها بتطليقتين أخريين عند القرأين فبلغ ذلك رسول الله ﷺ، فقال يا ابن عمر: « ما هكذا أمرك الله تعالى!.إنك قد أخطأت السنة. والسنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل قرء». وقال: فأمرني رسول الله ﷺ، فراجعتها. ثم قال: «إذا هي طهرت فطلق عند ذلك أو أمسك». فقلت يا رسول الله: «أرأيت لو طلقتها ثلاثا، أكان يحل لي أن أراجعها؟ قال: لا. كانت تبين منك (وتكون مقصية) . رواه الدارقطني.

  7. وأخرج عبد الرزاق في مصنفه عن عبادة بن الصامت، قال: طلق جدي امرأة له ألف تطليقة، فانطلق إلى رسول الله ﷺ فذكر له ذلك، فقال له النبي: « ما اتقى الله جدك، أما ثلاث فله. وأما تسعمائة وسبع وتسعون فعدوان وظلم. إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له» وفي رواية: « إن أباك لم يتق الله فيجعل له مخرجا. بانت منه بثلاث على غير السنة، وتسعمائة وسبع وتسعون، إثم في عنقه».

  8. وفي حديث ركانة : أن النبي ﷺ استحلفه أنه ما أراد إلا واحدة: وذلك يدل على أنه لو أراد الثلاث لوقع. وهذا مذهب جمهور التابعين وكثير من الصحابة، وأئمة المذاهب الاربعة.

أما الذين قالوا بأنه يقع واحدة: فقد استدلوا بالأدلة الاتية:

• ما رواه مسلم: أن أبا الصهباء قال لان عباس: «ألم تعلم أن الثلاث كانت تجعل واحدة على عهد رسول الله ﷺ، وأبي بكر، وصدرا من خلافة عمر؟ قال: نعم».

وروي عنه أيضا قال: كان الطلاق على عهد رسول الله ﷺ، وأبي بكر، وسنتين من خلافة عمر، طلاق الثلاث واحدة. فقال عمر بن الخطاب: «إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة . فلو أمضيناه عليهم؟ فأمضاه عليهم».
أي أنهم كانوا يوقعون طلقة بدل إيقاع الناس الآن ثلاث تطليقات.

• عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:طلق ركانة امرأته ثلاثا في مجلس واحد. فحزن عليها حزنا شديدا. فسأله رسول الله ﷺ، كيف طلقتها؟ قال: ثلاثا. فقال: في مجلس واحد؟ قال: نعم. قال: فإنما تلك واحدة. فأرجعها إن شئت. فراجعها» رواه أحمد وأبو داود.

وقال ابن تيمية ج 3 ص 22 فتاوى: وليس في الادلة الشرعية " الكتاب، والسنة، والاجماع، والقياس " ما يوجب لزوم الثلاثة له، ونكاحه ثابت بيقين، وامرأته محرمة على الغير بيقين، وفي إلزامه بالثلاث إباحتها للغير مع تحريمها عليه، وذريعة إلى نكاح التحليل الذي حرمه الله ورسوله، ونكاح التحليل لم يكن ظاهرا على عهد النبي ﷺ، وخلفائه، ولم ينقل قط أن امرأة أعيدت بعد الطلقة الثالثة على عهدهم إلى زوجها بنكاح تحليل. بل لعن النبي ﷺ المحلل والمحلل له.
إلى أن قال: وبالجملة فما شرعة النبي ﷺ لامته شرعا لازم، لا يمكن تغييره، فإنه لا يمكن نسخ بعد رسول الله.

وقال تلميذه ابن القيم: قد صح عنه ﷺ أن الثلاث كانت واحدة في عهده، وعهد أبي بكر رضي الله عنه، وصدرا من خلافة عمر رضي الله عنه، وغاية ما يقدر مع بعده أن الصحابة كانوا على ذلك، ولم يبلغه، وهذا وإن كان كالمستحيل، فإنه يدل على أنهم كانوا يفتون في حياته وحياة الصديق بذلك، وقد أفتى ﷺ.
فهذه فتواه وعمل أصحابه كأنه أخذ باليد، ولا معارض لذلك.

ورأى عمر رضي الله تعالى عنه، أن يحمل الناس على إنفاذ الثلاث عقوبة وزجرا لهم – لئلا يرسلوها جملة – وهذا اجتهاد منه رضي الله عنه. غايته أن يكون سائغا لمصلحة رآها. ولا يجوز ترك ما أفتى به رسول الله ﷺ، وكان عليه أصحابه في عهده وعهد خليفته. فإذا ظهرت الحقائق. فليقل أمرؤ ما شاء. وبالله التوفيق.

وقال الشوكاني: وقد حكى ذلك صاحب البحر عن أبي موسى، ورواية عن علي عليه السلام، وابن عباس، وطاووس، وعطاء، وجابر، وابن زيد، والهادي، والقاسم، والباقر، وأحمد بن عيسى، وعبد الله بن موسى بن عبد الله، ورواية عن زيد بن علي. وإليه ذهب جماعة من المتأخرين. منهم: ابن تيمية، وابن القيم، وجماعة من المحققين، وقد نقله ابن مغيث في كتاب الوثائق عن محمد بن وضاح، ونقل الفتوى بذلك عن جماعة من مشايخ قرطبة كمحمد بن بقي ومحمد بن عبد السلام وغيرهما. ونقله ابن المنذر عن أصحاب ابن عيسى. كعطاء، وطاووس، وعمر، وابن دينار، وحكاه ابن مغيث أيضا في ذلك الكتاب عن علي رضي الله عنه، وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف والزبير. وهذا هو المذهب الذي جرى عليه العمل أخيرا في المحاكم.

أما حجة القائلين بعدم وقوع الطلاق مطلقا: أنه طلاق بدعي، والطلاق البدعي لا يقع عند هؤلاء، ويعتبر لغوا. وهذا المذهب يحكى عن بعض التابعين.وهو مروي عن ابن علية، وهشام ابن الحكم، وبه قال أبو عبيدة، وبعض أهل الظاهر، وهو مذهب الباقر، والصادق، والناصر، وسائر من يقول بأن الطلاق البدعي لا يقع ، لأن الثلاث بلفظ واحد أو ألفاظ متتابعة من جملته.

وأما الذين فرقوا بين المطلقة المدخول بها وغير المدخول بها فهم جماعة من أصحاب ابن عباس وإسحاق بن راهويه.

طلاق البتة

قال الترمذي: وقد اختلف أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم في طلاق البتة، فروي عن عمر بن الخطاب: أنه جعل البتة واحدة.
وروي عن علي: أنه جعلها ثلاثا، وقال بعض أهل العلم: فيه نية الرجل.

إن نوى واحدة فواحدة، وإن نوى ثلاثا فثلاث.
وإن نوى ثنتين لم تكن إلا واحدة.
وهو قول الثوري وأهل الكوفة.
وقال مالك بن أنس: في البتة إن كان قد دخل بها فهي ثلاث تطليقات.
وقال الشافعي: إن نوى واحدة فواحدة يملك الرجعة.
وإن نوى ثنتين فثنتان.
وإن نوى ثلاثا فثلاث.
وجاء في المذكرة التفسيرية للمشروع: أن الداعي لاختيار القول بالوقوع واحدة الحرص على سعادة الاسرة، والاخذ بالناس عن مسألة المحلل التي صارت وصمة في جبين الشريعة المطهرة مع أن الدين براء منها.

فقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له، وكذلك الاخذ بهم من طرق الحيل التي يتلمسونها للتخلص من الطلاق الثلاث وما هي بمنطبقة على أصول الدين.

الطلاق الرجعي والبائن

الطلاق إما رجعي وإما بائن، والبائن إما أن يكون بائنا بينونة صغرى، أو بينونة كبرى.

ولكل أحكام تخصه نذكرها فيما يلي:

الطلاق الرجعي: هو الطلاق الذي يوقعه الزوج على زوجته التي دخل بها حقيقة، إيقاعا مجردا عن أن يكون في مقابلة مال، ولم يكن مسبوقا بطلة أصلا، أو كان مسبوقا بطلقة واحدة. ولا فرق في ذلك بين أن يكون الطلاق صريحا أو كناية. فإذا لم يكن الزوج دخل بزوجته دخولا حقيقيا، أو طلقها على مال، أو كان الطلاق مكملا للثلاث، كان الطلاق بائنا.
والطلاق الذي نص على أن يكون بائنا هو ما كان بسبب العيب في الزوج، أو لغيبته، أو حبسه أو للضرر.

والاصل في ذلك قول الله سبحانه: " الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان "
أي أن الطلاق الذي شرعه الله يكون مرة بعد مرة.
وأنه يجوز للزوج أن يمسك زوجته بعد الطلقة الاولى بالمعروف، كما يجوز له ذلك بعد الطلقة الثانية، والامساك بالمعروف معناه مراجعتها، وردها إلى النكاح ومعاشرتها بالحسنى ولا يكون له هذا الحق إلا إذا كان الطلاق رجعيا.

ويقول الله سبحانه: " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الاخر، وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ".
وفي الحديث أن الرسول ﷺ قال لعمر: مره فليراجعها ... متفق عليه.

أما استثناء الحالات الثلاث من الطلاق الرجعي فثابت بالقرآن الكريم كما هو مبين فيما يلي: فالطلاق المكمل للثلاث يبين المرأة ويحرمها على الزوج، ولا يحل له مراجعتها حتى تنكح زوجا آخر، نكاحا لا يقصد به التحليل .

قال الله تعالى: " فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ". أي فإن طلقها الطلقة الثالثة بعد طلقتين فلا تحل له من بعد الطلاق المكمل للثلاث حتى تتزوج غيره زواجا صحيحا.
والطلاق قبل الدخول يبينها كذلك. لان المطلقة في هذه الحالات لا عدة عليها. والمراجعة إنما تكون في العدة. وحيث انتفت العدة انتفت المراجعة.

قال الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها. فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا "

والمطلقة قبل الدخول، وبعد الخلوة، بائنة. ووجوب العدة عليها نوع من الاحتياط لا لأجل المراجعة.
والطلاق على مال من أجل أن تفتدي المرأة نفسها وتخلص من الزوج بائن، لأنها أعطت المال نظير عوض، وهو خلاص عصمتها، ولا يكون الخلاص إلا إذا كان الطلاق بائنا، قال الله تعالى: " فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ."

حكم الطلاق الرجعي:
الطلاق الرجعي لا يمنع الاستمتاع بالزوجة لأنه لا يرفع عقد الزواج، ولا يزيل الملك، ولا يؤثر في الحل، فهو وإن انعقد سببا للفرقة، إلا أنه لا يترتب عليه أثره ما دامت المطلقة في العدة. وإنما يظهر أثره بعد انقضاء العدة دون مراجعة.

فإذا انقضت العدة ولم يراجعها، بانت منه، وإذا كان ذلك كذلك، فإن الطلاق الرجعي لا يمنع من الاستمتاع بالزوجة، وإذا مات أحدهما ورثه الآخر ما دامت العدة لم تنقض وانفقتها واجبة عليه، ويلحقها طلاقه وظهاره وإيلاؤه.

ولا يحل بالطلاق الرجعي المؤجل من المهر لاحد الاجلين: الموت أو الطلاق.
وإنما يحل مؤخر الصداق بانقضاء العدة. والرجعة حق للزوج مدة العدة ، وهو حق أثبته الشارع له، ولهذا لا يملك إسقاطه.
فلو قال: لا رجعة لي كان له حق الرجوع عنه، وحق مراجعتها، يقول الله تعالى: " وبعولتهن أحق بردهن في ذلك " .

وإذا كانت الرجعة حقا له فلا يشترط رضا الزوجة ولا علمها، ولا تحتاج إلى ولي، فجعل الحق للأزواج لقول الله: " وبعولتهن أحق بردهن " كما لا يشترط الاشهاد عليها. وإن كان ذلك مستحبا، خشية إنكار الزوجة فيما بعد، أنه راجعها، لقوله تعالى: " وأشهدوا ذوي عدل منكم ". وتصح المراجعة بالقول ، مثل أن يقول: راجعتك، وبالفعل، مثل الجماع، ودواعيه، مثل القبلة، والمباشرة بشهوة.

يرى الشافعي أن المراجعة لا تكون إلا بالقول الصريح للقادر عليه، ولا تصح بالوطء ودواعيه من القبلة والمباشرة بشهوة. وحجة الشافعي، أن الطلاق يزيل النكاح.

وقال ابن حزم رضي الله عنه: فإن وطتها لم يكن بذلك مراجعا لها حتى يلفظ بالرجعة ويشهد، ويعلمها بذلك، قبل تمام عدتها ، فإن راجع ولم يشهد ، فليس مراجعا لقول الله تعالى: " فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف، وأشهدوا ذوي عدل منكم ".

فرق عز وجل بين المراجعة والطلاق، والاشهاد.فلا يجوز إفراد بعض ذلك عن بعض.وكأن من طلق ولم يشهد بذوي عدل ، أو راجع ولم يشهد بذوي عدل متعديا لحدود الله تعالى ، وقال رسول الله ﷺ: « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهورد » انتهى.

وأخرج أبو داود وابن ماجه والبيهقي، والطبراني عن عمران بن حصين: «أنه سئل عن الرجل يطلق امرأته ثم يقع بها، ولم يشهد على طلاقها، ولا على رجعتها فقال: طلقت لغير سنة. وراجعت لغير سنة، أشهد على طلاقها. وعلى رجعتها. ولا تعد».

حجة الشافعي أن الطلاق يزيل النكاح: قال الشوكاني: والظاهر ما ذهب إليه الاولون، لان العدة مدة خيار، والاختيار يصح بالقول وبالفعل، وأيضا ظاهر قوله تعالى: " أحق بردهن".

وقوله ﷺ :« مره فليراجعها » أنها تجوز المراجعة بالفعل لأنه لم يخص قولا من فعل، ومن ادعى الاختصاص فعليه الدليل .

ما يجوز للزوج أن يطلع عليه من المطلقة الرجعية:
قال أبو حنيفة: لا بأس أن تتزين المطلقة الرجعية لزوجها وتتطيب له وتتشوف وتلبس الحلي وتبدي البنان والكحل ولا يدخل عليها إلا أن تعلم بدخوله بقول أو حركة من تنحنح أو خفق نعل.
وقال الشافعي: هي محرمة على مطلقها تحريما مبتوتا.

وقال مالك: لا يخلو معها ولا يدخل عليها إلا بإذنها، ولا ينظر إلى شعرها، ولا بأس أن يأكل معها إذا كان معها غيرها.

وحكى ابن القاسم أنه رجع عن إباحة الاكل معها.
الطلاق الرجعي ينقص عدد الطلقات:
والطلاق الرجعي ينقص عدد الطلقات التي يملكها الرجل على زوجته.

فإن كانت الطلقة الاولى احتسبت وبقيت له طلقتان.
وإن كانت الثانية احتسبت وبقيت له طلقة واحدة، ومراجعتها لا تمحو هذا الاثر، بل لو تركت حتى انقضت عدتها من غير مراجعة، وتزوجت زوجا آخر ثم عادت إلى زوجها الاول عادت إليه بما بقي من عدد الطلقات، ولا يهدم الزوج الثاني ما وقع من الطلاق ، لما روي أن عمر رضي الله عنه سئل عمن طلق امرأته طلقتين وانقضت عدتها فتزوجت غيره وفارقها ثم تزوجها الاول. فقال: «هي عنده بما بقي من الطلاق»، وهذا مروي عن علي وزيد ومعاذ، وعبد الله بن عمرو، وسعيد بن المسيب، والحسن البصري رضي الله عنهم.

الطلاق البائن:
تقدم القول بأن الطلاق البائن هو الطلاق المكمل للثلاث والطلاق قبل الدخول، والطلاق على مال.
قال ابن رشد في بداية المجتهد: وأما الطلاق البائن فإنهم اتفقوا على أن البينونة إنما توجد للطلاق من قبل عدم الدخول – ومن قبل عدد التطليقات – ومن قبل العوض في الخلع، على اختلاف فيما بينهم في الخلع، أهو طلاق أم فسخ، واتفقوا على أن العدد الذي يوجب البينونة في طلاق الحر ثلاث تطليقات.
إذا وقعن مفترقات لقوله تعالى: (الطلاق مرتان: الآية) .

واختلفوا إذا وقعت الثلاث في اللفظ دون الفعل بكلمة واحدة .
ويرى ابن حزم: أن الطلاق البائن: هو الطلاق المكمل للثلاث، أو الطلاق قبل الدخول لا غير، قال: وما وجدنا، قط، في دين الاسلام عن الله تعالى ولاعن رسوله ﷺ طلاقا بائنا لا رجعة فيه إلا الثلاث مجموعة، أو مفرقة، أو التي لم يطأها، ولا مزيد، وأما ما عدا ذلك فآراء لا حجة فيها. ( المحلى ج ١٠ ) وأضافت قوانين الاحوال الشخصية، أن مما يلحق الطلاق البائن: الطلاق بسبب عيب الزوج، أو بسبب غيبته، أو حبسه أو للضرر.

أقسامه:
وهو ينقسم إلى بائن بينونة صغرى: وهو ما كان بما دون الثلاث، وبائن بينونة كبرى: وهو المكمل للثلاث.

حكم البائن بينونة صغرى: الطلاق البائن بينونة صغرى يزيل قيد الزوجية بمجرد صدوره، وإذا كان مزيلا للرابطة الزوجية فإن المطلقة تصير أجنبية عن زوجها.

فلا يحل له الاستمتاع بها، ولا يرث أحدهما الآخر إذا مات قبل انتهاء العدة أو بعدها، ويحل بالطلاق البائن موعد مؤخر الصداق المؤجل إلى أبعد الاجلين الموت أو الطلاق.

وللزوج أن يعيد المطلقة طلاقا بائنا بينونة صغرى إلى عصمته بعقد ومهر جديدين، دون أن تتزوج زوجا آخر، وإذا أعادها عادت إليه بما بقي له من الطلقات، فإذا كان طلقها واحدة من قبل فإنه يملك عليها طلقتين بعد العودة إلى عصمته، وإذا كان طلقتها طلقتين لا يملك عليها إلا طلقة واحدة.

حكم الطلاق البائن بينونة كبرى:
الطلاق البائن بينونة كبرى يزيل قيد الزوجية مثل البائن بينونة صغرى، ويأخذ جميع أحكامه، إلا أنه لا يحل للرجل أن يعيد من أبانها بينونة كبرى إلى عصمته إلا بعد أن تنكح زوجا آخر نكاحا صحيحا.
ويدخل بها دون إرادة التحليل.

يقول الله تعالى: " فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ". أي فإن طلقها الطلقة الثالثة، فلا تحل لزوجها الاول إلا بعد أن تتزوج آخر.
لقول رسول الله ﷺ لامرأة رفاعة: « لا ، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك » رواه البخاري ومسلم

مسألة الهدم:
من المتفق عليه أن المبانة بينونة كبرى إذا تزوجت، ثم طلقت وعادت إلى زوجها الاول بعد انقضاء عدتها تعود إليه بحل جديد، ويملك عليها ثلاث طلقات، لان الزوج الثاني أنهى الحل الاول.

فإذا عادت بعقد جديد أنشأ هذا العقد حلا جديدا.
أما المبانة بينونة صغرى إذا تزوجت بآخر بعد انقضاء عدتها ثم طلقت منه، ورجعت إلى زوجها الاول، تكون مثل المبانة بينونة كبرى فتعود إليه بحل جديد ويملك عليها ثلاث طلقات.
عند أبي حنيفة، وأبو يوسف.

وقال محمد (ورأيه مرجوح في المذهب) تعود إليه بما بقي من عدد الطلقات، فتكون مثل ما إذا طلقها طلاقا رجعيا أو عقد عليها عقدا جديدا بعد أن بانت منه بينونة صغرى. وسميت هذه المسألة بمسألة الهدم: أي هل الزوج الثاني يهدم ما دون الثلاث من الطلقات. كما يهدم الثلاث أو لا يهدم؟!

طلاق المريض

مرض الموت لم يثبت في الكتاب ولا في السنة الصريحة حكم الطلاق المريض مرض الموت. إلا أنه قد ثبت عن الصحابة أن سيدنا عبد الرحمن بن عوف طلق امرأته " تماضر " طلاقا مكملا للثلاث في مرضه الذي مات فيه، فحكم لها سيدنا عثمان بميراثها منه، وقال: « ما اتهمته – أي بأنه لم يتهمه بالفرار من حقها في الميراث – ولكن أردت السنة ».

ولهذا ورد أن ابن عوف نفسه قال: « ما طلقتها ضرارا ولا فرارا ».يعني أنه لا ينكر ميراثها منه.
وكذلك حدث أن سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه طلق امرأته " أم البنين " بنت عينة بن حصن الفزاري وهو محاصر في داره، فلما قتل جاءت إلى سيدنا علي وأخبرته بذلك. فقضى لها بميراثها منه.
قال: «تركها حتى إذا أشرف على الموت فارقها!».
وعلى ذلك اختلف الفقهاء في طلاق المريض مرض الموت.

فقالت الأحناف: إذا طلق المريض امرأته طلاقا بائنا فمات من هذا المرض ورثته، وإن مات بعد انقضاء العدة فلا ميراث لها.

وكذلك الحكم فيما إذا بارز رجلا أو قدم ليقتل في قصاص أو رجم، إن مات في ذلك الوجه أو قتل.
وإن طلقها ثلاثا بأمرها أو قال لها: اختاري، فاختارت نفسها، أو اختلعت منه ثم مات وهي في العدة لم ترثه.

والفرق بين الصورتين: أن الطلاق في الصورة الاولى صدر من المريض وهو يشعر بأنه إنما طلقها ليمنعها حقها في الميراث فيعامل بنقيض قصده، ويثبت لها حقها الذي أراد أن يمنعها منه.

ولهذا يطلق على هذا الطلاق طلاق الفار.
وأما الطلاق في الصورة الثانية فلا يتصور فيه الفرار، لأنها هي التي أمرت بالطلاق أو اختارته ورضيته، وكذلك الحكم فيمن كان محصورا أو في صف القتال. فطلق امرأته طلاقا بائنا. وقال أحمد وابن أبي ليلى: لها الميراث بعد انقضاء عدتها ما لم تتزوج بغيره.

وقال مالك والليث: لها الميراث، سواء أكانت في العدة أم لم تكن، وسواء تزوجت أم لم تتزوج.
وقال الشافعي: لا ترث.

قال في بداية المجتهد: وسبب الخلاف: اختلافهم في وجوب العمل بسد الذرائع، وذلك أنه لما كان المريض يتهم في أن يكون إنما طلق في مرضه زوجته ليقطع حظها من الميراث، فمن قال بسد الذرائع أوجب ميراثها، ومن لم يقل بسد الذرائع ولحظ وجوب الطلاق لم يوجب لها ميراثا.

وذلك أن هذه الطائفة تقول: إن كان الطلاق قد وقع فيجب أن يقع بجميع أحكامه. لأنهم قالوا: إنه لا يرثها إن ماتت، وإن كان لم يقع فالزوجية باقية بجميع أحكامها.

ولابد لخصومهم من أحد الجوابين، لأنه يعسر أن يقال: إن في الشرع نوعا من الطلاق، توجد له بعض أحكام الطلاق وبعض أحكام الزوجية.

وأعسر من ذلك القول بالفرق بين أن يصح أو لا يصح: لان هذا يكون طلاقا موقوف الحكم، إلى أن يصح أو لا يصح، وهذا كله مما يعسر القول به في الشرع.

ولكن إنما أنس القائلون به: أنه فتوى عثمان وعمر حتى زعمت المالكية أنه إجماع الصحابة. ولا معنى لقولهم، فإن الخلاف فيه عن ابن الزبير مشهور.
وأما من رأى أنها ترث في العدة.فلأن العدة عنده من بعض أحكام الزوجية، وكأنه شبهها بالمطلقة الرجعية، وروي هذا القول عن عمر وعن عائشة.
وأما من اشترط في توريثها ما لم تتزوج، فإنه لحظ في ذلك إجماع المسلمين على أن المرأة الواحدة لا ترث من زوجين، ولكون التهمة هي العلة عند الذين أوجبوا الميراث. قال: واختلفوا إذا طلبت هي الطلاق أو ملكها الزوج أمرها فطلقت نفسها، فقال أبو حنيفة لا ترث أصلا.

وفرق الاوزاعي بين التمليك والطلاق، فقال: ليس لها الميراث في التمليك، ولها في الطلاق.
وسوى مالك في ذلك كله حتى قال: إن ماتت لا يرثها، وترثه هو إن مات، وهذا مخالف للأصول جدا.
قال ابن حزم: " طلاق المريض كطلاق الصحيح، ولا فرق. مات من ذلك المرض أو لم يمت.

فإن كان طلاق المريض ثلاثا، أو آخر ثلاث، أو قبل أن يطأها، فمات أو ماتت قبل تمام العدة، أو بعدها، أو كان طلاقا رجعيا فلم يرتجعها حتى مات أو ماتت بعد تمام العدة، فلا نرثه في شيء من ذلك كله.
ولا يرثها أصلا، وكذلك طلاق الصحيح للمريضة، وطلاق المريض للمريضة، ولا فرق، وكذلك طلاق الموقوف للقتل، والحامل المثقلة، وهذا مكان اختلف الناس فيه .( المحلى جزء ١٠)

التفويض والتوكيل في الطلاق

الطلاق حق من حقوق الزوج، فله أن يطلق زوجته بنفسه، وله أن يفوضها في تطليق نفسها، وله أن يوكل غيره في التطليق.

ولك من التفويض والتوكيل لا يسقط حقه ولا يمنعه من استعماله متى شاء، وخالف في ذلك الظاهرية، فقالوا: إنه لا يجوز للزوج أن يفوض زوجته تطليق نفسها، أو يوكل غيره في تطليقها.

قال ابن حزم: ومن جعل إلى امرأته أن تطلق نفسها لم يلزمه ذلك ولا تكون طالقا، طلقت نفسها أو لم تطلق، لان الله تعالى جعل الطلاق للرجال لا للنساء.

صيغ التفويض:
وصيغ التفويض هي:
  • اختاري نفسك.
  • أمرك بيدك.
  • طلقي نفسك إن شئت.

وقد اختلف الفقهاء في كل صيغة من هذه الصيغ وذهبوا مذاهب متعددة نجملها فيما يلي:

اختاري نفسك: ذهب الفقهاء إلى وقوع الطلاق بهذه الصيغة: لان الشرع جعلها من صيغ الطلاق، وفي ذلك يقول الله تعالى: " يا أيها النبي قل لازواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا.
وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما " .

ولما نزلت هذه الآية دخل الرسول ﷺ على عائشة فقال لها: «إني ذاكر لك أمرا من الله على لسان رسوله، فلا تعجلي حتى تستأمري أبويك »، قالت: وما هذا يا رسول الله؟ فتلا عليها الآية. قالت: فيك يا رسول الله أستأمر أبوي؟ بل أريد الله ورسوله، والدار الآخرة، وأسألك ألا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت. قال: «لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها ، إن الله لم يبعثني ... » ثم فعل أزواج النبي ﷺ مثلما فعلت عائشة، فكلهن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة.

روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت: « خيرنا رسول الله ﷺ فاخترناه فلم يعد ذلك شيئا» .
وفي لفظ لمسلم: «أن رسول الله ﷺ خير نساءه فلم يكن طلاقا» .
وفي هذا دلالة على أنهن لو أخترن أنفسهن: كان ذلك طلاقا. وأن هذا اللفظ يستعمل في الطلاق، ولم يختلف في ذلك أحد من الفقهاء ، بينما اختلفوا فيما يقع إذا اختارت المرأة نفسها: فقال بعضهم إنه يقع طلقة واحدة رجعية.

وهو مروي عن عمر وابن مسعود وابن عباس.وهو قول عمر بن عبد العزيز، وابن أبي ليلى، وسفيان، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.

وقال بعضهم: إذا اختارت نفسها يقع واحدة بائنة، وهو مروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبه قال الاحناف.

وقال مالك بن أنس: إن اختارت نفسها فهي ثلاث، وإن اختارت زوجها يكون واحدة.
ويشترط الأحناف في وقوع الطلاق بهذه الصيغة ذكر النفس في كلامه أو في كلامها، فلو قال لها: اختاري، فقالت اخترت، فهو باطل لا يقع بها شيء.

أمرك بيدك : إذا قال الرجل لزوجته أمرك بيدك، فطلقت نفسها، فهي طلقة واحدة، عند عمر، وعبد الله بن مسعود. وهو مذهب سفيان، والشافعي، وأحمد.

روي أنه جاء بن مسعود رجل فقال: كان بيني وبين امرأتي بعص ما يكون بين الناس. فقالت: لو أن الذي بيدك من أمري بيدي ، لعلمت كيف أصنع. قال: فإن الذي بيدي من أمرك بيدك . قالت: فأنت طالق ثلاثا. قال: أراها واحدة وأنت أحق بها مادامت في عدتها.
وسألقى أمير المؤمنين عمر، ثم لقيه فقص عليه القصة. فقال صنع الله بالرجال وفعل ، يعمدون إلى ما جعل الله في أيديهم ، فيجعلونه بأيدي النساء، بفيها التراب. ماذا قلت فيها؟ قال: قلت أراها واحدة. وهو أحق بها. قال : وأنا أرى ذلك، ولو رأيت غير ذلك علمت أنك لم تصب ( بداية المجتهد).
وقال الاحناف: يقع طلقة واحدة بائنة، لان تمليكه أمرها لها يقتضي زوال سلطانه عنها، وإذا قبلت ذلك بالاختيار وجب أن يزول عنها، ولا يحصل ذلك مع بقاء الرجعة.

هل المعتبر نية الزوج أم نية الزوجة؟: ذهب الشافعي إلى أن المعتبر هو نية الزوج. فإن نوى واحدة فواحدة، وإن نوى ثلاثا فثلاث. وله أن يناكرها في الطلاق نفسه، وفي العدد: في الخيار أو التمليك. وذهب غيره إلى أنها إن نوت أكثر من واحدة وقع ما نوت، لأنها تملك الثلاثة بالتصريح، فتملكها بالكناية كالزوج، فإن طلقت نفسها ثلاثا، وقال الزوج لم أجعل لها إلا واحدة، لم يلتفت إلى قوله ، والقضاء ما قضت، وهذا مذهب عثمان، وابن عمر، وابن عباس، وقال عمر وابن مسعود: تقع طلقة واحدة كما سبق في قصة عبد الله بن مسعود.
هل جعل الامر باليد مقيد بالمجلس؟ أم هو على التراخي. قال ابن قدامة في المغني: ومتى جعل أمر امرأته بيدها فهو بيدها أبدا لا يتقيد بذلك المجلس.
روي ذلك عن علي رضي الله عنه، وبه قال أبو ثور، وابن المنذر، والحكم.

وقال مالك والشافعي وأصحاب الرأي: هو مقصور على المجلس، ولا طلاق لها بعد مفارقته، لانه تخيير لها فكان مقصورا على المجلس كقوله: اختاري.
ورجح الرأي الاول لقول علي رضي الله عنه في رجل جعل أمر امرأته بيدها.
قال: هو لها حتى تكل.
قال: ولا نعرف له في الصحابة مخالفا، فيكون إجماعا.
ولانه نوع توكيل في الطلاق.
فكان على التراخي كما لو جعله لاجنبي.
رجوع الزوج: قال: فإن رجع الزوج فيما جعل إليها أو قال: فسخت ما جعلت إليك، بطل.
وبذلك قال عطاء، ومجاهد، والشعبي، والنخعي، والاوزاعي، وإسحاق.
وقال الزهري، والثوري، ومالك، وأصحاب الرأي: ليس له الرجوع لانه ملكها ذلك، فلم يملك الرجوع.
قال: وإن وطئها الزوج، كان رجوعا، لانه نوع توكيل.
والتصرف فيما وكل فيه يبطل الوكالة.
وإن ردت المرأة ما جعل إليها بطل كما تبطل الوكالة بفسخ التوكيل.

طلقي نفسك إن شئت:
قالت الأحناف: " من قال لامرأته طلقي نفسك، ولا نية له، أو نوى طلقة واحدة فقالت: طلقت نفسي، فهي واحدة رجعية. وإن طلقت نفسها ثلاثا، وقد أراد الزوج ذلك، وقعن عليها، وإن قال لها طلقي نفسك، فقالت أبنت نفسي، طلقت، وإن قالت قد اخترت نفسي لم تطلق، وإن قال لها: طلقي نفسك متى شئت ، فلها أن تطلق نفسها في المجلس وبعده.
وإذا قال لرجل: طلق امرأتي، فله أن يطلقها في المجلس وبعده. ولو قال لرجل طلقها إن شئت، فله أن يطلقها في المجلس خاصة.

التوكيل:
إذا جعل أمر امرأته بيد غيره صح.
وحكمه حكم ما لو جعله بيدها، في أنه بيده في المجلس وبعده.

ووافق الشافعي على هذا في حق غيرها لأنه توكيل، وسواء قال: أمر امرأتي بيدك، أو قال: جعلت لك الخيار في طلاق امرأتي، أو قال طلق امرأتي.
وقال أصحاب أبي حنيفة: ذلك مقصور على المجلس لأنه نوع تخيير أشبه ما لو قال اختاري.

قال صاحب المغني: ولنا أنه توكيل مطلق: فكان على التراخي: كالتوكيل في البيع، وإذا ثبت هذا فإن له أن يطلقها ما لم يفسخ أو يطأها، وله أن يطلق واحدة وثلاثا، كالمرأة، وليس له أن يجعل الامر إلا بيد من يجوز توكيله وهو العاقل.

فأما الطفل والمجنون، فلا يصح أن يجعل الامر بأيديهم فإن فعل فطلق واحد منهم لم يقع طلاقه.
وقال أصحاب الرأي: يصح (المغني ص ٢٩٢) .

التعميم والتقييد في هذه الصيغ:
هذه الصيغ قد تكون مطلقة، بأن يجعل أمرها بيدها، أو أن تختار نفسها دون تقييد بشيء يزيد على الصيغة.

وفي هذه الحالة للزوجة أن تطلق نفسها في مجلس التفويض فقط إن كانت حاضرة فيه، وإن كانت غائبة عنه كان لها ذلك الحق في مجلس علمها به فقط، حتى لو انتهى أو تغير مجلس التفويض أو مجلس العلم، ولم تطلق نفسها لم يكن لها هذا الحق بعد ذلك، لان الصيغة مطلقة، فتنصرف إلى المجلس، فإذا فات فلا تملكه.

وهذا الحكم في حالة ما إذا لم تقم قرينة تدل على تعميم التفويض، كأن يكون هذا التفويض حين عقد الزواج، لأنه لا يعقل أن يقصد المفوض تمليكها تطليق نفسها في نفس مجلس زوجها، فالصيغة تفيد التعميم بدلالة الحال.

وقد صدر من بعض الحاكم الشرعية المصرية الجزئية حكم بني على أن التفويض إذا كان في حين عقد الزواج وبصيغة مطلقة، لا يتقيد بالمجلس، وللزوجة أن تطلق نفسها متى شاءت، وإلا خلا التفويض من الفائدة، وأيد هذا الحكم استئنافيا.
وقد تكون هذه الصيغ عامة ، كأن يقول لها اختاري نفسك متى شئت، أو أمرك بيدك كلما أردت، وفي هذه الحال لها أن تطلق نفسها في أي وقت، لأنه ملكها حق تطليق نفسها ملكا عاما، فلها أن تستعمل هذا الحق فتطلق نفسها في أي وقت.

وقد تكون هذه الصيغ مؤقتة بوقت معين، كأن يجعل أمرها بيدها مدة سنة، وفي هذه الحال للزوجة أن تطلق نفسها في الوقت المعين فقط، وأما بعد مضيه فلا حق لها في التطليق.

التفويض حين العقد وبعده: ( أحكام الاحوال الشخصية في الشريعة الاسلامية ص152 ) . ويجوز التفويض حين عقد الزواج أو بعده، إلا أنه يشترط فيه حين عقد الزواج عند الأحناف أن يكون البادئ به هو الزوجة، مثل أن تقول المرأة للرجل: زوجت نفسي منك على أن يكون أمري بيدي أطلق نفسي كلما أريد.

فيقول لها: قبلت، فبهذا القبول يتم الزواج، ويصح التطليق، ويكون لها الحق في أن تطلق نفسها كلما أرادت، لان قبوله ينصرف إلى الزواج ثم إلى التفويض.

أما إذا كان البادئ بالإيجاب المقترن بالتفويض هو الزوج كأن يقول رجل لامرأته: تزوجتك على أن تكون عصمتك بيدك تطلقين نفسك كلما أردت ، فتقول: قبلت، فبهذا يتم الزواج ولا يصح التفويض، ولا يكون للزوجة الحق في أن تطلق نفسها.

والفرق بين الصورتين أنه في الصورة الاولى، قبل الزوج التفويض بعد تمام العقد، فيكون قد ملك التطليق بعد أن ملكه بتمام عقد الزواج.
أما في الثانية، فإن ملك التطليق قبل أن يملكه لأنه ملكه قبل تمام عقد الزواج إذ لم يصدر إلا الايجاب وحده.

التطليق لعدم النفقة

ذهب الامام مالك والشافعي وأحمد إلى جواز التفريق لعدم النفقة ، والمقصود بالنفقة الضرورية من الغذاء والكساء والسكنى في أدنى صورها. والمقصود بعدم النفقة في الحاضر والمستقبل، أما في الماضي فانه لا يقتضي المطالبة بالتفريق ولا تجاب إليه المرأة إذا طلبته بل تكون النفقة دينا في الذمة ، "وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ". بحكم القاضي إذا طلبته الزوجة ، وليس له مال ظاهر، واستدلوا لمذهبهم هذا بما يأتي:

  1. أن الزوج مكلف بأن يمسك زوجته بالمعروف أو يسرحها ويطلقها بإحسان، لقول الله سبحانه: " فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ". ولا شك أن عدم النفقة ينافي الامساك بمعروف.

  2. أن الله تعالى يقول: " ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا " ، والرسول: يقول: « لا ضرر ولا ضرار». وأي إضرار ينزل بالمرأة أكثر من ترك الانفاق عليها ، وإن على القاضي أن يزيل هذا الضرر.

  3. وإذا كان من المقرر أن يفرق القاضي من أجل الغيب بالزوج فإن عدم الانفاق يعد أشد إيذاء للزوجة وظلما لها من وجود عيب بالزوج، فكان التفريق لعدم الانفاق أولى.

وذهب الأحناف إلى عدم جواز التفريق لعدم الانفاق سواء أكان السبب مجرد الامتناع ام الاعسار والعجز عنها ودليلهم في هذا:

  1. أن الله سبحانه قال: " لينفق ذو سعة من سعته، ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله، لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسرا يسرا ".
    وقد سئل الامام الزهري عن رجل عاجز عن نفقة زوجته: أيفرق بينهما؟ قال: تستأني به، ولا يفرق بينهما، وتلا الآية السابقة.

  2. أن الصحابة كان منهم الموسر والمعسر، ولم يعرف عن أحد منهم أن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين رجل وامرأته، بسبب عدم النفقة لفقره وإعساره.

  3. وقد سأل نساء النبي ﷺ النبي ما ليس عنده، فاعتزلهن شهرا، وكان ذلك عقوبة لهن، وإذا كانت المطالبة بما لا يملك الزوج تستحق العقاب، فأولى أن يكون طلب التفريق عند الاعسار ظلما لا يلتفت إليه.

  4. قالوا: وإذا كان الامتناع عن الانفاق مع القدرة عليه ظلما، فإن الوسيلة في رفع هذا الظلم هي بيع ماله للإنفاق منه، أو حبسه حتى ينفق عليها، ولا يتعين التفريق لدفع هذا الظلم مادام هناك وسائل أخرى، وإذا كان كذلك فالقاضي لا يفرق بهذا السبب لان التفريق أبغض الحلال إلى الله من الزوج صاحب الحق، فكيف يلجأ القاضي إليه مع أنه غير متعين، وليس هو السبيل الوحيدة لرفع الظلم. هذا إذا كان قادرا على الانفاق، فإن كان معسرا فإنه لم يقع منه ظلم لان الله لا يكلف نفسا إلا ما آتاها.

    وإذا كان الزوج غائبا غيبة قريبة، فإن كان له مال ظاهر نفذ الحكم عليه بالنفقة في ماله، وإن لم يكن له مال ظاهر أعذر إليه القاضي بالطرق المعروفة، وضرب له أجلا، فإن لم يرسل ما تنفق منه زوجته على نفسها، أو لم يحضر للإنفاق عليها، طلق عليه القاضي بعد مضي الاجل.

    فإذا كان بعيد الغيبة لا يسهل الوصول إليه، أو كان مجهول المحل، أو كان مفقودا، وثبت أنه لا مال له تنفق منه الزوجة، طلق عليه القاضي.
    وتسري أحكام هذه المادة على المسبحون الذي يعسر بالنفقة.

    تطليق القاضي لعدم الانفاق يقع رجعيا: وللزوج أن يراجع زوجته إذا ثبت إيساره واستعد للإنفاق في أثناء العدة فإذا لم يثبت إيساره ولم يستعد للإنفاق لم تصح الرجعة.

    التطليق للضرر

    ذهب الامام مالك : أن للزوجة أن تطلب من القاضي التفريق إذا ادعت إضرار الزوج بها إضرارا لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما، مثل: ضربها، أو سبها، أو إيذائها بأي نوع من أنواع الايذاء الذي لا يطاق، أو إكراهها على منكر من القول أو الفعل.
    فإذا ثبتت دعواها لدى القاضي ببينة الزوجة، أو اعتراف الزوج، وكان الايذاء مما لا يطاق معه دوام العشرة بين أمثالهما وعجز القاضي عن الاصلاح بينهما طلقها طلقة بائنة.

    وإذا عجزت عن البينة، أو لم يقر الزوج رفضت دعواها. فإذا تكررت منها الشكوى. وطلبت التفريق، ولم يثبت لدى المحكمة صدق دعواها، عين القاضي حكمين بشرط أن يكونا رجلين عدلين راشدين، لها خبرة بحالهما، وقدرة على الاصلاح بينهما ، ويحسن أن يكونا من أهلهما إن أمكن.

    وإلا فمن غيرهم، ويجب عليهما تعرف أسباب الشقاق بين الزوجين، والاصلاح بينهما بقدر الامكان، فإن عجزا عن الاصلاح وكانت الاساءة من الزوجين، أو من الزوج، أو لم تتبين الحقائق، قررا التفريق بينهما بطلقة بائنة ، وإن كانت الاساءة من الزوجة فلا يفرق بينهما بالطلاق. وإنما يفرق بينهما بالخلع ، وإن لم يتفق الحكمان على رأي أمرهما القاضي بإعادة التحقيق والبحث ، فإن لم يتفقا على رأي استبدلهما بغيرهما ، وعلى الحكمين أن يرفعا إلى القاضي ما يستقر عليه رأيهما. يجب عليه أن ينفذ حكمهما ، وأصل ذلك كله قول الله سبحانه: " وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها، إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما " ، والله تعالى يقول أيضا: " فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " وقد فات الامساك بمعروف، فتعين التسريح بإحسان والرسول ﷺ يقول : «لا ضرر ولا ضرار».

    فإذا ادعت الزوجة إضرار الزوج بها بما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما، يجوز لها أن تطلب من القاضي التفريق، وحينئذ يطلقها القاضي طلقة بائنة إذا ثبت الضرر وعجز عن الاصلاح بينهما.
    فإذا رفض الطلب ثم تكررت الشكوى، ولم يثبت الضرر، بعث القاضي حكمين وقضى على الوجه المبين :

    • يشترط في الحكمين أن يكونا رجلين عدلين من أهل الزوجين إن أمكن، وإلا فمن غيرهم، ممن له خبرة بحالهما، وقدرة على الاصلاح بينهما.

    • على الحكمين أن يتعرفا أسباب الشقاق بين الزوجين ويبذلا جهدهما في الاصلاح، فإن أمكن على طريقة معينة قرراها.

    • إذا عجز الحكمان عن الاصلاح وكانت الاساءة من الزوج أو منهما، أو جهل الحال قررا التفريق بطلقة بائنة.

    • إذا اختلف الحكمان ، أمرهما القاضي بمعاودة البحث فان استمر الخلاف بينهما حكم غيرهما ، على الحكمين أن يرفعا إلى القاضي ما يقررانه، وعلى القاضي أن يحكم بمقتضاه.


    التطليق لغيبة الزوج

    التطليق لغيبة الزوج هو مذهب مالك وأحمد ، دفعا للضرر عن المرأة، فللمرأة أن تطلب التفريق إذا غاب عنها زوجها ولو كان له مال تنفق منه، بشرط:

    1. أن يكون غياب الزوج عن زوجته لغير عذر مقبول.
    2. أن تتضرر بغيابه.
    3. أن تكون الغيبة في بلد غير الذي تقيم فيه.
    4. أن تمر سنة تتضرر فيها الزوجة.

    فإن كان غيابه عن زوجته بعذر مقبول: كغيابه لطلب العلم، أو ممارسة التجارة، أو لكونه موظفا خارج البلد، أو مجندا في مكان ناء، فإن ذلك لا يجيز طلب التفريق، وكذلك إذا كانت الغيبة في البلد الذي تقيم فيه.

    وكذلك لها الحق في أن تطلب التفريق للضرر الواقع عليها لبعد زوجها عنها لا لغيابه.
    ولابد من مرور سنة يتحقق فيها الضرر بالزوجة وتشعر فيها بالوحشة، ويخشى فيها على نفسها من الوقوع فيما حرم الله.

    والتقدير بسنة قول عند الامام مالك ، وقيل: ثلاث سنين، ويرى أحمد: أن أدنى مدة يجوز أن تطلب التفريق بعدها ستة أشهر، لأنها أقصى مدة تستطيع المرأة فيها الصبر عن غياب زوجها كما تقدم ذلك في فصل سابق، واستفتاء عمر وفتوى حفصة رضي الله عنهما.

    التطليق لحبس الزوج

    ومما يدخل في هذا الباب – عند مالك وأحمد – التطليق لحبس الزوج، لان حبسه يوقع بالزوجة الضرر، لبعده عنها.

    فإذا صدر الحكم بالسجن لمدة ثلاث سنين، أو أكثر، وكان الحكم نهائيا، ونفذ على الزوج، ومضت سنة فأكثر من تاريخ تنفيذه، فللزوجة أن تطلب من القاضي الطلاق لوقوع الضرر بها بسبب بعده عنها.
    فإذا ثبت ذلك طلقها القاضي طلقة بائنة عند مالك، ويعتبر ذلك فسخا عند أحمد.

    قال ابن تيمية: وعلى هذا فالقول في امرأة الاسير والمحبوس ونحوهما ممن تعذر انتفاع امرأته به، كالقول في امرأته المفقود بالإجماع.
    فإذا غاب الزوج سنة فأكثر بلا عذر مقبول، جاز لزوجته أن تطلب إلى القاضي تطليقها بائنا إذا تضررت من بعده عنها، ولو كان له مال تستطيع الانفاق منه .

    وإن أمكن وصول الرسائل إلى الغائب ضرب له القاضي أجلا وأعذر إليه، بأنه يطلقها عليه إن لم يحضر للإقامة معها أو ينقلها إليه أو يطلقها.
    فإذا انقضى الاجل، ولم يفعل، ولم يبد عذرا مقبولا، فرق القاضي بينهما بتطليقة بائنة، وإن لم يمكن وصول الرسائل إلى الغائب طلقها القاضي عليه بلا إعذار وضرب أجل .

    ولزوجة المحبوس المحكوم عليه نهائيا بعقوبة مقيدة للحرية مدة ثلاث سنين فأكثر، أن تطلب للقاضي بعد مضي سنة من حبسه التطليق عليه بائنا للضرر ولو كان له مال تستطيع الانفاق منه.

    لا تنس ذكر الله
    سبحان الله
    0 / 100

    إقرأ المزيد :



عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية