زكاة الفطر من رمضان: فقهها وحكمتها وفضلها

زكاة الفطر من رمضان: فقهها وحكمتها وفضلها

زكاة الفطر من رمضان: فقهها وحكمتها وفضلها


تعريف زكاة الفطر


زكاة الفطر، صدقة واجبة معروفة المقدار، يقدمها المسلم لِفِطْرِه من رمضان. وأضيفت الزكاة إلى الفطر، من إضافة الشيء إلى سببه؛ لأن الفطر من رمضان هو سبب وجوبها، فأضيفت إليه؛ لوجوبها به. ويقال لها: "زكاة الفطر"، ويقال لها كذلك: "صدقة الفطر".

الحكم الشرعي لزكاة الفطر


الحكم الشرعي لزكاة الفطر، هو الوجوب. والدليل على ذلك حديث ابن عمر كما في الصحيحين: "فَرَضَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ". قال ابن المنذر: "وأجمعوا على أن صدقة الفطر فرض".

خصوصية أحكام زكاة الفطر


زكاة الفطر لها خصوصية فيمن تجب عليه من المسلمين، فهي لا تجب على المكلف فقط، بل تجب زكاة الفطر على كل مسلم: حرٍّ أو عبدٍ، أو رجل أو امرأة، صغيرٍ أو كبيرٍ. والدليل على ذلك، حديث ابن عمر في الصحيحين، وفيه: "فَرَضَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: حرٍّ أو عبدٍ، أو رجلٍ أو امرأةٍ، صغيرٍ أو كبيرٍ".

قال ابن قدامة: "وجملته أن زكاة الفطر تجب على كل مسلم، مع الصغر والكبر، والذكورية والأنوثية, في قول أهل العلم عامة، وتجب على اليتيم, ويخرج عنه وليه من ماله، وعلى الرقيق".

ومن خصوصية أحكام زكاة الفطر، أنها لا تجب فقط على المسلم في نفسه، بل تجب عليه في نفسه، وعن كل من يعول ممن تلزمه نفقتهم. قال الخرقي: "ويلزمه أن يخرج عن نفسه وعن عياله".

فظهر أن الفطرة تلزم الإنسان القادر عن نفسه، وعن من يعوله، أي يمونه، والدليل حديث ابن عمر الذي حسنه الألباني في الإرواء، وفيه: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى مِمَّنْ تَمُونُونَ".

وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: "زكاة الفطر تلزم الإنسان عن نفسه، وعن كلِّ من تجب عليه نفقته، ومنهم الزوجة؛ لوجوب نفقتها عليه".

نصاب زكاة الفطر


لزكاة الفطر نصاب، ولكنه ليس مثل نصاب الزكاة. فلزكاة الفطر خصوصية في النصاب. إذ يقدر نصابها بأن يملك المسلم قوتاً زائداً عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته.

فمن ملك ما مقداره صاعًا من الطعام زائدًا عن حاجته يوم العيد، فقد ملك النصاب. ولذلك لا تتعلق زكاة الفطر بالأغنياء، بل قد تجب على متوسطي الحال والفقراء والمساكين طالما أنهم يملكون النصاب.

والدليل، حديث ابن عمر في صحيح مسلم، قال: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ أَوْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ".

مقدار زكاة الفطر


مقدار زكاة الفطر هو صاع من قوت البلد الذي يأكله الناس. والدليل على ذلك حديث ابن عمر في صحيح مسلم، قال: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ".

وفي الصحيح عن أبي سعيد الخدري أنه كان يقول: "كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ".

والصاع المعتبر هو صاع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو أربعة أمداد، والمد ملء كفي الإنسان المعتدل إذا ملأهما ومدّ يديه بهما، وبه سمي مدّاً، ووزنه فيما قدرة العلماء بالكيلو هو ما بين اثنتين كيلو ونصف إلى ثلاثة كيلو تقريبًا.

قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: "المقدار الواجب في زكاة الفطر عن كل فرد صاع واحد بصاع النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومقداره بالكيلو ثلاثة كيلو تقريباً".

وقت زكاة الفطر


تجب زكاة الفطر بدخول وقت الوجوب، وهو غروب الشمس من ليلة الفطر؛ والدليل على ذلك حديث ابن عمر في الصحيحين: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر من رمضان"، وذلك يكون بغروب الشمس، من آخر يوم من أيام شهر رمضان، فزكاة الفطر لا تجب إلا بغروب شمس آخر يوم من رمضان: فمن أسلم بعد الغروب، أو تزوج، أو وُلِد له وَلدٌ، أو مات قبل الغروب لم تلزم فطرتهم.
ويجوز إخراج زكاة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين؛ لحديث ابن عمر كما في صحيح البخاري، وفيه: "وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ"، وفي لفظ للإمام مالك: "أن ابن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة".

ويستحب إخراج زكاة الفطر يوم الفطر قبل صلاة العيد؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بها أن تؤدَّى قبل خروج الناس إلى صلاة العيد، كما في حديث ابن عمر في صحيح مسلم، وفيه: "وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ".

ولا يجوز تأخير أداء زكاة الفطر بعد صلاة العيد على القول الصحيح، فمن أخَّرها بعد الصلاة بدون عذر، فعليه التوبة، وعليه أن يخرجها على الفور، والدليل على ذلك، حديث ابن عباس الصحيح كما في سنن أبي داود، وفيه: "مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاَةِ فَهِىَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاَةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ".

مصارف زكاة الفطر


لزكاة الفطر خصوصيتها في مصارفها، فهي لها مصرفان فقط لا ثمانية كما هو للزكاة. ومصارف زكاة الفطر وأهلها الذين تدفع لهم، هم الفقراء والمساكين.

وهذا هو الصواب والأرجح من أقوال أهل العلم. والدليل على هذا حديث ابن عباس الصحيح كما في سنن أبي داود، وفيه: "فَرَضَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- زَكَاةَ الْفِطْرِ..، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ".

قال الشوكاني: "وفيه دليل على أن الفطرة تصرف في المساكين دون غيرهم من مصارف الزكاة".

وقال ابن تيمية: "ولا يجوز دفع زكاة الفطر إلا لمن يستحق الكفارة".

وقال الإمام ابن القيم: "وكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- تخصيص المساكين بهذه الصدقة, ولم يكن يقسمها على الأصناف الثمانية قبضة قبضة، ولا أمر بذلك، ولا فعله أحد من أصحابه، ولا من بعدهم"، ويجوز دفع زكاة الفطر عن النفر الواحد لشخص واحد، كما يجوز توزيعها على عدة أشخاص.

حكم إخراج القيمة في زكاة الفطر


اتفق الفقهاء على مشروعية إخراج زكاة الفطر من الأنواع المنصوص عليها، كما في حديث ابن عمر: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ".

وفي حديث أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ يَقُولُ: "كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ".

واتفق العلماء على أنه يجوز إخراج زكاة الفطر من الطعام الذي يعد قوتًا للناس، أيْ ما يقتاته الناس، ولا تقتصر على ما نص عليه من الشعير والتمر والزبيب، بل نخرج من الأرز والذرة والعدس وغيرهم مما يعتبر قوتاً.

قال الشافعي: "يجب في زكاة الفطر صاع من غالبًا قوت البلد في السنة"، وقال ابن تيمية: "أوجبها الله -تعالى- طعامًا كما أوجب الكفارة طعامًا".

وأما إخراج زكاة الفطر قيمة نقدية بدلاً عن الطعام، فللعلماء قولان:

القول الأول: عدم جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر، وهو مذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة. وقال النووي كما في المجموع: "لا تجزئه القيمة في الفطرة عندنا وبه قال مالك وأحمد وابن المنذر".

القول الثّاني: جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر مطلقًا، وهو مذهب الحنفية. فذهبوا إِلَى أَنَّهُ "يَجُوزُ دَفْعُ الْقِيمَةِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، بَل هُوَ أَوْلَى لِيَتَيَسَّرَ لِلْفَقِيرِ أَنْ يَشْتَرِيَ أَيَّ شَيْءٍ يُرِيدُهُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ؛ لأَِنَّهُ قَدْ لاَ يَكُونُ مُحْتَاجًا إِلَى الْحُبُوبِ بَل هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى مَلاَبِسَ، أَوْ لَحْمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ".

مكان إخراج زكاة الفطر


ويقول العلماء: "والسنة توزيعها بين الفقراء في بلد المزكي، ولا بأس بنقلها، ويجزئ -إن شاء الله- في أصح قولي العلماء، لكن إخراجها في محلك الذي تقيم فيه أفضل وأحوط، وإذا بعثتها لأهلك؛ ليخرجوها على الفقراء في بلدك فلا بأس".

حكمة زكاة الفطر


زكاة الفطر فيها حِكْمتان عظيمتان:

الحِكْمة الأولى: يعود خيرها على الصائم نفسه. فهي تطهير لصيام المؤمن، مما يكون قد اعتراه من خلل ونقص وتقصير، فتجبره زكاة الفطر، وتنقيه، وتزكيه، حتى يعود أكمل ما يكون، فلله الحمد والمنة.

والحِكْمة الثانية: يعود خيرها على غير الصائم، على الفقراء والمساكين من عباد الله المؤمنين، فتسدّ حاجتهم يوم العيد، وتدخل عليهم السرور، وتحفظ لهم مكانتهم في فرحة المجتمع، ومشاركة الناس عيدهم، وتغنيهم عن السؤال والشعور بالمذلة في يوم جعله الله فرحة للمسلمين.

المرجع :

لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية