أساليب النبي ﷺ في تربية الأطفال

أساليب النبي ﷺ في تربية الأطفال

أساليب النبي ﷺ في تربية الأطفال


لَا سَبِيلَ لِلْآبَاءِ وَالْمُرَبِّينَ فِي تَرْبِيَةِ أَطْفَالِهِمْ وَصِغَارِهِمْ إِلَّا بِالنَّظَرِ إِلَى أَسَالِيبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ سَوَاءً مَا حَثَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ، أَوْ أَلْمَحَ إِلَيْهِ بِفِعْلِهِ وَتَعَامُلِهِ، أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِ فِي بَعْضِ كَلِمَاتِهِ الْمُنِيرَةِ الْعَامَّةِ؛ فَمِنْ تِلْكَ الْأَسَالِيبِ النَّبَوِيَّةِ فِي تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ يَعْمَلَ بِهَا الْوَالِدَانِ وَالْمُرَبُّونَ، مَا يَلِي:

القدوة الحسنة للأطفال


الْقُدْوَةُ الْحَسَنَةُ، وَهِيَ مِنْ أَهَمِّ أُسُسِ التَّرْبِيَةِ؛ وَلِذَلِكَ ذَكَرَهَا اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ عَنِ الْمُرَبِّي الْأَوَّلِ لِلْأُمَّةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾[الأحزاب:21]؛ فَعَنْ طَرِيقِ الْقُدْوَةِ الْحَسَنَةِ يَطْبَعُ الْوَالِدَانِ فِي أَوْلَادِهِمْ أَقْوَى الْآثَارِ الْحَسَنَةِ وَالطَّيِّبَةِ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ...". فَعَلَى الْوَالِدَيْنِ أَنْ يَكُونَا قُدْوَةً حَسَنَةً لِلْأَوْلَادِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ.

تحين الوقت المناسب لتوجيه الأطفال


وَمِنْ أَسَالِيبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ: تَحَيُّنُ الْوَقْتِ الْمُنَاسِبِ لِلتَّوْجِيهِ وَالتَّعْلِيمِ، وَتَلْقِينِ الْأَفْكَارِ، وَتَصْحِيحِ السُّلُوكِ الْخَاطِئِ، وَبِنَاءِ سُلُوكٍ صَحِيحٍ. وَمِنَ الْأَوْقَاتِ الْمُنَاسِبَةِ لِذَلِكَ: وَقْتُ الْخُرُوجِ لِلنُّزْهَةِ، وَالسَّيْرِ فِي الطَّرِيقِ، وَرُكُوبِ السِّيَّارَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا فَقَالَ: "يَا غُلاَمُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ"

وَأَيْضًا فِي وَقْتِ الطَّعَامِ؛ فَهُوَ وَقْتٌ مُنَاسِبٌ لِلتَّوْجِيهِ إِلَى الطَّرِيقَةِ الصَّحِيحَةِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ؛ فَعَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ؛ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَا غُلَامُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ"

وَأَيْضًا فِي وَقْتِ مَرَضِ الطِّفْلِ؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ: "أَسْلِمْ"، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَقُولُ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ"

العدل بين الأطفال


وَمِنْ أَسَالِيبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ كَذَلِكَ: الْعَدْلُ بَيْنَ الْأَطْفَالِ، وَهُوَ أُسْلُوبٌ مُهِمٌّ جِدًّا فِي تَقْوِيمِ الْأَطْفَالِ، وَغَرْسِ الْمَحَبَّةِ بَيْنَهُمْ، وَإِبْعَادِهِمْ عَنِ الْحِقْدِ وَالْحَسَدِ، وَكَرَاهِيَةِ الْوَالِدَيْنِ؛ لِأَنَّهُمْ إِنْ رَأَوْا مِنْ آبَائِهِمْ أَوْ أُمَّهَاتِهِمْ مَيْلاً لِبَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ فِي الْعَطَايَا، وَإِظْهَارِ الْمَحَبَّةِ وَالْإِكْرَامِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ سَيُؤَدِّي إِلَى نَتَائِجَ غَيْرِ مَحْمُودَةٍ؛ فَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: انْطَلَقَ بِي أَبِي يَحْمِلُنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اشْهَدْ أَنِّي قَدْ نَحَلْتُ النُّعْمَانَ كَذَا وَكَذَا مِنْ مَالِي، فَقَالَ: "أَكُلَّ بَنِيكَ قَدْ نَحَلْتَ مِثْلَ مَا نَحَلْتَ النُّعْمَانَ؟". قَالَ: لاَ. قَالَ: "فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي"، ثُمَّ قَالَ: "أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً؟". قَالَ: بَلَى. قَالَ: "فَلاَ إِذًا". وَفِي رِوَايَةٍ: "فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا؛ فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ".

الاستجابة لحقوق الطفل


وَمِنْ أَسَالِيبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ: الِاسْتِجَابَةُ لِحُقُوقِ الْأَطْفَالِ الْمَشْرُوعَةِ؛ كَحَقِّ التَّقْدِيرِ وَالتَّقَدُّمِ؛ فَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَدَحٍ فَشَرِبَ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ هُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ، وَالْأَشْيَاخُ عَنْ يَسَارِهِ فَقَالَ: "يَا غُلَامُ، أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ الْأَشْيَاخَ؟"، فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأُوثِرَ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ. وَهَذَا الْأُسْلُوبُ أُسْلُوبٌ مُؤَثِّرٌ جِدًّا عَلَى نَفْسِيَّةِ الطِّفْلِ؛ حَيْثُ يَشْعُرُ بِأَنَّهُ قَدْ صَارَ كَبِيرًا، وَشَخْصًا مُحْتَرَمًا، لَهُ حُقُوقُهُ، كَمَا يَجْعَلُهُ ذَلِكَ يُحِبُّ مُجَالَسَةَ مَنْ يُكْرِمُونَهُ وَيَعْرِفُونَ قَدْرَهُ مِنَ الْكِبَارِ.

الدعاء للأطفال


وَمِنْ أَسَالِيبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ: الدُّعَاءُ لَهُمْ، وَمَا أَحْسَنَهُ مِنْ أُسْلُوبٍ، وَأَعْظَمَ أَثَرَهُ عَلَى حَاضِرِ الْأَطْفَالِ وَمُسْتَقْبَلِهِمْ! وَمَا أَدَلَّهُ عَلَى تَحَمُّلِ الْأَبَوَيْنِ وَشِدَّةِ صَبْرِهِمَا، وَكَثْرَةِ حِرْصِهِمَا عَلَى أَوْلَادِهِمَا! وَذَلِكَ أَنَّ إِزْعَاجَ الْأَطْفَالِ كَبِيرٌ، وَعِنَادَهُمْ وَمَيْلَهُمْ عَنِ الطَّاعَةِ كَثِيرٌ، وَمَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ يَبْقَى الْوَالِدَانِ الْكَرِيمَانِ يَدْعُوَانِ لِأَوْلَادِهِمَا.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: ضَمَّنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: "اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ"، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: "اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ".

شراء اللعب والهدايا للأطفال


وَمِنْ أَسَالِيبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ: شِرَاءُ اللِّعَبِ وَالْهَدَايَا، فَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: "أَنَّهَا كَانَتْ تَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: وَكَانَتْ تَأْتِينِي صَوَاحِبِي فَكُنَّ يَنْقَمِعْنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَتْ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ". وَالْمُرَادُ بِالْبَنَاتِ اللَّاتِي كَانَتْ تَلْعَبُ بِهِنَّ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: التَّمَاثِيلُ الَّتِي كَانَت تُسَمَّى بِلُعَبِ الْبَنَاتِ.

الابتعاد عن كثرة اللوم والعتاب


وَمِنْ أَسَالِيبِ النَّبِيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-فِي تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ كَذَلِكَ: الِابْتِعَادُ عَنْ كَثْرَةِ اللَّوْمِ وَالْعِتَابِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: خَدَمْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشْرَ سِنِينَ- فَمَا قَالَ لِي: أُفٍّ، وَلَا لِمَ صَنَعْتَ؟ وَلَا أَلَّا صَنَعْتَ؟"

خطاب الطفل على قدر عقله


وَمِنْ أَسَالِيبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ: خِطَابُهُمْ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ، وَالتَّنَزُّلُ مَعَهُمْ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَسَبِ أَفْهَامِهِمْ، وَهَذَا مِمَّا يُدْخِلُ عَلَيْهِمُ السُّرُورَ، وَيُشْعِرُهُمْ بِمَحَبَّةِ مُخَاطِبِهِمْ لَهُمْ؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو عُمَيْرٍ، قَالَ: أَحْسِبُهُ قَالَ -كَانَ فَطِيمًا- قَالَ: فَكَانَ إِذَا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَآهُ قَالَ: "أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟" قَالَ: فَكَانَ يَلْعَبُ بِهِ

صحبة الأطفال


وَمِنْ أَسَالِيبِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ أَيْضًا: صُحْبَتُهُمْ، وَالْخُرُوجُ بِهِمْ، وَالْمَشْيُ مَعَهُمْ؛ لِتَلْقِينِهِمْ بَعْضَ خِصَالِ الْخَيْرِ، وَلِيَرَوْا كَيْفَ التَّعَامُلُ مَعَ النَّاسِ؛ فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْحَبُ الْأَطْفَالَ؛ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، وَأَبْنَاءِ ابْنِ عَمِّهِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَالنَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- يُعَلِّمُ بِذَلِكَ آبَاءَ الْأَطْفَالِ كَيْ يَصْحَبُوا أَوْلَادَهُمْ، لِتَتَهَذَّبَ نُفُوسُهُمْ، وَيَقْوَى رِبَاطُ الصِّلَةِ وَالْمَحَبَّةِ بَيْنَهُمْ.

إدخال السرور على الأطفال


وَمِنْ أَسَالِيبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ: إِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَيْهِمْ؛ وَذَلِكَ أَنَّ إِدْخَالَ السُّرُورِ عَلَيْهِمْ يَلْعَبُ فِي حَيَاتِهِمْ دَوْرًا مُهِمًّا وَضَرُورِيًّا، وَيُؤَثِّرُ فِيهِمْ تَأْثِيرًا عَجِيبًا؛ فَهُوَ يُخَفِّفُ الْعَنَاءَ، وَيَشْحَذُ هِمَمَهُمْ إِلَى مَا يُنَاطُ بِهِمْ مِنْ أَعْمَالٍ، وَقَدْ كَانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْرَ قُدْوَةٍ فِي ذَلِكَ، وَمِنْ أَسَالِيبِ إِدْخَالِ السُّرُورِ عَلَى الْأَطْفَالِ: مُدَاعَبَتُهُمْ وَإِضْحَاكُهُمْ؛ فَعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُلَاعِبُ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ وَيَقُولُ: "يَا زُوَيْنِبُ، يَا زُوَيْنِبُ" مِرَارًا

زرع روح التنافس البنَّاء بين الأطفال


وَمِنْ أَسَالِيبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ: زَرْعُ رُوحِ التَّنَافُسِ الْبَنَّاءِ بَيْنَهُمْ، وَمُكَافَأَةُ الْفَائِزِ، وَهَذَا الْأُسْلُوبُ يُشَجِّعُهُمْ عَلَى التَّقَدُّمِ فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَيُرَبِّي فِيهِمُ الْعَزِيمَةَ الْمُتَّقِدَةَ إِلَى مَعَالِي الْأُمُورِ، وَكَمْ مِنْ عَمَلٍ لَا يُمْتَثَلُ حَتَّى يَكُونَ هَذَا الْأُسْلُوبُ الْفَعَّالُ هُوَ الطَّرِيقُ إِلَيْهِ! عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصُفُّ عَبْدَ اللهِ، وَعُبَيْدَ اللهِ، وَكُثَيّرًا بَنِي الْعَبَّاسِ، ثُمَّ يَقُولُ: "مَنْ سَبَقَ إِلَيَّ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا"، قَالَ: فَيَسْتَبِقُونَ إِلَيْهِ فَيَقَعُونَ عَلَى ظَهْرِهِ وَصَدْرِهِ، فَيُقَبِّلُهُمْ وَيَلْتَزِمُهُمْ. وَهَذَا الْفِعْلُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ كَثْرَةِ انْشِغَالِهِ بِهُمُومِ الْأُمَّةِ يَدُلُّ عَلَى رُسُوخِ تَوَاضُعِهِ، وَكَمَالِ هَدْيِهِ؛ حَتَّى لَمْ يَغْفُلْ عَنْ إِمْتَاعِ الْأَطْفَالِ وَإِدْخَالِ السُّرُورِ عَلَيْهِمْ بِهَذَا اللَّعِبِ.

مدح الأطفال والثناء عليهم


وَمِنْ أَسَالِيبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ: الْمَدْحُ وَالثَّنَاءُ، وَإِطْلَاقُ بَعْضِ الْكَلِمَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَدْحِ وَالْإِطْرَاءِ، وَتِلْكَ الْعِبَارَاتِ الَّتِي ابْتَلَّتْ بِنَدَى الْحُبِّ تَسْقُطُ عَلَى قَلْبِ الطِّفْلِ فَتُنْبِتُ فِيهِ حُبَّ مُرَبِّيهِ، وَالتَّشْمِيرَ إِلَى الْمُهِمَّاتِ الَّتِي يَأْمُرُ بِهَا ذَلِكَ الْمُرَبِّي؛ فَعَنْ نُفَيْعِ بْنِ الْحَارِثِ الثَّقَفِيِّ أَبِي بَكَرَةَ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ مَعَهُ وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً وَعَلَيْهِ مَرَّةً، وَيَقُولُ: "إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَظِيمَتَيْنِ"

ملاعبة الأطفال والتواضع معهم


وَمِنْ أَسَالِيبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ: مُلَاعَبَةُ الْأَطْفَالِ وَالتَّوَاضُعُ لَهُمْ، وَهَذَا يَتَّجِهُ إِلَيْهِ الْمُرَبُّونَ الْكِبَارُ الَّذِينَ يُدْرِكُونَ الْأَثَرَ الْحَسَنَ لِهَذَا الْأُسْلُوبِ فِي تَرْبِيَةِ الطِّفْلِ، فَمَعَ تَعَدُّدِ أَعْمَالِهِمْ، وَكَثْرَةِ انْشِغَالِهِمْ قَدْ جَعَلُوا فُسْحَةً لِلَّعِبِ مَعَ أَوْلَادِهِمْ؛ كَيْ يُدْخِلُوا الْمَسَرَّةَ عَلَيْهِمْ، وَيَمْسَحُوا عَنْ نُفُوسِهِمْ غُبَارَ أَكْدَارِ الْحَيَاةِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْلَعُ لِسَانَهُ لِلْحُسَيْنِ، فَيَرَى الصَّبِيُّ حُمْرَةَ لِسَانِهِ فَيَهِشُّ إِلَيْهِ

حسن نداء الأطفال


وَمِنْ أَسَالِيبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ: حُسْنُ النِّدَاءِ لِلطِّفْلِ، وَهَذَا الْأُسْلُوبُ لَهُ أَثَرٌ كَبِيرٌ عَلَى نَفْسِيَّةِ الطِّفْلِ، فَمِنَ النِّدَاءَاتِ مَا يُشْعِرُ الطِّفْلَ بِرَحْمَةِ مُنَادِيهِ، وَمِنْهَا مَا يُشْعِرُهُ بِعَطْفِهِ عَلَيْهِ وَحُبِّهِ لَهُ، وَمِنْهَا مَا يَغْرِسُ فِي نَفْسِهِ أَنَّ لَهُ مَكَانَةً عَالِيَةً فِي نَفْسِ مُخَاطِبِهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا تَحْمِلُهُ النِّدَاءَاتُ الْحَسَنَةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبَوَيْنِ أَوِ الْمُرَبِّينَ؛ فَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُنَوِّعُ عِنْدَ نِدَائِهِ عَلَى الْأَطْفَالِ بِعِدَّةِ أَلْفَاظٍ؛ لِإِثَارَةِ انْتِبَاهِهِمْ؛ فَتَارَةً يُخَاطِبُ الطِّفْلَ بِكُنْيَتِهِ فَيُدَاعِبُهُ بِقَوْلِهِ: "يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟"، وَتَارَةً يُخَاطِبُهُ بِطُفُولَتِهِ فَيُنَادِيهِ: "يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ.."، "يَا غُلَامُ، سَمِّ اللهَ تَعَالَى، وَكُلْ بِيَمِينِكَ..".

الممارسة الفعلية أمام ناظري الطفل


وَمِنْ أَسَالِيبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ: الْمُمَارَسَةُ الْفِعْلِيَّةُ أَمَامَ نَاظِرَيِ الطِّفْلِ؛ حَتَّى يَعْتَمِدَ عَلَى مَا رَأَى فِي مُسْتَقْبَلِ أَمْرِهِ، فَمَنْ رَأَى لَيْسَ كَمَنْ سَمِعَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ بِغُلاَمٍ وَهُوَ يَسْلُخُ شَاةً، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "تَنَحَّ حَتَّى أُرِيَكَ" فَأَدْخَلَ يَدَهُ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ، فَدَحَسَ بِهَا حَتَّى تَوَارَتْ إِلَى الإِبْطِ، ثُمَّ مَضَى ..".

تأديب الطفل


وَمِنْ أَسَالِيبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تَرْبِيَتِهِ لِلْأَطْفَالِ: أُسْلُوبُ التَّأْدِيبِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كُنْتُ غُلَامًا فِي حِجْرِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ؛ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَا غُلَامُ، سَمِّ اللهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ" قال: فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طُعْمَتِي بَعْدُ"

وَمِنْ صُوَرِ تَأْدِيبِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْأَطْفَالِ: التَّأْدِيبُ بِالتَّخْوِيفِ؛ فَزَرْعُ هَيْبَةِ الْمُرَبِّي فِي نَفْسِ الطِّفْلِ مِنْ غَيْرِ إِرْعَابٍ لَهُ دَوْرٌ كَبِيرٌ فِي التَّقْوِيمِ وَالتَّرْبِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ بِتَعْلِيقِ السَّوْطِ فِي الْبَيْتِ"

وَمِنَ الصُّوَرِ كَذَلِكَ: التَّأْدِيبُ بِالْعِقَابِ الْعَمَلِيِّ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ، لَكِنْ عَلَى الْمُرَبِّي أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ التَّأْدِيبِ إِنَّمَا هُوَ كَالدَّوَاءِ، وَلَيْسَ انْتِقَامًا وَلَا تَشَفِّيًا؛ فَلِذَلِكَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْذَرَ الْإِفْرَاطَ وَالْإِضْرَارَ وَالزِّيَادَةَ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تَأْدِيبِ الطِّفْلِ عَلَى تَرْكِهِ لِلصَّلَاةِ: "..وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ.." . وكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ"، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:" إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَّقِ الْوَجْهَ".

وَمِنْ صُوَرِ تَأْدِيبِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْأَطْفَالِ: التَّأْدِيبُ بِالْكَلَامِ، وَالتَّأْدِيبُ بِالْكَلَامِ قَدْ يَكُونُ بِالنَّهْرِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالتَّحْذِيرِ مِنَ الْقُرْبِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمَكْرُوهَةِ، وَالزَّجْرِ مِنْ تَنَاوُلِهَا، وَهَذَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- كَمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كِخْ كِخْ"، لِيَطْرَحَهَا، ثُمَّ قَالَ:" أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ".

فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ تَأَمَّلُوا فِي هَذِهِ الْأَسَالِيبِ النَّبَوِيَّةِ الرَّائِعَةِ، وَرَبُّوا عَلَيْهَا أَطْفَالَكُمْ، وَسِيرُوا عَلَى مِنْوَالِهَا فِي تَقْوِيمِ أَوْلَادِكُمْ؛ فَإِنَّهَا نِعْمَ الطَّرِيقُ إِلَى صَلَاحِ الْأَبْنَاءِ وَالْبَنَاتِ، وَرَاحَةِ الآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ.

لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية