شرح حديث -ألا أدلكم على ما يمحوا الله به الخطايا-

شرح حديث -ألا أدلكم على ما يمحوا الله به الخطايا-
الفئة: أحاديث

شرح حديث "ألا أدلكم على ما يمحوا الله به الخطايا"


خطورة تزيين الشيطان للعمل السيئ


لما استكبر إبليس لعنه الله عن أمر الله في السجود، وذكر الله مآله ومآل أتباعه، سلك مسالك عديدة لغواية الإنسان، فقال: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأََقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾[الأعرَاف: 16-17]، ولا يزال الشيطان في تزيين العمل السيئ، حتى يوبقَ صاحبَه مزالقَ الردى والرذيلة.

مما يرفع درجات المسلم ويكفر سيئاته


ونصوص الشريعة تدل على رفعة درجات المسلم وتكفير سيئاته، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في خبر ألقاه على مسامع الصحابة -رضي الله عنهم-: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الله الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط"

ساق النبي -صلى الله عليه وسلم- بداية الحديث على سبيل الاستفهام من أجل أن يتنبه السامع لما يُلقى إليه؛ لأن الأمر مهم، ومثله حديث: "أتدرون ما المفلس؟" قالوا: المفلس فينا مَن لا درهم له ولا متاع، فقال: "إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا"

في قوله -عليه السلام-: "ألا أدلكم"، فيه بشارات من النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمته في دلالتهم على رفع درجاتهم، والحط عن سيئاتهم، وهي من الأخبار الغيبية المتعلقة باليوم الآخر التي أطلع الله نبيّه -صلى الله عليه وسلم- عليها.

وفي قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الله الدرجات" قال القاضي عياض -رحمه الله-: "محو الخطايا كناية عن غفرانها، ويحتمل محوها من كتاب الحفظة، وأما رفع الدرجات فهو إعلاء المنازل في الجنة".

ثلاث عبادات بدنية في الحديث


وفي هذا الحديث ثلاث عبادات بدنية:

أولها: "إسباغ الوضوء على المكاره" دلّ القرآن الكريم على أن الوضوء مُكفّرٌ للذنوب، كما في قوله -عز وجل-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ إلى قوله: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾[المَائدة: 6].

ففي قوله: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾، يشمل طهارةَ ظاهرِ البدنِ بالماء، وطهارةَ الباطنِ من الذنوب والخطايا، وإتمام النعمة إنما تحصل بمغفرة الذنوب، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه، خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يديه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقيًا من الذنوب"

و"إسباغ الوضوء على المكاره" هو إتمام الوضوء باستيعاب جميع الأعضاء بالغسل والمسح في أيام الشتاء لصلاة النافلة؛ لأن الماء يكون فيها بارد، وتحصل بذلك المشقة على النفس، فإذا فعل ذلك دلَّ هذا على كمال الإيمان، فيرفع الله بذلك الدرجات، ويحط الخطيئات، وإذا توفر الماء الدافئ فالأولى استخدامه، وقد ورد في فضل الوضوء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من مسلم يتوضأ فيحسن وُضوءه، يقوم فيصلى ركعتين مقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة"، وإذا قال العبد عند فراغه من الوضوء أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله "إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء"

والعبادة الثانية في الحديث: "كثرة الخطا إلى المساجد" فيه أهمية أداء الصلاة جماعة في المساجد، ولذا حرص الصحابة -رضي الله عنهم- على أدائها، قال أُبي بن كعب -رضي الله عنه-: "كان رجل من الأنصار لا أعلم أحدًا أبعد من المسجد منه، وكانت لا تُخْطِؤه صلاة، فقيل: لو اشتريت حمارًا تركبه في الظلماء وفي الرمضاء، قال: ما يسرني أن منزلي جنب المسجد، إني أريد أن يُكتب لي ممشاي إلي المسجد، ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "قد جمع الله لك ذلك كلَّه"

ولما أراد بنو سَلِمة القرب من مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- بلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "بني سَلِمة! ديارَكم تكتب آثارُكم، ديارَكم تكتب آثارُكم"

وكثرة الخُطا سبب لتكفير الذنوب، ورفعةِ الدرجات، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من تطهّر في بيته، ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطوتاه: إحداهما تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة". وفي الصحيحين "وكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة".

الوصية الأخيرة من هذا الحديث العظيم: "انتظار الصلاة بعد الصلاة"، فالمنتظر للصلاة يدل على محبته لها، وشوقه إلى أدائها، فكلما فرغ من صلاة، إذا بقلبه متعلق بالصلاة التي تليها ينتظرها، وورد من السبعة الذين يظلهم الله في ظله: "رجل قلبه معلق بالمساجد"، وسواء انتظر الصلاة قبلها، أو بعدها، فهو في صلاة.

أما قبلها فقال أنس -رضي الله عنه-: لما أخّر النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة العشاء الآخرة، ثم خرج فصلى بهم، قال لهم: "إنكم لم تزالوا في صلاةٍ ما انتظرتم الصلاة"

وفيهما أيضًا عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه ما لم يُحْدث، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، لا يزال أحدكم في صلاة، ما دامت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة".

وأما بعدها: فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "منتظر الصلاة بعد الصلاة كفارسٍ اشتد به فرسه في سبيل الله على كَشْحِهِ، تُصلي عليه ملائكة الله ما لم يُحْدث أو يقوم، وهو في الرباط الأكبر"

وانتظار الصلاة فيه من الخيرات العميمة المتتابعة، من الجلوس لذكر الله المطلق، أو بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، وتلاوةِ القرآن الكريم، وسماعِ مجالس العلم؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يقعد قوم يذكرون الله -عز وجل- إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده"

ومن الخيرات إدراك الصلاة المنتظرة، والترديد مع المؤذن، والدعاء بين الأذان والإقامة، وصلاة النافلة بين الأذانين، وحيازة الصف الأول، والقرب من الإمام، وإدراك تكبيرة الإحرام.

وفي نهاية الحديث ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم-، قوله: "فذلكم الرباط"، وفي الموطأ تكرار "فذلكم الرباط" ثلاث مرات، وتكراره -صلى الله عليه وسلم- للاهتمام به، وتعظيم شأنه.

وأصل الرباط: الإقامة على جهاد العدو بالحرب، وارتباط الخيل وإعدادها، فشبه المواظبَ على الطهارة والعبادةِ كالجهاد في سبيل الله، وقيل: إن الرباط: اسم لما يربط به الشيء، بمعنى أن هذه الأعمالَ تربط صاحبها عن المعاصي وتكفه عنها.

فإذا توضأ بإسباغ الوضوء على المكاره، وخطا إلى المسجد، وانتظر الصلاة، فإنه سيكون مقبلاً على عبادةٍ أمَرَ بها مولاه، قال سلمان الفارسي -رضي الله عنه- في الوضوءِ: إنه يكفر الجراحات الصغار، والمشي إلى المساجد يُكفِّر أكبرَ من ذلك، والصلاة تُكفِّر أكبرَ من ذلك.

وإذا كان هذا الثواب العظيم، والأجر الجزيل للأعمال الثلاثة في هذا الحديث، والتي تؤدي قبل الصلاة، فما بالكم بثواب الصلاة نفسها؟.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "والمحافظ على الصلاة أقرب إلى الرحمة ممن لم يصلها ولو فعل ما فعل".

أكثر من الصلاة على النبي يكفيك الله ما أهمك من دنياك وآخرتك
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
0

إقرأ المزيد :




الفئة: أحاديث
عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية