عدل النبي صلى الله عليه وسلم

عدل النبي صلى الله عليه وسلم

عدل النبي صلى الله عليه وسلم (خطبة)


أما بعد:
فسنعيش اليوم أيها الأحبة مع عدل النبي صلى الله عليه وسلم في حق ربه ومع أصحابه ومع نسائه وحتى مع أعدائه، لقد عدل النبي صلوات الله تعالى عليه في الغضب والرضا، ولم يظلِم يومًا أحدًا، إنه عدل مَن بعثَه الله تعالى؛ ليُخرج العباد من ظُلم الأديان إلى عدل الإسلام، ومن عبادة الأوثان إلى عبادة الواحد الديَّان، إنه عدلُ مَن نصَر المظلومين قبل بَعثته، فشهِد حلف الفضول في نصرة المظلومين، وأخذ يُثني عليه بعد النبوة، ويقول: لقد شهِدت في دار ابن جدعان حلف الفضول في نصرة المظلوم، لو دُعيت إلى مثله في الإسلام لأجبتُ؛ فعن عبدالرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "شهِدتُ مع عمومتي حلف المطيبين، فما أحب أن أنكُثَه وأن لي حُمر النَّعَم"[صحيح الأدب المفرد للألباني الجزء 1 صفحة رقم 223.].

إنه عدل من أقسم أن يطبِّق العدل مع أبنائه إن هم فرَّطوا في حق الله، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا»[صحيح البخاري الجزء 4 حديث رقم 3475.]،

إنه عدل من قام بالعدل بين الناس جميعًا، فلم يظلم أحدًا، ولم يشهد يومًا على ظلم وجَور، فلما خصَّ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ أحد أبنائه بهبة وعطية دون إخوته، وأراد أن يشهد النبي على ذلك، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا بَشِيرُ، أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟»، قَالَ نَعَمْ، فَقَالَ: «أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟»، قَالَ: لاَ، قَالَ: «فَلاَ تُشْهِدْنِي إِذًا فَإِنِّي لاَ أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ»[صحيح مسلم الجزء 5 حديث رقم 4269.]، ثم أطلقها رسول الله صريحةً: "اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلادِكُمْ"، إنه عدل من أخبرنا وهو الصادق الذي لا ينطق عن الهوى؛ كما في صحيح مسلم من حَدِيثِ زُهَيْرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا».

عدَل النبي صلى الله عليه وسلم في حق ربه، فقام بمقام العبودية لله كما ينبغي، يقوم على خدمة أهله حتى إذا جاء وقت الصلاة مضى وكأنه لا يعرفهم، وهو القائل صلى الله عليه وسلم «وجُعِلَتْ قرة عيني في الصلاة»[النسائي 7/ 61، وأحمد 3/ 128، وانظر: صحيح النسائي 3/ 827.]، ما نام النبي عن صلاة الفجر في حياته إلا ليلة واحدة أمر بلالًا أن يكلأ لهم الفجر، فناموا فَمَا أَيْقَظَهُمْ إِلاَّ حَرُّ الشَّمْسِ، ما تخلف عن صلاة الجماعة إلا في مرض الموت، تنام عينه وقلبه يقظان متعلق بربه، يتابع الصيام في الأيام الحارة وهو على سفر؛ عَنْ أَبِي الدرداء رضي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فِي يَوْمٍ حَارٍّ حَتَّى يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ، وَمَا فِينَا صَائِمٌ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنِ رَوَاحَةَ"[صحيح البخاري الجزء 3 حديث رقم 1945.]، كان يواصل الصيام اليومين والثلاثة، وينهى عن الوصال، وبيَّن أنه صلى الله عليه وسلم ليس كأُمَّته؛ فإنه يبيت عند ربه يُطعمه ويسقيه"[البخاري برقم 1961 - 1964 ومسلم برقم 1102 - 1103].

ويختلي صلى الله عليه وسلم بربه في ظلمات الليالي، مناجيًا ربَّه، باكيًا من خشيته، منتصبًا قائمًا حتى تتورَّم قدماه؛ ثبت في صحيح ابن حبان عن عطاء قال: دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة، قال ابن عمير: أخبرينا بأعجب شيء رأيتِه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فسكتت، ثم قالت: لَمَّا كان ليلة من الليالي، قال: يا عائشة، ذريني أتعبَّد الليلة لربي، قلت: والله إني لأحبُّ قربك وأحبَّ ما سرَّك، قالت: فقام فتطهَّر، ثم قام يصلي، قالت: فلم يزل يبكي حتى بلَّ حِجره، قالت: ثم بكى، فلم يزل يبكي حتى بلَّ لِحيته، قالت: ثم بكى، فلم يزل يبكي حتى بلَّ الأرض، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي، قال: يا رسول الله، لِمَ تبكي وقد غفَر الله لك ما تقدَّم وما تأخَّر، قال: أفلا أكون عبدًا شكورًا، لقد نزلت عليَّ الليلة آية، ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 190][حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم 1468.]، وكان ورده من الصلاة كل يوم وليلة أكثر من أربعين ركعة منها الفرائض سبع عشر ركعة[كتاب الصلاة لابن القيم ص 140.].

قام مجاهدًا في سبيل الله وأوذي في الله، وابْتُلي وتحمَّل ما لا يتحمَّله بشرٌ، ولسان حاله: يا رب، إن لم يكن بك عليَّ غضبٌ، فلا أبالي، نشر الدين في الجزيرة العربية، وأخذ يقاتل في سبيل الله مَن كفر به؛ حتى لا يُعبَدَ أحدٌ في الأرض غير الله تعالى، فصلى عليه ربُّنا وسلم ما زيَّنت النجوم وجهَ السماء.

عدل النبي صلى الله عليه وسلم مع الناس:

أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالعدل بين الناس؛ كما قال جل جلاله: ﴿ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ﴾ [الشورى: 15]، فبالعدل تصلُح أمور الناس، وتستقيم أمورهم، وتَطيب نفوسهم، وتزول ضغائنهم، وقف النبي عليه الصلاة والسلام في بدر بين الصفوف يعدِلها بقضيب في يده، فمرَّ بِسَوَادِ بنِ غَزِية حليف بني النجار وهو خارج من الصف، فضرَبه بالقضيب في بطنه وقالَ: «استقِم يا سَوَادْ»، فقال: أوجعتني يا رسول الله وقد بُعثتَ بالحق والعدل، فَأَقِدْني من نفسك، فكشف الرسول عليه الصلاة والسلام عن بطنه، وقال: «استقِد يا سواد»، فاعتنقه سواد وقبَّل بطنه، فقال عليه الصلاة والسلام: «ما حملك على ذلك؟»، فقال: يا رسول الله، قد حضر ما ترى من الجهاد، فأردتُ أن يكون آخر العهد أن يمسَّ جِلْدِي جِلدَك، فدعا له بخير"[حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة الجزء 6 حديث رقم 2835.] وفي عام الفتح سنة ثمان من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة تعلوه السكينة، عزيزًا منتصرًا، دخل صلوات الله وسلامه عليه المسجد الحرام، ثم أخذ مفتاح الكعبة من عثمان بن طلحة، ثم (جلَسَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في المسجدِ، فقام إليه عليُّ بنُ أبي طالبٍ ومِفتاحُ الكعبةِ في يدِه، فقال: يا رسولَ اللهِ، اجمَعْ لنا الحِجابةَ مع السِّقايةِ، صلَّى اللهُ عليكَ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أين عُثمانُ بنُ طَلْحةَ؟ فدُعِيَ له، فقال له: هاكَ مِفْتاحُكَ يا عُثمانُ، اليومُ يومُ وفاءٍ وبِرٍّ)، والحديث أشار الشيخ أحمد شاكر إلى صحته.

ولَمَّا ارتفع السعر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وطلب الناس منه أن يحدِّد الأسعار، خاف أن يقع ظلمٌ على التجار، فيَبخَسهم أموالهم، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: غَلَا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ سَعَّرْتَ، فَقَالَ: "إِنَّ اللهَ هُوَ الْخَالِقُ الْقَابِضُ، الْبَاسِطُ الرَّازِقُ، الْمُسَعِّرُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللهَ وَلَا يَطْلُبُنِي أَحَدٌ بِمَظْلَمَةٍ ظَلَمْتُهَا إِيَّاهُ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ"[صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير الجزء 1 حديث رقم 1846.]، ومن روائع عدله صلى الله عليه وسلم أنه نفَح أحد الناس في غزوة حنين بسوط في يده، فأعطاه النبي ثمانين نعجة بهذه الضربة، فعن عَبْداللَّهِ بْن أَبِي بَكْرٍ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ، قَالَ: زَحَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ وَفِى رِجْلِي نَعْلٌ كَثِيفَةٌ، فَوَطِئْتُ بِهَا عَلَى رِجْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَنَفَحَنِي نَفْحَةً بِسَوْطٍ فِي يَدِهِ وَقَالَ: «بِسْمِ اللَّهِ أَوْجَعْتَنِي»، قَالَ: فَبِتُّ لِنَفْسِي لاَئِمًا، أَقُولُ: أَوْجَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَبِتُّ بِلَيْلَةٍ كَمَا يَعْلَمُ اللَّهُ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذَا رَجُلٌ يَقُولُ: أَيْنَ فُلاَنٌ، قَالَ: قُلْتُ: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي كَانَ مِنِّى بِالأَمْسِ، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مُتَخَوِّفٌ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ: «إِنَّكَ وَطِئْتَ بِنَعْلِكَ عَلَى رِجْلِي بِالأَمْسِ فَأَوْجَعْتَنِي، فَنَفَحْتُكَ نَفْحَةً بِالسَّوْطِ، فَهَذِهِ ثَمَانُونَ نَعْجَةً فَخُذْهَا بِهَا»[صححه الألباني في السلسلة الصحيحة في الجزء 7 حديث رقم 3043.].

عدله صلى الله عليه وسلم مع أهله ونسائه: ومن ذلك ما ورد في صحيح البخاري عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتْ التي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ، فَسَقَطَتْ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ، وَيَقُولُ: غَارَتْ أُمُّكُمْ ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ، حَتَّى أُتِىَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ التي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى التي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ.

عدله صلى الله عليه وسلم مع أعدائه:


قام النبي صلى الله عليه سلم بالعدل حتى مع من ناصبوه العداء، وأرادوا حبسه، وأخرَجوه من بلده مكة، وحاولوا قتله مرات ومرات، لكنه ما انتقم لنفسه قط، صلى عليه ربنا وسلم ما دار في السماء فلك، وما سبَّح في الملكوت ملك، عَنْ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ أَنَّهُ كَانَ ليهودي عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ، فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ رَسُولَ اللهِ-صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إنَّ لي عَلَى هَذَا أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ وَقَدْ غلبني عَلَيْهَا، فَقَالَ: «أَعْطِهِ حَقَّهُ»، قَالَ: وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهَا، قَالَ: «أَعْطِهِ حَقَّهُ»، قَالَ: والذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهَا، قَدْ أَخْبَرْتُهُ أَنَّكَ تَبْعَثُنَا إلَى خَيْبَرَ، فَأَرْجُو أَنْ يُغَنِّمنَا الله شَيْئًا فَأَرْجِعُ فَأَقْضِيَهُ، قَالَ: «أُعْطِهِ حَقَّهُ»، قَالَ: وَكَانَ النبي إذَا قَالَ ثَلاثًا لَمْ يُرَاجَعْ، فَخَرَجَ بِهِ ابْنُ أَبي حَدْرَدٍ إلَى السُّوقِ وَعَلَى رَأْسِهِ عِصَابَةٌ وَهُوَ مُتَّزِرٌ بِبُرْدَةٍ، فَنَزَعَ الْعِمَامَةَ عَنْ رَأْسِهِ فَاتَّزَرَ بِهَا، وَنَزَعَ الْبُرْدَةَ ثُمَّ قَالَ: اشْتَرِ مِنِّي هَذِهِ الْبُرْدَةَ، فَبَاعَهَا مِنْهُ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ، فَمَرَّتْ عَجُوزٌ فَقَالَتْ: مَا لَكَ يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخْبَرَهَا، فَقَالَتْ: هَا دُونَكَ هَذَا الْبُرْدَ عَلَيْهَا طَرَحَتْهُ عَلَيْهِ.." [مسند أحمد ط الرسالة الجزء 24 حديث رقم 15489.]، ووصى النبي بالمعاهدين في بلاد المسلمين من اليهود والنصارى، وحذَّر من ظلمهم في سنن أبي داود بسند صححه الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"[صححه الألباني في السلسلة الصحيحة في الجزء 1 حديث رقم 445.]، وهو القائل: «أَلاَ وَمَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ رِيحَ الْجَنَّةِ وَإِنْ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ خَرِيفًا»[حسنه الألباني في غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام الجزء 1 حدث رقم 471.].

الخطبة الثانية

عباد الله، لقد عدل النبي صلى الله علية وسلم في جميع أموره، حتى في قضائه، فمِن عدل النبي صلى الله عليه وسلم في القضاء: عن عَنْ أُمِّ سَلَمَة عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا، فَلَا يَأْخُذْ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ"[صحيح البخاري الجزء 9 حديث رقم 6967.].

عباد الله، لقد علِمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العدل، فعلَّمنا أن نتقي الله ونعدل بين أولادنا، وألا نخصَّ أحدٌ الأبناء بعطية دون آخر؛ لأن هذا من الظلم والجَور، وألا نحرم النساء والضعفاء من الميراث الذي هو حقُّ الله لهم، وعلَّمنا أن من قضى بين الناس لا بد أن يعدِل، وتوعَّد مَن ظلَم الناس وأكَل حقوقهم، واستباح دماءهم، وعلَّمنا رسول الله أن نعدِل بين النساء، أما المودة القلبية، فهذا لا يَملِكه أحدٌ، وعلَّمنا أن نتحلل من المظالم قبل أن يأتي يوم لا مردَّ له من الله، هذا وصلى الله وسلم علي الهادي البشير والسراج المنير...

لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية