في اللباس فيما يحل منه وما يحرم

في اللباس فيما يحل منه وما يحرم

اللبس الحلال والحرام


نعمة اللباس والزينة


امتن الله على عباده بأن أوجد لهم لباساً يسترون به عوراتهم، ويجملون به ظاهر هيئاتهم، وذكرهم لباساً أحسن منه وهو لباس التقوى، الذي يجمل ظاهرهم وباطنهم في الدنيا والأخرى، ولباس التقوى هو الإيمان، الذي يجعل المرء يتقي ربه فيلازم طاعته، ويبتعد عن معصيته، ويستعين بنعمه على تحقيق مرضاته، ويحذر أن تكون ذريعة إلى تعدي حدوده وانتهاك حرماته، وتقوى الله سبب لسعة الرزق، ويسر الأمر، وتكفير السيئة، وعظم الأجر، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ [الطلاق:2-3]. وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا * ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا﴾ [الطلاق:4-5]. فاتقوا الله في جميع أموركم، واعملوا له شكراً، واتقوه في ملابسكم، لا تكسبوا بها وزراً.

الأصل في اللباس والزينة الحل


إن هذا اللباس بجميع أصنافه وأشكاله من الزينة التي أخرجها الله وأباحها لعباده، ولقد أنكر -سبحانه- على من حرم شيئاً منها دون برهان، أو تجاوز منها ما جاء به الشرع في شأنها من بيان؛ كما قال -سبحانه- في ذكره المصون: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف:32].

فأضاف -سبحانه- الزينة إليه امتناناً علينا بنعمته، وتنبيها لنا أن نتقيد فيها بأحكام شريعته؛ فلا نتحكم فيها بتحليل أو تحريم، أو نستعملها فيما يخالف الشرع الحكيم ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة:229].

إن الأصل في اللباس الإباحة؛ فإنه داخل في عموم قوله: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ﴾ [البقرة:29]. فكله حِلٌّ لنا إلاَّ ما قام الدليل من الشرع على تحريمه، ولهذا كان المحرم من اللباس قليلاً بالنسبة للحلال؛ عطاءً من ذي الفضل والجلال، وعطاؤه -سبحانه- أوسع من منعه، وهو -تعالى- لا يمنع عباده من شيء إلا لحكمة بالغة، ومصلحة جامعة؛ فإنه ذو الرحمة الواسعة.

ضوابط من المحرم في اللباس والزينة


هناك ضوابط توضح المحرم من اللباس، ينبغي أن يعلمها جميع الناس، وأن يسألوا أهل العلم عما أشكل عليهم أمره حتى يزول الالتباس.

أحدها: ما فيه تشبه بالكفار، كالزي الخاص بهم، أو ما فيه لهم إشارة أو شعار، فإن تحريم التشبه بالكفار في اللباس من الأصول المهمة، التي توافرت بشأنها الأدلة، واشتهر عند سائر الأمة، فكل لباس يختص بالكفار لا يلبسه غيرهم، فلا يجوز للمسلم رجلاً كان أو امرأة لبسه، سواء كان لباساً شاملاً للجسم كله أو لعضو منه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم" فإن التشبه بهم يقتضي شعور المتشبِّه بأنهم أعلى منه، فيُعجب بصنيعهم ويُفتن بمشاكلتهم، حتى يجره ذلك إلى اتباعهم في العقائد والأعمال والعوائد والأحوال. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في قوله صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم: "أقل أحوال هذا الحديث التحريم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم".

الثاني: ما يظهر العورة لضيقه أو شفافيته أو قصره؛ فإن الله سبحانه امتن علينا باللباس الذي من فوائده ستر العورة وأخذ الزينة، إذ يقول: ﴿يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ﴾ أي: ليستر عوراتكم. (وَرِيشًا) [الأعراف:26]. أي: زينة. فإذا كان اللباس لا يستر العورة فإنه لا يتحقق به التمتع بالمنة ولا التجمل بالزينة، فيجب على الرجال والنساء كل بحسبه ستر عوراتهم، والستر لا يقصد به تغطية البشرة فقط، بل يتعداه إلى تغطية الأعضاء المحكوم شرعاً بأنها عورة لا بد من سترها عن أنظار الناس، سواء منها ما يختص بالصلاة بحيث يكون اللباس واسعاً -نسبيًّا- سميكاً سابغاً، فلا ينحسر عن العورة، ولا يصفها لضيقه أو صفاقته أو شفافيته، قال تعالى: ﴿يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف:31].

فالزينة هي اللباس، والمراد بالمسجد الصلاة، فأمر -سبحانه- العباد أن يلبسوا أحسن ثيابهم وأجملها في الصلاة؛ للوقوف بين يديه، ومناجاته والتذلل له. والتجمل في اللباس مطلوب من المسلم بما أباح الله له من غير إسراف ولا تبذير ولا تكبر ولا مخيلة.

الثالث: التشبه من الرجال بالنساء أو العكس؛ فكل لباس يختص بأحد الجنسين سواءً كان شاملاً لجميع الجسم كالقميص ونحوه، أو مختصاً بعضو منه كالسراويل وغطاء الرأس، أو الأطراف كالحذاء والجوارب، في لونه أو هيئته؛ فإنه لا يجوز للجنس الآخر لبسه؛ لما ورد من النصوص الصحيحة الصريحة في وعيد المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبس المرأة، والمرأة تلبس لبس الرجل" فما جرى العرف الذي لا يخالف الشرع عليه بأنه من لباس النساء في نوعه أو لونه أو هيئة تفصيله وخياطته، فلا يجوز للرجال لبسه، وهكذا ما تُعُورِف عليه بأنه من لباس الرجال الخاص بهم، فلا يجوز للنساء لبسه، ولو على سبيل الهزل أو التمثيل في المناسبات؛ حتى لا يتعرض المسلم للعن، وهو الطرد والإبعاد عن رحمة الله، قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "لقد خاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء، وحرم جنة عرضها السماوات والأرض".

فمن راعى الضوابط السابقة، فكان لباسه شرعيًّا لا مخالفة فيه بوجه من الوجوه - فلا حرج عليه أن يختار ثوبه ونحوه مما يحلو له، رجلاً كان أو امرأة بشرط تجنب الشهرة، وليس ثَمَّ مانع أن يكون من الأمة من هم أكثر ورعاً يتحرون الأفضل والأكثر ستراً؛ فإن الحلال بين والحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس، من وقع فيها وقع في الحرام على الدوام.

من الألبسة والزينة المحرمة


إن كثيراً من الناس غرتهم الحياة الدنيا، فخلعوا لباس التقوى، وتساهلوا في الأحكام، واجترؤوا على المعاصي، وتعدوا الحدود، واستحلوا الحرام، ومن ذلك التقصير في الواجب من اللباس، أو الإنفاق على لبسة محرمة يعلم تحريمها أكثر الناس؛ فمن الناس من يتساهل في ستر الواجب من العورة في الصلاة، فإن عورة الرجل من السرة إلى الركبة، والمرأة كلها عورة في الصلاة إلا وجهها إذا لم يكن عندها رجال أجانب.

وقد ابتلي الناس في هذا الزمان بملابس خفيفة لا تستر العورة، وقل من يحتاط منهم لدينه وصلاته، فتجد بعضهم يصلي في ثوب شفاف تحته ملابس داخلية تنحسر عن أسفل ظهره إذا ركع أو سجد، وكذلك سراويل تقصر عن الركبة فيظهر شيء من عورته يخل بصلاته وهو لا يشعر، فلا بد للمسلم في هذا الزمان أن يكون ثوبه ساتراً، أو تكون ملابسه الداخلية طويلة سابغة؛ حتى لا يظهر ما أسفل سرته أو فوق ركبته؛ فإن من صلى بثوب خفيف يُرَى من ورائه لون الجلد فلا صلاة له. وكلما كان اللباس أكمل في هيئته وسترته وحاله فهو أفضل، حتى قال أهل العلم: إن الأفضل أن يصلي المرء ساتراً رأسه؛ فإن الله أحق أن يُتجمل له.

ومن اللباس المحرم على الرجال خاصة:

ما كان أسفل من الكعبين، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إزرة المسلم إلى نصف ساقه ولا حرج عليه فيما بينه وبين الكعبين، وما كان أسفل من ذلك –الكعبين- فهو في النار، ومن جر ثوبه -إزاره- بطراً لم ينظر إليه يوم القيامة". فلا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسبل شيئاً من ثيابه أسفل من الكعبين. قال ابن عمر رضي الله عنهما: "ما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الإزار فهو في القميص". قلت: وكذلك السراويل والعباءة والبشوت ونحوها، فقد توعد النبي صلى الله عليه وسلم المسبل بالنار، ولا وعيد إلا على فعل محرم وكبيرة من الكبائر.

وفي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، قالها ثلاثاً، فقال أبو ذر: خابوا وخسروا. من هم يا رسول الله؟ قال: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب" ودخل غلام من الأنصار على عمر رضي الله عنه حين طعن يثني عليه ويهنئه بالشهادة، فلما أدبر إذا إزاره يمس الأرض، فقال: "ردوا عليَّ الغلام، فردوه عليه، فقال: يا ابن أخي! ارفع ثوبك؛ فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك".

ومن الألبسة المحرمة:

ما شاع عند عامة الناس اليوم؛ حيث يُلبسون بناتهم ونساءهم لباساً قصيراً أو شفافاً يصف اللون، أو ضيقاً يبين تقاطيع الجسم وحجم الأعضاء، وهذا هو لباس أهل الناس كما بيَّن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم حيث ذكر أحد أصناف أهل النار، فقال: "نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا".

فإن هذا من شر اللباس، فإنه يعري المرأة من الحياء، ويجعلها فاتنة مفتونة، وهو من عادات الضلال من اليهود والنصارى وعباد الأوثان، فاتقوا الله عباد الله، وامنعوا نساءكم من لباس أهل النار؛ حتى لا يعتدنه فيصبحن من أهل النار، المحرمة عليهم الجنة وريحها، عياذاً بالله من ذلك.

ومن اللباس المحرم:

الذي فيه صور لذوات الأرواح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة رضي الله عنها فرأى وسادة فيها تصاوير، فقام على الباب ولم يدخل، فعرفت عائشة رضي الله عنها في وجهه الكراهة، فقالت: يا رسول الله! أتوب إلى الله وإلى رسوله، ماذا أذنبت؟ فقال: "إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة فيقال: أحيوا ما خلقتم، ثم قال: إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة".

فلا يجوز لمسلم أو مسلمة أن يلبس ما فيه صور، أو يلبسه ولده من ذكر أو أنثى، وكذلك ما فيه التصاليب، إلا أن يكون ممتهناً، ولا تحل الصلاة فيه، فمن صلى بثوب فيه صورة فلا صلاة له، إلا إن كان لا يدري، وهكذا كل من صلى في ثوب محرم فلا صلاة له، بل يجب طمس الصور بحيث لا تبقى معه الروح، فإن كانت الصورة مجسدة قطع رأسها، وإن كانت نقشاً طمس بصبغ أو تطريز، ففي صحيح مسلم عن علي رضي الله عنه قال لأبي الهياج الأسدي: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أن لا تدع تمثالاً -وفي لفظ: صورة- إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته".

ومن اللباس المحرم:

مشاركة بعض الرجال للنساء فيما خصهن به من الزينة كالحلي، فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ حريراً وذهباً، فقال: "هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم" فالحلي زينة للنساء يكمل به خلقهن ويتجملن به لأزواجهن، قال تعالى: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ [الزخرف:18].

فالمرأة ضعيفة تحتاج إلى الزينة. وتجد من الرجال من يتنازل عن رجولته ويهجر ما فيه كماله من شهامة وكرم ونظر فيما يصلح دينه ودنياه، ويشابه النساء بلبس خاتم من ذهب يسمونه الدبلة، أو سلسالاً من ذهب في عنقه كأنها قلادة، أو يجعلون من الذهب أزارير مرصعة في جيوبهم، والذهب محرم على الرجال متوعد عليه بأشد الوعيد، فإن لبس الرجال له من الكبائر. ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى خاتماً من ذهب في يد رجل فنزعه وطرحه، وقال: "يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده". ورأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً آخر في يده خاتم من ذهب فأعرض عنه، وقال: "إنك جئتني في يدك جمرة من نار" وفي مسند أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مات من أمتي وهو يتحلى بالذهب حرم الله عليه لباسه في الجنة".

المرجع :

لا تنس ذكر الله
لا حول ولا قوة إلا بالله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية