أهمية التضامن والتعاون

أهمية التضامن والتعاون

أهمية التضامن والتعاون


أمَّا بعد؛ قال تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103]، تلك آية باهرة، وعِظة بالغة، ونعمة واسعة، آتاها الله هذه الأمَّة فما أوفتْها حقَّها، ولم تقُم بواجب شكْرها، فتفرَّقَت شيعًا وتبدَّدَت فرقًا، فتحطَّم ركنُ مجدها، وانهارت دعائم عزِّها سنَّة الله في الذين عتوا عن أمر ربهم، ﴿ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 62]، هدانا دينُ الإسلام إلى ما فيه حياة الأمم وتقدُّمها، وأرشدَنا الدستور الأعظم إلى ما فيه نهوضُ الشعوب ورقيُّها، ألا وهو التضامُن والاتحاد، بالاتحاد تسمو الأمم ويعتزُّ سلطانها، بالاتحاد يرتفع شأنها وتَقوَى شوكتُها، كم بالاتحاد فُتحت بلاد وشُيِّد عمران، فلتهنأ أمَّة وحَّدت كلمتها، واستمسكتْ بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، وليشْق شعبٌ لعبتْ فيه الأهواء، واستمسكت فيه العداوة والبغضاء، إذ جرَّ على نفسه فشلًا دائمًا وويلًا مستمرًّا، سجَّل على نفسه ذلًّا في الحياة الأولى والحياة الأخرى.

لقد أنبأنا التاريخ، وحدَّثتنا العِبَر، وشاهدْنا كثيرًا مِن الأسَر والأمم، كانت تسبح في بحر نعمة التضامُن، وتستظلُّ تحت سماء فضل الاتحاد، ولما عصفتْ بينها ريح التفرقة والبغضاء تبدَّل عزُّها ذلًّا، وهناؤها شقاء وويلًا...

لِنَسْتَوْحِ العصور الماضية، والأيام السالفة زيادةً في العبرة...

بزغ فجر الإسلام والمسلمون عددٌ قليل وشعبٌ ضعيف، فَلنَرَ كيف دكُّوا صروح الأكاسرة، وحطَّموا عروش القياصرة؟ كيف أَذلُّوا نفوس الجبابرة العاتية؟ بم دانت لهم الأمم وخضعت الشعوب؟

أليس بفصل التآلف؟ أليس بسيف التضامن وقوة الاتحاد والإيثار؟



نعم بذلك بلغوا السماك، وجاوروا الأفلاك؛ لنرجع إلى تاريخ الآباء والأجداد نعلم كيف يكون الاتحاد الحقُّ، والحبُّ الصحيح، كيف يكون العطف والألفة والوفاء.

روى ابن المبارك، عن أبي جهم بن حذيفة، قال: (انطلقتُ يوم اليرموك أطلب ابن عمٍّ لي ومعي شنٌّ مِن ماء، فقلتُ إنْ كان به رمقٌ سقيتُه مِن الماء، ومسحتُ به وجهَه. فإذا به فقلتُ أسقيك؟ فأشار نعم. وإذا رجلٌ بجنبه يقول: آه، فأشار ابن عمِّي أنِ انطلقْ إليه! فإذا هو هشام بن العاص رضي الله عنه، فأتيتُه، فقلتُ أسقيك؟ فسمع آخر يقول: آه! فأشار هشام أن انطلق إليه، فجئتُ فإذا هو قد مات، فرجعتُ إلى هشام وإذا هو قد مات، وأتيتُ ابن عمِّي وإذا هو قد مات رحمهم الله جميعًا).

نبِّئوني معشرَ المسلمين! أيُّ قلب لا ينتعش، وأيُّ عاطفة لا تتحرَّك، وأيُّ قاسٍ لا يلين، لمثل هذا الإحساس الطاهر، والإيثار العظيم، والحبِّ المتمكن من أعماق قلوب المؤمنين؟ بهذا الحبِّ الصادق، والإيثار العظيم، بذاك الاتحاد، أَدرَكوا معاليَ الأمور، وكان لهم سلطان قاهر، فآووا إلى كنف عزٍّ غالب ثابت، حتى أصبحوا حكَّامًا على العالمين يملكون الأمور على مَن كان يملكها عليهم، ويُمضون الأحكام فيمَن كان يُمضيها فيهم. فأين نحن اليوم؟ ماتت فينا تلك العواطف الدِّينية. كيف فُقد منَّا هذا الشعور الإسلامي؟ كان عمر بن الخطاب إذا سمع بأقل مصابٍ حلَّ بأحد المسلمين في مشارق الأرض أو مغاربها، يأتي التراب ويمرِّغ وجهه قائلًا: (واخجلتاه واعمراه! أيُصاب فلان بكذا وكذا من الضُّرِّ وأنتَ غافل عنه! ليت أمِّي لم تلدْني)، ثم يبكي بكاءً حارًّا يكاد يُغشى عليه، علامَ نحن تُطالعنا الأخبار كلَّ يوم عن قُطر من أقطار الإسلام، يصيح فَرَقًا مِن جور الظالمين، ويستغيث مِن كيد الخائنين وعسف المستعمرين، فلا نتألم لألمهم، ولا نبكي لبكائهم؟ ألسْنا مؤمنين، ألسْنا مسلمين! لم تقطع بيننا حبْل الاتحاد والتضامن والتحابِّ؟ علامَ تناكرَت منا القلوب، وتنافرَت الأنفُس، فلا يهتمُّ أحدٌ لأحد، ولا يتوجَّع أحدٌ لمصاب أحد؟ اللهمَّ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

أيها المسلمون:

كلُّكم يدَّعي الإسلام الصحيح، والحبَّ المخلص لله ولرسوله، أروني برهانًا على ذلك، فإنْ كنتم تحبُّون محمدًا وربَّ محمد، فلم يقول الله لكم: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الإسراء: 53]، فلم لا تدبَّرون هذه الآية، وفي البغضاء والحسد تتمادون؟ ولمَ يقول الله لكم وهو أصدق قائل: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10]، وقد صرتم أنتم أعداء بعضكم لبعض؟ ولمَ يقول لكم منقذ البشر محمد بن عبد الله: ((لا يؤمن أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه))، فغدوتم أنتم تحبُّون لإخوانكم كل ما تكرهون لأنفسكم؟ ولم يقول لكم المصلح الأكبر عليه السلام: ((لن تدخلوا الجَنَّة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابُّوا))، فلا تشعرون بهذا التآلف والتضامن وعن العاقبة غافلون؟ لأمِّنا الويل إذًا! نحن ندَّعي الإسلام قولًا لا فعلًا ﴿ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 3].

قَومي! قَومي!: لا تظنُّوا أن لكم حياة بعد اليوم إلا بالاتحاد، لا تظنُّوا أنها تقوم لكم قائمة، ويرتفع لكم علم إلا بالرجوع إلى كتابكم، وتبادُل الحبِّ الصحيح بينكم. ذمَّتي بما أقول رهينة وأنا به زعيم، لقد تداعتْ عليكم الأمم كما تداعى الأكَلة على قصعتها، وتحيك لكم الشباك كل دويلة وشعب، أصبحتم أمام تيَّارين جارفين: تيَّار الاستعمار الأوربي والاستعمار الصهيوني، فإن لم توحِّدوا كلمتكم، وتساووا صفوفكم، وترجعوا إلى دينكم وقرآنكم؛ لسوف يكسحكم ذانك التيارانِ، فيقضيان عليكم وعلى دينكم وبلادكم قضاء مبرمًا، لا حياة لكم بعده أبدًا، وهناك تدعون ثبورًا فلا تجدون نصيرًا.

أيها المسلمون! أيها الموحِّدون! ولَّت أيام الغفلة والتفرُّق، وهذه أيام التحابِّ والتضامن، كونوا كما كان آباؤكم يدًا واحدة وقلبًا واحدًا، كونوا أمام مَن يريد بكم السوء عَقَبَة كؤودًا، وطودًا شامخًا، كونوا كالبُنيان المرصوص يشدُّ بعضُه بعضًا، هنالك تتولَّد لكم عظَمة هائلة، وقوة ساحقة، تتلاشَى أمامها المصائب هباءً، وتنقطع لها قلوبُ المستعمرين رُعبًا، هنالك تتحطَّم قيود الذُّلِّ والاستعباد، وتبتسم لكم السعادة، ويصافحكم النصر، هنالك يرجع لكم مجد العرب، وعز الإسلام ﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾ [محمد: 7]، ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحج: 40].

قال صلى الله عليه وسلم: «ترى المسلمين في توادِّهم وتراحمهم كالجسم الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ واحدٌ تداعتْ له سائرُ الأعضاء بالسهر والحمَّى».

وقال عليه والصلاة والسلام: «المؤمن للمؤمن كالبُنيان المرصوص يشدُّ بعضُه بعضًا».

لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية