محتويات المقال
من حقوق الطفل في الإسلام
الحمد لله الذي جعل للطفولة من شرعه ميثاقا،وهيأ لها قلوبا غمرها مودة ورأفة ووفاقا، أشهد أن لا إله إلا الله،وحده لا شريك له،أبدع الكون بقدرته،وشمل العباد برحمته، وسوى خلقهم بحكمته، وأشهد أن سيدنا وحبيب قلوبنا محمدا عبده ورسوله،كان خير الناس لأهله،وأجمع العباد لشمله، اللهم بلغه صلاتنا وسلامنا عليه وعلى آله وصحابته، واجزه عنا خير ما جازيت نبيا عن أمته، واجعلنا اللهم من رواد حوضه وأهل شفاعته،.
تنشئة الطفل بين أبوين كريمين
إن الله الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، بث في قلوب خلقه المودة والرحمة، نحو ما يلدون وما ينجبون، وجعل دينه القيم شرائع وأحكاما وهب من خلالها للطفولة حقوقا..لم يعرفها الإنسان من قبل، ولن يصل درجتها من بعد، فشريعة الخالق تأتي كجلاله وكماله في العظمة والكمال؛ لأنه العالم بخلقه، الخبير بما يحتاجون، وبما ينتفعون ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُو اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾..
وهو الذي بيده ملكوت كل شي، وهو المتصرف، وهو المانح والواهب، يقول -جل جلاله- ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَو يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِير﴾ [الشورى 49: 50]
من أجل ذلك اعتنى الإسلام بالطفل، من قبل وجوده؛ فهيأ له أسرة طيبة، تتكون من والد تقي، ووالدة صالحة، فحث رسول الله صلى الله عليه وسلم الزوجة وأهلها بقوله: "إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ" وحث الزوج بقوله صلى الله عليه وسلم -كما جاء في الصحيحين- " فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يداك "، وحث كذلك جميع المسلمين والمسلمات فقال صلى الله عليه وسلم: "اخْتَارُوا لِنُطَفِكُمُ الْمَوَاضِعَ الصَّالِحَةَ "
كل ذلك من أجل تنشئة الطفل بين أبوين كريمين يطبقان شرع الله، ويرسمان الطريق السوية لحياة الأبناء؛ فأول حق للطفل، أن يوفق الله أبويه لحسن اختيار أحدهما للآخر .. فإذا تم الاختيار، توجه الأبوان الصالحان بالدعاء، في خشوع وإنابة، إلى ولي الصالحين: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾[الفرقان :74]
من حقوق الطفل قبل ولادته
فإذا تكوّن الطفل في الرحم أعد الله له فائق الرعاية والعناية، وحرّم الاعتداء عليه، يقول الله جل جلاله: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ﴾ [الإسراء:31]
وأجاز لأمه أن تفطر في رمضان؛ رحمة بها، وتمكينا له من أحسن ظروف النمو وتمام الخلق.
من حقوقه بعد ولادته
إذا حل الطفل بأرض الحياة، جعله الله بهجة وزينة في قلوب من حوله، يقول الله -تبارك وتعالى-: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾
وأحسن استقباله، فكان من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، أن يؤذن بالصلاة في أذن المولود؛ روى الترمذي في السنن، عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة..
وفي ذلك حكم متعددة منها: أن تنغرس كلمة الله أكبر في أعماقه، فينشأ عليها، وترسخ فيه شهادة أن لا إله إلا الله؛ فتكون مفتاح دخوله إلى الدنيا، وخاتمة خروجه منها، فيعيش موحدا، معظما لله، ذاكرا له أناء الليل وأطراف النهار.
ومن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم: تحنيك المولود، وهي سنة باقية في مجتمعنا إلى يومنا هذا؛ جاء في صحيح الإمام مسلم عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه حمل أخا له من أمه أم سليم -رضي الله عنها- وَبَعَثَتْ مَعَهُ بِتَمَرَاتٍ فَأَخَذَهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "أَمَعَهُ شَىْءٌ". قَال نَعَمْ تَمَرَاتٌ. فَأَخَذَهَا النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فَمَضَغَهَا ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْ فِيهِ فَجَعَلَهَا فِي فِيِّ الصَّبِيِّ ثُمَّ حَنَّكَهُ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ، وهو الصحابي الكبير عبد الله بن أبي طلحة -رضي الله عنه-. والتحنيك هو أخذ تمرة وتليينها داخل الفم، ثم وضعها في فم المولود وتحريكها يمينا وشمالا، مرورا بين الفكين، وعلى مواضع خروج الأسنان، وصولا إلى أعلى الحلق.
ومن حق الطفل في الإسلام: أن يرضع من حليب أمه؛ لقول الله -جل وعلا-: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾ وقد ثبتت قيمة هذه الرضاعة وأثرها على الطفل صحيا ونفسيا، وبذلك استحقت الأم، أولوية حسن المصاحبة؛كما جاء في الحديث النبوي، الوارد في الصحيحين، أن رَجُلا جاء إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: "أُمُّكَ". قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ أُمُّكَ". قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ أُمُّكَ". قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ أَبُوكَ. فحق لها هذا التكريم النبوي، فهي التي حملت، وهي التي ولدت، وهي التي أرضعت.
ومن حقوق الطفل في الإسلام العقيقةُ: وهي ذبح شاة للمولود؛ للذكر والأنثى سواء؛ فإن ذبحت للذكر شاتان فلا بأس؛ لأن النصوص النبوية واردة بالأمرين، ويكون وقت الذبح نهارا، بعد سبعة أيام من مولده؛ إن ولد قبل الفجر حُسب يوم الولادة في السبعة أيام وإن ولد بعد الفجر بدئ بالعد من اليوم الموالي، وفي مندوباتها ثلاث حقوق تضاف لحقوق الطفل في الإسلام، وهي: حلق رأس الطفل؛ ذكر كان أو أنثى. والتصدق بزنة شعره ذهبا أو فضة، وتسميته باسم حسن، وخير الأسماء ما عُبِّد وحمِّد؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ, وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ, فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ" رواه الإمام أحمد.
ومن حقوق الطفل أيضا: الختان، ويكره ختانه يوم مولده, وفي يوم سابعه مخالفة لليهود، ويختن بعد ذلك في أي وقت.
ومن حقوق الطفل في ديننا الحنيف: ملاعبته وملاطفته، أورد الإمام البخاري في صحيحه قبّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "من لا يَرحم لا يُرحم". ولذلك قال العرب: لاعب ابنك سبعا، وأدبه سبعاً، وصاحبه سبعاً.
من حقوقه في سائر طفولته
من أهم حقوق الطفل في إسلامنا العظيم حقه في التربية.. وأساس التربية، أن نرعى فيه من أيامه الأولى بذرةَ لا إله إلا الله، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي جعلها الله -تبارك وتعالى- في فطرة كل مولود؛ جاء في الصحيحين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه "؛ فكل مولود يأتي إلى دنيا الناس مسلما موحدا، يأتي محبا لله ولرسوله، وعلى الأبوين رعاية تلك الفطرة؛ يقول الله -جل وعلا-: ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾..[الروم:30] فانسجام الأبوين داخل الأسرة، وتعاملهما بما أمر الله ورسوله في كل شأن من شؤون الحياة - هي الطريق التي يسلكها الطفل خلف أبويه، وهذا حقه على والديه؛ فمن حقه أن يجد المودة والرحمة، قائمتين في البيت، ومن حقه أيضا أن يجد توجيهه نحو الخير والصلاح.
ومن حقه كذلك: أن يرى حمايته من كل شر وافد، أن يكون في حصن الخلق الرفيع؛ لأننا نعيش في زمن كثرت فيه وسائل الإعلام الفاسدة والمفسدة المخربة للأخلاق، بشاشاتها الواردة من كل حدب وصوب؛ فماذا نفعل لنحمي أبناءنا من هولها؟.. إن الملاذ هو التمسك بهذا الدين.. هو إشباع الأبناء من الغذاء الروحي.. هو أن نحصنهم بدقة تعاملنا بشرع الله أمامهم.. بأن يعيشوا الألفة والمحبة الأسرية؛ حتى نقيهم الشرور المحيطة، وهذا حقهم علينا.
ومن حقهم علينا أيضا: أن ندعو لهم.. أن نبتهل إلى الله في كل حين، أن يهديهم سبيله القويم، أن يجمعنا وإياهم على البر والتقوى، أن يعيدوا مجدنا، أن يبنوا عزة الإسلام والمسلمين، وكل ذلك على الله يسير؛ فلنستقم على شرع الله، ولنكن جميعا على صراط الله، ولنحمي أسرنا في حصن الله، نضمن بهجة الحياة الدنيا، والفوز والفلاح في حياتنا الأخرى ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ [النساء 174: 175]
المرجع :
أكثر من الصلاة على النبي يكفيك الله ما أهمك من دنياك وآخرتك
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
0
إقرأ المزيد :
الفئة: الأسرة المسلمة