نساؤنا في رمضان
النساء المسلمات في شهر رمضان نساء متميزات في عبادتهن وأخلاقهن ، فلقد جعلهن الله تعالى في درجة مساوية للرجال في التكاليف والعبادات ، فقال سبحانه : ﴿إِنَّ المُسلِمينَ وَالمُسلِماتِ وَالمُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ وَالقانِتينَ وَالقانِتاتِ وَالصّادِقينَ وَالصّادِقاتِ وَالصّابِرينَ وَالصّابِراتِ وَالخاشِعينَ وَالخاشِعاتِ وَالمُتَصَدِّقينَ وَالمُتَصَدِّقاتِ وَالصّائِمينَ وَالصّائِماتِ وَالحافِظينَ فُروجَهُم وَالحافِظاتِ وَالذّاكِرينَ اللَّهَ كَثيرًا وَالذّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَغفِرَةً وَأَجرًا عَظيمًا﴾ [الأحزاب: ٣٥]
وقال : ﴿عَسى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبدِلَهُ أَزواجًا خَيرًا مِنكُنَّ مُسلِماتٍ مُؤمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبكارًا﴾ [التحريم: ٥]
لذا فقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بمراجعة حفصة بعد تطليقها وعلل له ذلك بأنها صوامة قوامة وبأنها زوجته في الجنة ، وفي هذا تكريم للمرأة التـي تحسن الصوم ، عن ابن عمر قال : دخل عمر على حفصة وهي تبكي فقال لها : وما يبكيك ؟ لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم طلقك إن كان طلقـك مـرة ثـم راجعك من أجلي والله لئن طلقك مرة أخرى لا أكلمك أبـدا . وللحـديـث شـواهد مختصرة عن أنس قال : لما طلق النبي صلى الله عليه وسـلم حـفـصـة أمـر أن يراجعها فراجعها . وإسناده صحيح .
وله شاهد عن أنس رضـي الله عنـه : أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة تطليقة فأتاه جبريل عليه الصلاة والـسلام فقال :« يا محمد ! طلقت حفصة وهي صوامة قوامة وهي زوجتك فـي الجنـة ؟ ». الألباني في " السلسلة الصحيحة " 0 / 10 : أخرجه داود ( ۴۴۸۳ ) و النسائي ( ٢ / ١١٧ ) و الدارمي ( ٣ / ١٦٠ – ١٦١ ) و ابن ماجة ( ٣٠١٦ ) و أبو يعلى في " مسنده " ( ٥٣/١ ) و الحاكم ( ٢ / ١٩٧ ) و البيهقي ( ٧ / ۳۳۱ – ۳۴۴ ) .
والمرأة المسلمة في رمضان تقوم بواجبها نحو ربها ثم نحو زوجها ، فهي تصوم النهار حق الصيام وتقوم الليل حق القيام ، فلا تقصر ولا تتعلل بالصوم ، بل تتعلم من الصوم معاني التقوى والصبر والتحمل ، عن ابن سيرين قال : خرجت أم أيمن مهاجرة إلى الله ورسوله وهي صائمة ليس معها زاد ، ولا حمولة ، ولا سقاء ، في شدة حر تهامة ، وقد كادت تموت من الجوع والعطش ، حتى إذا كان الحين الـذي يفطر فيه الصائم سمعت حفيفا على رأسها ، فرفعت رأسها فإذا دلو معلق برشـاء أبيض ، قالت : فأخذته بيدي فشربت منه حتى رويت ، فما عطـشـت بعـد ، فكانـت تصوم وتطوف لكي تعطش في صومها فما قدرت على أن تعطـش حـتـى مـاتـت " • مصنف عبد الرزاق ٣٠٩/٤ .
وهذه هي السيدة نفيسة ابنة الحسن بن زيد ابن السيد سبط النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي ( رضي الله عنهما ) كانت رحمها الله وأكرمها بين الصالحات العوابد ، زاهدة ، تقية نقية ، تقوم الليل ، وتصوم النهار حتى قيل لها : " ترفقي بنفسك " لكثرة ما رأوا منها فقالت : " كيف أرفـق بنفـسي وأمـامي عقبـة لا يقطعهـا إلا الفائزون ؟ " حجت ثلاثين حجة وكانت تحفظ القرآن وتفسيره ، وقال عنها ابن كثيـر : " كانت عابدة زاهدة كثيرة الخير " . توفيت رحمها الله تعالى وهي صائمة ، فألزموهـا الفطر ، فقالت : " واعجباه ! أنا منذ ثلاثين سنة أسأل الله تعالى أن ألقـاه صـائمة ، أأفطر الآن هذا لا يكون " وخرجت من الدنيا ، وقد انتهت قراءتها إلى قوله : ( قل لمن ما في السموات والأرض قل الله كتب على نفسه الرحمة ) .
والمرأة المسلمة تصوم بالنهار حق الصوم للعزيز الغفار فتبتعد بصومها عن اللغـو والباطـل والغيبة والنميمة والقيل والقال ، عن عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ أن امرأتين صامتا ، وإن رجلا قال : يا رسول الله ، إن ها هنا امرأتين قد صامتا وإنهما قد أن تموتا من العطش ، فأعرض عنه ، أو سكت ، ثم عـاد ، وأراه قال : بالهاجرة ، قال : يا نبي الله ، إنهما والله قد ماتتا ، أو كادتا أن تموتا ، قال : ادعهما ، قال : فجاءتا ، قال : فجيء بقدح ، أو عس ، فقال لإحداهما : قيئي ، فقاءت قيحا ، أو دما ، وصديدا ، ولحما ، حتى قاءت نـصف القـدح ، ثـم قـال للأخرى : قيئي ، فقاءت من قيح ، ودم ، وصديد ، ولحم عبيط ، وغيره ، حتى ملأت القدح ، ثم قال : إن هاتين صامتا عما أحل الله ، وأفطرتا على ما حرم الله ، عز وجل ، عليهما ، جلست إحداهما إلى الأخرى ، فجعلتا يأكلان لحوم النـاس . أخرجه أحمد ٤٣١/٥ ( ٢٤٠٥٣ ) .
فهي تدرك أنه لا معني للصوم بدون حسن الخلق والبعد عن السيء مـن القـول والفعل ، عن أبي هريرة ، قال : قال رجل : يا رسول الله ، إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها ، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها ، قال : «هي في النار» ، قال : يا رسول الله ، فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها ، ، وأنها تصدق بالأثوار من الأقط ولا تؤذي جيرانها بلسانها ؟ قال : «هي في الجنة» . أخرجه أحمد ٤٤٠/٢ ( ٩٦٧٣ ) و " البخاري " في " الأدب المفرد " 119 .
وهي كذلك تحرص على الصلاة بالمسجد إذا تيسرت الأمور لذلك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :« لا تمنعوا إماء اللـه مـساجد الله» . أخرجه أحمد 11/3 ( ٤٦٥٥ ) و " البخاري " ۷/۲ ( ۹۰۰ ) و " مسلم " ۳۴/۳ ( ۹۲۱ ) .
وتصطحب أولادها الصغار معها لتدربهم على الـصلاة وتعلمهـم آداب المـسجد ، وكيف يتعاملون مع الناس وهي بالليل متهجدة عابدة لربها تعين نفسها وتعين زوجها وأولادها على القيـام والتهجد لله رب العالمين ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليـا وسلم : « رحم الله رجلا قام من الليل فصلى ، وأيقظ امرأته فصلت ، فـإن أبـت نضح في وجهها الماء ، ورحم امرأة قامت من الليل فصلت ، وأيقظت زوجها فصلى ، فإن أبى نضحت في وجهه الماء ». أخرجه أحمد ٣٥٠/٢ ( ٧٤٠٤ ) و ( ( أبـو : داود ) ) ۱۳۰۸ و ( ( ابن ماجة ) ) ١٣٣٦ .
وهذا ما كان يؤكد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حينما كان ينتهز فرصة العشر الأواخر من رمضان فيوقظ أهله ويشجعهم على التهجد والقيام ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر ، شـد مئزره ، واحيا ليله ، وأيقـظ أهلـه» . أخرجه " أحمد " 40/6 و " البقاري " ٦١/٣ و " مسلم " .
وعن أم سلمة . قالت : استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من الليل وهو يقول :« لا إله إلا الله ماذا انزل الليلة من الفتنة ؟ ماذا أنزل من الخزائن ؟ من يوقظ صواحب الحجرات؟ كم من كاسية في الدنيا عارية يوم القيامـة ». أخرجه " أحمد " ٣٧٩/٦ ، و " البخاري " ۳٩/١ .
وعن عائشة ، قالت : «كان النبي صلى الله عليه وسلم يـصـلي مـن الليـل ، فـإذا انصرف قال لي : قومي فاوتري ». أخرجه أحمد ١٥٢/٦ .
كان أبو هريرة يقسم الليل أثلاثا بينه وبين جاريته وبين أمه ، وكان الحسن بـن صالح – أحد عباد التابعين – يقسم الليل بينه وبين أمه وبن أخيه علي ، فلما ماتت أمه صار يقسم الليل بينه وبين أخيه ، فلما مات أخوه صار يقوم الليل كله . وتزوج رياح القيسي امرأة وكانت من العابدات فرآها تعجن بالنهار فقـال لـهـا أحضر لك أمة ، فقالت : لقد تزوجت رياحا ولم أتزوج جبارا عنيدا ، فلما كان الليـل أراد يختبر زوجته فتناوم الرجل ، فقامت المرأة ثلث الليل ، ثم أرادت أن توقظه فقال : سأقوم . فقامت المرأة الثلث الثاني ثم أرادت أن توقظه فقال : سأقوم . فقالت : ، ليت شعري من غرني بك يا رياح . ابن الجوزي : صفة الصفوة ٤٤/٤ .
وكانت الأم الصالحة " هنيدة " رحمها الله إذا مضى ثلث الليل أو نصفه ، أيقظـت زوجها وأولادها ومواليها لقيام الليل ، وكانت تقول لهم : قوموا فتوضأوا وصلوا ، فستغتبطون (أي ستفرحون) بكلامي هذا فكانوا يقومون ويصلون دأبها وعادتها حتى ماتت ، فلما ماتت رأى زوجها في المنام قائلا يقـول لـه : إن كنت تحب أن تتزوجها هناك ( أي في الجنة ) فاخلفها في أهلها بمثل فعلها. فكـان زوجها يفعل مثلما كانت تفعل في الليل ، وظل على هذا الحال حتى وافـاه الأجـل ومات .فرأى ابنها الأكبر قائلا يقول له في المنام : إن كنت تحب أن تلحق بدرجـة أبويك في الجنة فاخلفهما في أهلهما بمثل عملهما ، فكان الابن الأكبر يصنع كصنيع أمه وأبيه بالليل ، ولم يزل كذلك حتى مات ، فكان الناس يسمون أهل تلك الدار:" القوامين " صفة الصفوة لابن الجوزي ٣٩١ / ٤ .
وهي – كذلك – تجعل من بيتها في شهر رمضان قبلة للإيمان وواحـة للطاعـة والإحسان ، فهي تشجع أولادها وتدربهم على الصوم كما تربيهم وتـدربهم علـى الصلاة وعلى الصدقة والجود ، قال تعالى :﴿وَاجعَلوا بُيوتَكُم قِبلَةً وَأَقيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ المُؤمِنينَ﴾ [يونس: ٨٧]
فتجعل من بيتها بيتا إيمانيا من بيتها بيتا إيمانيا ربانياً تعلو فيه كلمة الله أكبر ويظلله التسبيح والتهليل والتكبير ، قال أبو حاتم : كان أبو مسلم الخولاني اسمه عبد الله بن ثوب ، يماني ، تابعي ، من أفاضلهم وأخيارهم ، وهو الذي قال له العنسي : أتشهد أني رسـول الله ؟ قال : لا ، قال : أتشهد أن محمدا رسول الله ؟ قال : نعم ، فأمر بنار عظيمة ، فأججت وخوفه أن يقذفه فيها إن لم يواته على مراده ، فأبى عليه ، فقذفه فيها ، فلم تضره فاستعظم ذلك ، وأمر بإخراجه من اليمن ، فأخرج فقـصد المدينـة ، فلقي عمر بن الخطاب فسأله من أين أقبل ؟ فأخبره ، فقال له : ما فعل الفتى الذي أحرق ؟ فقال : لم يحترق ، فتفرس فيه عمر أنه هو ، فقال : أقسمت عليك بالله أنت أبو مسلم ؟ قال : نعم ، فأخذ بيده عمر حتى ذهب به إلى أبي بكـر ، فقـص عليه القصة ، فسرا بذلك ، وقال أبو بكر : الحمد لله الذي أرانا في هذه الأمة من أخرق فلم يحترق ، مثل إبراهيم صلى الله عليه وسلم . وقيل : إنه كان له امـرأة صبيحة الوجه ، فأفسدتها عليه جارة له ، فدعا عليها ، وقال : اللهم أعم من أفسد علي امرأتي . فبينما المرأة تتعشى مع زوجها إذ قالت : انطفأ السراج ؟ قال زوجها : لا ، فقالت : فقد عميت ، لا أبصر شيئا ، فأخبرت بدعوة أبي مسلم عليها ، فأتته : فقالت : أنا قد فعلت بامرأتك ذلك ، وأنا قد غررتها وقد ثبت ، فـادع اللـه يـرد بصري إلي ، فدعا الله وقال : اللهم رد بصرها ، فرده إليها . صحيح ابن حبان ۳۳۹/۲ ، صفة الصفوة ٢١٢/٤ ، حلية الأولياء ۱۳۰/۲ .
والمرأة المسلمة أيضا في رمضان تحرص كل الحرص على تعلم أحكـام الـصوم الخاصة بها ، فتتعلم أن الصوم واجب على كل مسلمة بالغة عاقلة مقيمة « غيـر مسافرة » قادرة « غير مريضة » سالمة من الموانع كالحيض والنفاس ، وأن الفتاة أثناء النهار لزمها الإمساك بقية اليوم ؛ لأنها صارت مـن أهـل الوجـوب ، ولا يلزمها قضاء ما فات من الشهر ؛ لأنها لم تكن من أهل الوجوب .
وتتعلم بأن مفسدات الصوم سبعة هي : الجماع وإنزال المني بمباشرة أو ضـم أو تقبيل ، والأكل والشرب عمداً ، وما كان بمعنى الأكل والـشرب كـالإبر المغذيـة ، وإخراج الدم بالحجامة والفصد ، والتقيؤ عمدا ، وخروج دم الحيض والنفاس كما تتعلم أن الحامل إذا رأت القصة البيضاء ـ وهو سائل أبيض يدفعه الرحم بعد انتهاء الحيض ـ التي تعرف بها المرأة أنها قد طهرت ، تنوي الصيام من الليـل وتصوم ، وإن لم يكن لها طهر تعرفه احتشت بقطن ونحوه ، فـإن خـرج نظيفـاً صامت ، وإن رجع دم الحيض أفطرت ، وأن دم الاستحاضة لا يفسد الصوم ، إلى غيرها من الأحكام الشرعية ومن فقه المرأة الصائمة .
فرمضان فرصة لكل امرأة مسلمة لكي تتصالح مع ربها وتـصلح مـن علاقتهـا بنفسها وبمن حولها ، ولتعلم أن الصوم الحقيقي تربية وتهذيب وتأديب .
المرجع : من كتاب مقالات رمضانية للكاتب بدر عبدالحميد هميسة
لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100
إقرأ المزيد :
الفئة: رمضانيات