الجنة دار الخلود

الجنة دار الخلود

محتويات المقال

الجنة دار الخلود


بلادٍ من بلدان اللهِ العجيبة، عجيبةٌ جِدُّ عجيبة، بلادٌ شاسعةُ المساحة، متراميةُ الأطراف، منظمةٌ أحسنَ تنظيم، ورغم كثرةِ سكانِها، وضخامةِ مساكنِها، وروعةِ تصاميمِها، وجمالِ أحيائِها وحدائقِها، وتكاملُ كل شيءٍ فيها إلا أنها تخلو تمامًا من المستشفيات والمصحات، فلا أطباء ولا عيادات، ولا مختبرات ولا صيدليات، بلادٌ مدهشة، ليس فيها محاكمٌ ولا قضاةٌ، ولا مخافرٌ ولا دوريات، ولا مراقبين ولا كمرات، ولا سجون ولا معتقلات، ولا مطافئ ولا إسعافات، بلاد في غاية التقدمِ والحضارة، أخلاقُ أهلها في غاية الرقي واللطافة، فلا تعدٍّ ولا نزاعات، ولا جدال ولا خصومات، فضلًا عن أن يكون فيها سطوٌ أو سرقات أنها بلادٌ مذهلة، تخلو تمامًا من اللصوص والمجرمين والعصابات، ورغم كثرة الحركة في هذه البلاد العجيبة فإنها تخلو تمامًا من الحوادثِ والإصابات، والزحام والاختناقات، بلادٌ تختلف كثيرًا عن بقية البلدان فهل عرفتم ما هي هذه البلاد ؟ ؟

نعم إنها الجنة، غاية الطموح، وأغلى الأمنيات، الجنة مَوْعُود رب العالمين، وجائزة الله للمتقين، ومحط رحال العابدين، ومستقرُ الصالحين، الجنة شيءٌ لا مثيل لها، هي وَرَبِّ الكعبةِ نورٌ يَتَلأْلأُ، وريحانةٌ تَهْتزُّ، وقصرٌ مشِيدٌ، ونهرٌ مضطردٌ، وثَمَرةٌ نضِيْجَةٌ، وزوجةٌ حسناءُ جميلةٌ، وحُلَلٌ كثيرةٌ، وحَبْرةٌ ونِعمةٌ، وفاكهةٌ وخضرةٌ، في دارٍ سليمةٍ، في مَحَلَّةٍ عاليةٍ بهيَّةٍ، ومُقَامٌ في أبدٍ، إنها الجنة يا عباد الله، زمن الحصول على الحريات ونهاية المحرمات والممنوعات، فلا نقص ولا حرمان، ولا دموع ولا أحزان، ولا ظلم ولا طغيان، الجنة موت الألم والملل، ونهاية الأمراض والعلل، وفي الجنَّة لا جوعٌ ولا فقر، ولا شرورٌ ولا مكر، وفي الجنة تموت الأنانية والانتهازية، وتنتهي المصالح الشخصية، فلا فوضى ولا محسوبيات، ولا رشاوى ولا إكراميات، الجنة موت الموت، ونهاية الخوف، لنَ نفترقَ في الجنة ولنَ نترك بعضَنا، لن نغار ولن ننام، ولن نتعَب في الجنَّة، الجنة فيها أهلٌ لا يُفقدُون، وأحبةٌ لا يرحلون، وأصدقاء لا يغيبون، الجنة نعيمٌ لا يدركه خيال، وسعادةٌ لا يعتريها زوال، وأحلامٌ لا تعرف المحال، في الجنّة ستختفي علامات الكبَر، وضعف السمع والبصر، ستنتهي خُصيلاتُ الشيب، وتجعُداتِ الجلدِ، وارتخاء العصب، في الجنَّة سنكَون أجملَ بكثير، وأرقى بكثير، وأفخم بكثير، إنها دَارُ الخُلد وجَنَّةُ المَأْوَى، إنها الفِرْدَوْسُ الأعلى، إنها جَنَّاتُ عَدْنٍ التي وعد الرحمن عبادهُ بالغيب، إنها جَنَّةُ النَعِيْمِ ودَارُ السَّلَام، دَارُ الحَيَوَانِ ودَارُ المُقَامَ، دار المِلاح والأفراح، دارٌ أشرقَ ضياؤُها، وطابَ فِناؤُها، وعظُمَ بناؤُها، وتكامل بهاؤها، دارٌ لا ينفَدُ نعيمُها، ولا يبأَس أهلُها، ولا يَنقُصُ حُسنُها، دارٌ تبلغ النفوس فيها كُلَّ مناها جلَّ وتقدسَ وتباركَ من سواها وبناها أجملَ وأحسن ما يكون البناء، ولذا سماها الحسنى: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾ [يونس: 26]، دارٌ غرَسها الرحمن بيده، وجعلها مستقرًّا لأهله وأحبابه وخاصته، وملأها برضوانه ورحمته، وزيَّنها وأتْقنها بعظيم قدرته، ووصف دخولها بالفوز العظيم، ووصف نعيمها بالنعيم المقيم، ووصف مُلكها بالمُلك الكبير، فقال تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا ﴾ [الإنسان: 20]، ثم قال لها تكلمي، فقالت: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [المؤمنون: 1]، من يدخلُها ينعَمُ ولا يبأَس، ويخلُدُ ولا يموت، لا تبلَى ثِيابُه، ولا يفنَى شبابُه، ولا ينقطع نعيمه، وفيها من كل خيرٍ مَزيد، من دخلها فهو آمن، آمنٌ من كل ما يكره، ﴿ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ ﴾ [الحجر: 46 - 48]، آمنون من الموت: ﴿ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى ﴾ [الدخان: 56]، آمنون من نقص النعيم: ﴿ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ * إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ ﴾ [ص: 53، 54].

يناديهم المنادي: لكم النعيمُ سرمدًا، تحيون ولا تموتون أبدًا، وتصحون ولا تمرضون أبدًا، تشبون ولا تهرمون أبدًا، وتنعمون ولا تبأسون أبدًا، يحلُّ عليكم رضوانُ ربكم فلا يسخطُ عليكم أبدًا، دارٌ وجنان، سقفها عرش الرحمن، تربتها مسكٌ وزعفران، حصباؤها اللؤلؤُ والمرجان، لبناتُ قصورها ذهبٌ من خالص العقيان، جوهرٌ شفافٌ في غاية الصفاء واللمعان، غرفٌ من فوقها غرفٌ مبنية، يُرى باطنها من ظاهرها وظاهرها من باطنها، تَجْرِي مِن تَحْتِهَا أنْهَارٌ من غير ما أُخدود، أنهارٌ من ماءٌ غير آسن، وأنهارٌ من لبنٌ لم يتغير طعمه، وأنهارٌ من خمرٍ لذةٍ للشاربين، وأنهارٌ من عسلٍ مصفى، لا ينقصُ منسوبها، ولا يتغيرُ صفاءها، أبردُ من الثلج، وأطيبُ ريحًا من المسك، أما أرائكها فسررٌ عاليةٌ مرفوعة، وسائدها جميلةٌ مصفوفة، وسجاجيدها فاخرةٌ مبثوثة، وآنيتها الذهبُ والفضةُ في صفاء القوارير: ﴿ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا ﴾ [الكهف: 31]، خيامها لؤلؤةٌ مجوَّفة، طولها في السماء ستون ميلًا، للمؤمن فيها أهلون، يطوفُ على بعضهم، فلا يرى بعضهم بعضًا، فضلًا من الله ونعمة سيقان أشجارها من الذهب، وأغصانها من الفضة وثمارها أحلى من الشهد، وألين من الزبدة، وأورقها أرقُ من رقائق الحلل، إذا حركتها الرياح أصدرت أصوتًا عذبة جميلة، تستفز من لا يطرب للطرب، يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها ظلُّها ممدودٌ، وطلحُها منضود، وفاكهتها كثيرة، لا مقطوعةٌ ولا ممنوعة قد ذُلِّلت قطوفُها تذليلًا، طعامهم فيها فاكهةٌ مما يتخيرون، ولحمِ طيرٍ مما يشتهون، وشرابهم التسنيمُ والكافور: ﴿ وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا ﴾ [الإنسان: 17، 18]، لا يجوعون ولا يظمؤون، ولا ينصبون ولا يتعبون، ولا يرتاحون ولا ينامون، وإنما لذَّاتٌ في إثر لذَّات، ونعيمٌ يعقبهُ نعيم: ﴿ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [الزخرف: 71]، ﴿ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ﴾ [الواقعة: 17، 18]، لباسهم السندس والإستبرق والحرير، في غاية الفخامةٍ والنعومةٍ والجمال، وحُلِيهم أساورُ الذهبِ واللؤلؤِ، وتيجانُهم الألماسُ المرصع، أمشاطُهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوَّة، وهي أفضل أنواع الطيب، شبابهم دائمٌ، أبناء ثلاثٍ وثلاثين، في صورة القمر ليلة البدر: ﴿ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ﴾ [المطففين: 24]، وأزواجهم الحور العين كواعب أتراب، كأمثال اللؤلؤ المكنون إذا برزت، فكأن الشمس تجري من محاسن وجهها، وإذا تبسمت أضاء البرق من بين ثناياها، وإذا قابلت زوجها، فقل ما تشاء في تقابل الشمس والقمر، إن نظرَ إليها سرَّتهُ، وإن أمرها أطاعتهُ، وإن طلبها أجابتهُ، لا تزداد على الأيام إلا حُسنًا وجمالًا، مبرأةٌ من الحمل والولادة، منزهةٌ من الحيض والنفاس، مطهرةٌ من المخاط والبصاق وسائر الأدناس، لا يفنى شبابها، ولا تبلى ثيابها، ولا يُملُّ وصالها، قد قَصُرت طرفَها، فلا تنظرُ لأحد سوى زوجها، يَرى وجههُ في صفاء خدِّها، ويرى مخَ ساقها من وراء لحمها وحُللها، كأنها الياقُوتُ والمرجان، فهي له ومعه في غاية السعادة والأمان، لم يطمثها قبلهُ إنسٌ ولا جان: ﴿ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ [الرحمن: 16]، كلما برزت أمامهُ ملأت مكانهُ حُبورًا، وكلما نظرت إليه ملأت قلبهُ سرورًا، وكلما تبسمت في وجهه أضاءت أطرافَ جنتهِ نورًا، وكلما حادثتهُ ملأت أذنيهِ دُرًا منثورًا، فحديثها السحرُ الحلال، إن طالَ لم يُملِلْ وإن هيَ أوجَزَتْ ودَّ المُحَدَّثُ أَنَّهَا لَمْ تُوجِزِ، فسبحان من صوَّرها وأنشأها: ﴿ إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ ﴾ [الواقعة: 35 - 38]، ﴿ إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ ﴾ [يس: 55 - 57]؛ قال أهل التفسير في تفسير قوله تعالى: ﴿ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ﴾: هو كناية عن الجماع، واسمع إلى ما ذكره الإمام ابن القيم رحمهُ الله في كتابه حادي الأرواح عن أبي سليمان الداراني أنه رافقه شابٌ إلى الحج، قال: فما رأيته إلا باكيًا أو تاليًا أو مصليًا، نركبُ فيتلو القرآنَ، ننزلُ فيصلي ويذكرُ اللهَ، وقتُهُ كلُّهُ لا يتكلَمُ إلا بذكرٍ أو صلاةٍ، قال: فلما رجعنا من الحج، قلت له: أسألك بالله: ما الذي هيَّجكَ على العبادة لا تفترُ عنها؟ قال: أما وقد سألتني بالله؛ فإني رأيتُ فيما يرى النائمَ قصرًا من ذهب، له شُرفتانِ من ياقوت، تُطل منه حُورية، مُرخِية شعرها، لا والله لم أرَ جمالًا كذاك الجمال، فقالت لي: جِدَّ إلى الله في طلبي؛ فإني أُربى لك في الخدور منذُ خُمسمائةِ عام، فوالله وبرحمة الله، وأقسمُ بالله، لأجتهدنَّ حتى أصلها، أو أهلك دونها.

فلو قُدِّرِ للإنسان أن يزورَ بلادًا قد اخضرَّت أرضُها، وجرَت أنهارُها، وترقرت غُدرانُها، وصدحت أطيارُها، وأزهرت أشجارُها، وأينعت ثمارُها، وطابَ هواؤها، فإنه يأنسُ فيها، ويتمنى عدمَ مفارقتِها، وإذا دخلَ الإنسانُ قصرًا منيفًا قد أحاطت به حدائق غناء، يختلط فيها حفيفُ الأشجارِ بخرير الماء، وبداخله من نوادر التحف وفاخر الأثاث ما يسلب الألباب، فإنه يتمنى مُلك هذا القصرِ وسُكناهُ، ولا يرضى أن يتحولَ عنهُ إلا إلى ما هو أجمل منهُ وأفضل، وبعد هذا يا عباد الله، ورغمَ كل ما ذكرناهُ، فإن ما نجهَلُهُ من روائع الدنيا وجمالياتِها أكثرَ بكثير مما نعرفه، وما لم نرَهُ من ذلك، فهو أجمل وأروع مما رأيناهُ، هذا بخلافِ المآكلِ والمشاربِ، والملابسِ والمراكبِ، ووسائلِ الراحةِ والترفيه، مما لا يوصفُ من كثرتهِ وتنوُّعِه وروعتِه.

و إذا كان كلُّ نعيمِ الدنيا وزُخرُفِها ما رأيناهُ منهُ وما لم نرَهُ، وما سمعنَا عنهُ وما لم نسمَعْ به، أقل من موضع السوطِ في الجنة، فكيفَ بما يصفه الله تعالى بقوله: ﴿ إِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا ﴾ [الإنسان: 20]، وإذا كان الخِمارُ الذي تضعهُ الحوريةُ على رأسِها خيرٌ من الدنيا وما عليها، فكيف بصاحبة الخِمارِ التي لو اطَّلعت على أهل الدنيا لذهبت بأبصارهم من شدة ضياءها، ولملأتْ ما بين السماء والأرض ريحًا، ولاستنطقت أفواه الخلائق تنزيهًا وتسبيحًا، وإذا كانت الغمسةُ الخاطفةُ في أنهار الجنة، تجعلُ أبأسَ أهلِ الأرضِ يُقسمُ بعزة اللهِ وجلالهِ أنهُ ما رأى بؤسًا قَطُّ، فكيفَ بالخلود فيها، وإذا كان اللهُ تعالى قد وعدَ المتقينَ جنةً عرضُها السماواتُ والأرض، فيها ما لا عينٌ رأتْ، ولا أذنٌ سمعتْ، ولا خَطرَ على قلب بشرٍ، فلا إله إلا الله أي مستوى من النعيم هذا: ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 17]، ﴿ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾ [ق: 35]، وعن صُهَيب الرومي رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخلَ أهلُ الجنةِ الجنةَ، نادىَ منادٍ: يا أهلَ الجنةِ، إن لكم عندَ الله مَوْعِدًا يريدُ أن يُنْجِزَكُمُوهُ، فيقولونَ: ما هُو ألَمْ يُثَقِّلْ موازينَنَا ويُبَيِّضْ وجوهَنا، ويدخلْنا الجنةَ، ويزحْزحْنا عن النار؟ قال: فيكشفُ لهم الحِجَاب فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم الله شيئًا أحبَّ إليهمْ من النظرِ إليه ولا أقَرَّ لأعينِهم منهُ»؛ رواه مسلمٌ، وروى المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سأل موسى ربه: ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال: هو رجل يجيء بعد ما أُدخل أهل الجنة الجنة، فيقال له: ادخل الجنة، فيقول: أي ربِّ كيف وقد نزل الناس منازلهم، وأخذوا أُخذاتهم؟! فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل مَلِكٍ من ملوك الدنيا، فيقول: رضيت ربِّ، فيقول الله له: لك ذلك ومثلُه ومثلُه ومثلُه ومثلُه، قال فيقول في الخامسة: رضيت ربِّ، فيقول الله: لك هذا وعشرةُ أمثاله، ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك، قال فيقول: رضيت ربِّ رضيت ربِّ وبعد هذا يا عباد الله، فكل ما ذكرناه من أوصاف وعبارات، لا يتجاوز أن يكون تلميحات أو إشارات، وإلا فالحقائق أعظم، والله تعالى أجلُّ وأكبر وأكرم، ومهما سمعت من جمال الوصف وروعة التشبيه، فإنه لا يعتبرُ شيئًا بجانب الحقيقة التي خلق الله الجنَّة عليها؛ لأن الله تعالى إنما وصف لنا الجنة على قدر عقولنا، وإنما صوَّرها لنا على قدر أفهامنا، ووالله يا عباد الله ما حُلِّيت الجنة ولا زُيِّنت لأمَّةٍ من الأمم مثلما حُلِّيت وزُينت لأمَّةِ محمد صلى الله عليه وسلم، فأين نحن من قوله عليه الصلاة والسلام: "إذا جاء رمضان فُتحت أبواب الجنة، وغلِّقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين"، وسينادي المنادي: يا باغي الخير، أقبل ويا باغي الشر أقصر، فهل من مشمرٍ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 133، 134].

ويا بن آدم، عِش ما شئت فإنك ميِّت، وأحبِب مَن شئت فإنك مفارقه، واعمَل ما شئت فإنك مَجزي به، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت.

لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية