الحديث العاشر : سبب إجابة الدعاء - سلسلة الأربعين النووية
الحديث :
عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ : إِنَّ اللهَ تَعَالَى طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبَاً وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ المُؤْمِنِيْنَ بِمَا أَمَرَ بِهِ المُرْسَلِيْنَ فَقَالَ : (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً) (المؤمنون: الآية51) ، وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) (البقرة: الآية172) ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيْلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء،ِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ،وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لذلك).
الشرح العام:
منزلة الحديث: قال الإمام النووي - رحمه الله -: هذا الحديث أحد الأحاديث التي عليها قواعد الإسلام، ومباني الأحكام.
و قال الطوفي رحمه الله: واعلم أن هذا الحديث عظيم النفع؛ لأنه يتضمن بيان حكم الدعاء، وشرطه، ومانعه.
قال ابن دقيق العيد رحمه الله: وهذا الحديث أحد الأحاديث التي عليها قواعد الإسلام، ومباني الأحكام، وفيه الحث على الإنفاق من الحلال، والنهي عن الإنفاق من غيره، وأن المأكول والمشروب والملبوس ونحوهما ينبغي أن يكون حلالًا خالصًا لا شبهة فيه.
وقيل: هو أصل في الحث على تحري الحلال واجتناب الحرام في المأكل والمشرب والملبَس.
١. (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا)
معنى "طيب": أي كامل الصفات، منزه عن كل نقص، لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصًا لوجهه، موافقًا لشرعه.
فلا يقبل الله مالًا حرامًا، ولا عملًا فيه رياء أو فساد أو مخالفة.
٢. (وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين)
هذا تشريف عظيم للمؤمنين: الله سبحانه كلفهم بنفس أوامر الأنبياء: أن يأكلوا الحلال ويعملوا الصالحات.
الاستشهاد بالآيتين:
{ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون: 51].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172].
٣. (ثم ذكر الرجل يطيل السفر...)
وصف النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا:
مسافر (والسفر من أسباب إجابة الدعاء).
أشعث أغبر (أي متواضع الحال، بعيد عن الترف، وهذه أيضًا من أسباب إجابة الدعاء).
يمد يديه إلى السماء (رفع اليدين من آداب الدعاء).
ينادي: (يا رب، يا رب) بإلحاح وتذلل.
٤. (ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام)
رغم توفر كل أسباب إجابة الدعاء الظاهرة، إلا أن هذا الرجل تغذى على الحرام (ماله، أكله، شربه، لبسه حرام)، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:
٥. (فأنى يستجاب له؟)
"أنى" هنا بمعنى: كيف يُستجاب له؟ أي يستبعد جدًا أن يُستجاب لمثله، لأن الحرام سد طريق القبول.
الفوائد:
بيان شرط الدعاء وموانعه وآدابه، ومنها :
١.أن يكون الداعي طيب المأكل والمشرب، وألا يدعو بمعصية وبمُحال، ومنها أن يكون حاضر القلب؛ للنهي عن الدعاء مع الغفلة، وأن يحسن ظنه بالإجابة، ومنها ألا يستعجل.
٢. وصف الله تعالى بالطيب ذاتًا وصفاتٍ وأفعالًا.
٣. تنزيه الله تعالى عن كل نقص.
٤. أن من الأعمال ما يقبله الله، ومنها ما لا يقبله.
٥. الله لا يقبل إلا طيبًا.
٦. تعظيم شأن الحلال، وعلوُّ قدره عند الله عز وجل.
٧. تشريف المؤمنين؛ حيث أمرهم الله بما أمر به المرسلين.
٨. المطعم مِن الحرام يمنع قبول العمل، وإجابة الدعاء.
تطبيق عملي:
تحري الحلال في الكسب:
١. لا أعمل إلا في وظيفة أو تجارة مشروعة، وأبتعد عن كل مال فيه غش، رشوة، أو ظلم.
٢. تحري الحلال في الطعام والشراب:
أحرص أن أشتري طعامي وشرابي من مال حلال، وأتأكد أن ما أتناوله خالٍ من المحرمات.
٣. اختيار اللباس من مال طيب:
ملابسي ومشترياتي يجب أن تكون من مال حلال، وأبتعد عن الشراء بطرق محرمة (كسرقة أو غش أو ربا).
٤. مراجعة مصادر رزقي:
أراجع نفسي: هل عملي، راتبي، مشاريعي حلال 100% إذا وجدت شبهة، أسارع لتصحيح الوضع.
٥. التوبة من الحرام:
إذا سبق وأكلت أو لبست أو اشتريت شيئًا من حرام بدون علم، أستغفر الله، وأعيد الحق لأهله إن استطعت.
٦. العناية بالدعاء مع الطهارة الظاهرة والباطنة:
عندما أدعو الله، أحرص أن أكون متطهرًا ظاهرًا (بالوضوء) وباطنًا (بتحري الحلال والتوبة).
٧. الإكثار من الدعاء وأدعو الله بإخلاص.
موقف عملي صغير
مثلاً: إذا جاءني عرض لعمل فيه شبه حرام (مثل الربا أو بيع شيء محرم)، أرفضه حتى لو كان فيه مال كثير، وأتوكل على الله أن يرزقني بالحلال المبارك.
لا تنس ذكر الله