الحديث الرابع والثلاثون: تغيير المنكر فريضة - سلسلة الأربعين النووية
الحديث:
عَنْ أَبي سَعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعتُ رِسُولَ اللهِ ﷺ يَقولُ:
(مَن رَأى مِنكُم مُنكَرَاً فَليُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَستَطعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَستَطعْ فَبِقَلبِه وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإيمَانِ)
رواه مسلم
الشرح العام:
هذا الحديث الشريف يفتح لنا بابًا من أبواب الغيرة على دين الله، ويُوقظ في القلوب حرارة الإيمان، ويُعلّمنا أن المؤمن لا يكون ساكتا أمام المعاصي والمنكرات، بل يجب أن يكون حي القلب، غيورًا على حرمات الله، ناصحًا لله ولكتابه ولرسوله وللمسلمين.
"من رأى منكم منكرًا"
أي: شيئًا يخالف شرع الله، يُغضب الله، سواء كان فعلاً محرّماً، أو تركًا لواجب. فالمؤمن لا يمر على المعصية مرور الغافل، بل يُنكرها في حدود استطاعته.
"فليغيره بيده"
أي إن كان قادرًا وله سلطة شرعية (كالحاكم أو الوالد أو المسؤول)، فواجب عليه أن يُزيل المنكر بالفعل، لأن هذا أكمل مراتب الإنكار، وهو دليل على قوة الإيمان والغيرة الصادقة.
"فإن لم يستطع فبلسانه"
أي بالقول الحكيم، بالموعظة الحسنة، بالكلمة الطيبة، بالنصيحة التي تُقال بلطف ورحمة، لا بغلظة ولا بتعنيف، لأن الغرض هو الإصلاح لا الإفساد.
"فإن لم يستطع فبقلبه"
وهنا تكمن الخشية والخضوع لله: أن تكره المنكر في قلبك، وتبغضه، ولا ترضى به أبدًا، حتى وإن عجزت عن تغييره. وتلك علامة بقاء الإيمان في القلب، وعدم موت الضمير.
"وذلك أضعف الإيمان"
أي أن الإنكار بالقلب هو الحد الأدنى من الإيمان، ومن لم ينكر المنكر حتى بقلبه، فقد عرّض قلبه لخطر قسوة رهيبة، وربما سُلب الإيمان كليا، والعياذ بالله.
الفوائد:
- وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فهو واجب على كل مسلم بحسب استطاعته.
- الإسلام دين مسؤولية: لا يقبل من المسلم أن يكون صامتا أمام الفساد أو المعاصي.
- التدرّج في التغيير بحسب القدرة: الشرع راعى ظروف الناس، فرتّب المراتب: يد، لسان، قلب.
- السكوت عن المنكر بلا عذر يُضعف الإيمان: فالمؤمن لا يرضى بالمعصية، حتى لو لم يستطع تغييرها.
- كراهية القلب للمنكر علامة حياة القلب: ومن لم ينكر بقلبه فقد خُشي عليه موت القلب وضعف الإيمان.
- الحكمة في الدعوة والإصلاح: فاللسان وسيلة عظيمة إذا استُخدم بلطف ورفق.
- فيه تربية للنفس على الغيرة لله: أن يكون همُّ المسلم نُصرة دين الله وليس فقط سلامته الشخصية.
- الحديث يربّي على قوة الشخصية وثبات المبدأ: فالمؤمن لا يتنازل عن الحق، بل يُعبّر عنه بوسائله المتاحة.
- السكوت عن المنكر يُؤدّي إلى انتشاره: وإذا انتشر، عمّ البلاء وقلّ الصالحون.
دعاء:
اللهم اجعلنا من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، واغرس في قلوبنا الغيرة على دينك، وثبتنا على الحق، ولا تجعلنا من الغافلين. آمين يا رب العالمين.
لا تنس ذكر الله