الرضا بقضاء الله

الرضا بقضاء الله

الرضا بقضاء الله


منزلة الرضا بقضاء الله وحكمه وأثره


إن السعادة والطمأنينة والراحة ينشدها جميع البشر ولها مصادر، ومن أهم مصادرها: الرضا عن الله فيما يكتبه على عبده من الأقدار، فمن رضي عن خالقه فيما قدره عليه في علمه السابق الأزلي عاش عيشة هنيئة كريمة طيبة: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ [النحل: 97] حياة هنيئة، حياة كريمة.

والرضا -يا عباد الله- اختلف أهل العلم في حكمه على قولين: منهم من قال بوجوبه، ومنهم من قال باستحبابه، وأن الإنسان إذا قدر الله عليه شيء يجب عليه أن يرضى به.

والرضا هو سكون القلب لقديم اختيار الله لعبده، ينظر إلى ما كتبه الله فيرضى بصحته، يرضى بماله، يرضى بولده، يرضى بخسارته، ويرضى في كل شؤون حياته، أما من اعترض فقد فاته الأجر والثواب من عند الله، وعاش في هم وغم لا يعلم به إلا خالقه، فيفوته الأجر والثواب ويحصل له الألم؛ لأن قدر الله لازم فإن رضي به العبد جرى عليه القدر وهو مأجور، وإن لم يرض جرى عليه القدر وهو مأزور.

وهذه الحياة -يا عباد الله- فيها من الابتلاءات والامتحانان ما الله به عليم، وهي دار ابتلاء وامتحان.

وإن مما يساعد المسلم على أن يرضى بقدر الله: أن يسأل الله أن يمن عليه بهذا العمل القلبي العظيم؛ لأن الرضا عمل قلبي، نعم، يتألم الإنسان في بدنه وما يصيبه والألم لا ينافي الرضا عن الله، ولا يحصل به التسخط على قدر الله، فالمريض يشرب الدواء وهو كاره له لكنه راض، ذهب إلى الطبي وأخذ العلاج بنفسه؛ لأنه يعلم أنه سبب لشفائه من هذا المرض.

ونعلم أن الله قدر المقادير، يلجأ المسلم إلى خالقه ويسأل ربه أن يصرف عنه السوء والبلاء، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يرد القضاء إلا الدعاء".

ونبينا -صلى الله عليه وسلم- كان من دعائه: "اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء"؛ لأن الرضا قبل ذلك، أو أن الإنسان يتحدث عن الرضا قبل أن تنزل به النازلة هذا تمني لكن الشأن بعد نزول الامتحان والابتلاء من الله.

ومما يساعدنا -يا عباد الله- أن نرضى ونسلم بقضاء الله وقدره، أن نقرأ ما ورد في فضل الرضا، وأن نقرأ في سيرة الحبيب -صلى الله عليه وسلم-، طُرد من مكة صلى الله عليه وسلم فرضي عن خالقه؛ لأنه يعلم بأن الله حكيم، وأنه لا يقدر شيئا عبثا، وإذا قدر شيئا فلحكمة يعلمها، حُبس في الشعب صلى الله عليه وسلم ثلاث سنوات حتى أكل ورق الشجر -صلى الله عليه وسلم-، ورضي بقضاء الله وقدره، قابله سفهاء أهل الطائف، وأدموا قدميه الشريفتين، فسلم بقضاء الله وقدره، مر عليه عام الحزن، ماتت زوجته خديجة التي كانت تواسيه وتقف في جنبه، وسلم بقضاء الله وقدره، مات جده وعمه صلى الله عليه وسلم، اتهم صلى الله عليه وسلم في عرضه، ورُميت عائشة، فسلم بقضاء الله وقدره، وحصل له من الأمراض ما الله به عليم حتى كانت تأتيه الحمى ويصب عليه الماء من شدتها وهو أفضل الخلق -صلى الله عليه وسلم- ومات ودرعه مرهون عند يهودي، وربط على بطنه الحجر من شدة الجوع صلى الله عليه وسلم، ورضي بقضاء الله وقدره، وقال حبيبنا -صلى الله عليه وسلم-: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له".

وجاء في حديث أبي موسى الأشعري في سنن الترمذي بسند صحيح: "قبضتم ولد عبدي فماذا قال؟ قبضتم ثمرة فؤاده فماذا قال؟ فيقول الملائكة: حمدك يا الله واسترجع، فيقول: ابنوا له بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد".

وجاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة: "ما لعبدي المؤمن إذا قبضت صفيه من الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة" ليس له جزاء الذي يرضى عن الله وعن تقديره إلا الجنة.

ومما يساعدنا: أن نرضى بقضاء الله وقدره، أن نقرأ في سير الصحابة، ونقرأ في سير الصابرين، عروة بن الزبير بترت رجله ومات ابنه في يوم واحد وسلم بقضاء الله وقدره، وقال: اللهم إنه كان لي سبعة من الولد أخذت منهم واحدا وأبقيت ستة، وكان لي أربعة من الأعضاء أخذت واحدا وأبقيت ثلاثة، لئن ابتليت لقد عافيت.

عمر بن عبد العزيز مات ابنه عبد الملك الذي كان سندا له في الخلافة، مات وعمره تسعة عشر سنة، ومات أخوه في نفس الأسبوع، وكذلك مات مولاه، أتى المعزون وقال أحدهم: يا أمير المؤمنين ما رأيت شخصا ابتلي وأصيب بمثل مصيبتك اليوم؟ ما رأيت ابنا كابنك ولا رأيت أخا كأخيك، ولا رأيت كمولى كمولاك، فأطرق برأسه، ثم قال أحد جلساء الأمير: لقد هيجت أمير المؤمنين؟ فقال: أعد ما قلت فأعاد، قال: والله ما وددت أن الذي كان ما كان، تسليم ورضا بقضاء الله وقدره.

يقول ابن مسعود: "لئن أضع جمرة في فمي حتى تبرد أحب إلي من أقول لشيء كان ي ليته ما كان".

عمران بن حصين استطرق بطنه وجلس على فراشه ثلاثين سنة حتى وضع له سرير من حصير ونقب له فيه نقب وزاره الزائرون.

ودخل اثنان من الصحابة فبكى أحدهما فقال له عمران: ما يبكيك؟ قال: أشفقت عليك، منذ ثلاثين سنة وأنت على هذه الحالة، قال: لا تفعل، واكتم علي، إنني أسمع تسليم الملائكة يجلسون معي ويواسونني، ولا تخبر بذلك أحدا حتى أموت، قال ذلك خشية الفتنة.

سعد بن أبي وقاص خال النبي -صلى الله عليه وسلم- من الرضاعة، دعا له النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يكون من مجابي الدعوة، فرحل في آخر حياته وسكن في مكة وكف بصره في آخر حياته، يقول ابن السائب قارئ مكة: أتيت إليه فعرفني وقلت: يرحمك الله، تدعو للناس لأن أهل مكة أخذوا يأتون إليه ويسألونه أن يدعو لهم بالشفاء، فيدعو لهم فيشفون، قال: أتدعو للناس فيشفون؟ ألا تدعو لنفسك بأن يرد المولى عليه بصرك؟ قال: إن قضاء الله علي أحب إلي من بصري، تسليم ورضا بقضاء الله.

بعض الوسائل المعينة على الرضا بقضاء الله


ومما يساعدنا أن نرضى عن الله: أن نعلم بأن الله حكيم عليم إذا قدر شيء فيه من الحكمة ما الله به عليم: ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 216].

يقول ابن القيم -رحمه الله-: كل قضاء من الله فيه رحمة وفيه حكمة وفيه عدل: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النور: 19].

ومما يساعد المسلم أن يرضى بقدر الله أن يعلم أن ما كان قد قدره ربنا: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [الحديد: 22]، ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [الحديد: 23]، ويقول: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [التغابن: 11].

مما يساعدنا على الرضا: أن من رضي عن الله رضي الله عنه: ﴿رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ [البينة: 8].

وأيضا مما يساعد الإنسان على الرضا: أن يعلم أن ثواب الرضا الجنة، الجنة التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، مهما فاتك من الدنيا من وظيفة، من خسارة مالية فالعوض من عند الله، فأنت تقول: اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها.

واعلموا أن الألم لا ينافي الرضا، لما مات إبراهيم ابن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال رسولنا -صلى الله عليه وسلم-: "إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون" فحزن القلب ودمع العين لا يؤاخذ عليه الإنسان.

والذي يحرم على الإنسان هو التسخط على قضاء الله وقدره.

واعلموا أن السعادة في الرضا والتسليم والتوكل على الله، وإن انتشار بعض الأمراض النفسية من أسبابه الرئيسية: عدم الرضا بواقع الحال، تجد أنه يتحسر على فائت أو يتحسر على وضعه.

ومما يساعد على الرضا: أن الرضا يسلم القلب من الأمراض القلبية كالحسد؛ فإذا علم الراضي أن هذه الأرزاق قسمها رب الأرزاق لم يحسد أحدا على خير أعطاه ربه إياه، فيعيش سليم القلب حتى بالأذية إذا رضي بهذه الأذية، وعلم بأنها قُدرت عليه فإنه يرضى ويسلم، بل ويقابل الإساءة بالإحسان.

لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :



عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية