الإسلام دين السلام

الإسلام دين السلام

الإسلام دين السلام


السلام تحية آدم وذريته والأنبياء بعده


أخرج الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه: "لَمَّا خلَق اللهُ -تعالى- آدم -عليه السلام- قال: اذهب فسَلِّمْ على أولئك من الملائكة، فاسْتَمِعْ ما يحيونكَ، تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليكَ ورحمة الله" فالسلام هو تحية أبينا آدم والأنبياء مِنْ بَعْدِه، وبه تُحيي الملائكةُ المؤمنين في الجنة، وهو تحية أهل الجنة يوم يَلْقَوْنَ ربَّهم، ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا﴾[الْأَحْزَابِ: 44].

ولِمَا في هذه التحية العظيمة من المعاني الكريمة والغايات النبيلة في تأليف قلوب العباد، وتوحيد صفوفهم جعَلَها الله -تعالى- شعارَ الإيمان، وتحية أهل الإسلام، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تدخلون الجنةَ حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشُوا السلام بينكم".

إن السلام اسم من أسماء الله -تعالى- الحسنى، فالله -جل جلاله- وتقدست أسماؤه هو السلام، ومنه السلام، ويدعو إلى دار السلام، ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾[يُونُسَ: 25].

السلام شعار الإسلام


وتسمية دين الإسلام مشتقة من السِّلْم والسلام، فالسلام عنوانه وشعاره، ودعوته ومنهاجه، وهو الدين الذي ارتضاه الله -تعالى- لعباده، ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾[الْمَائِدَةِ: 3]، وخاتم الأنبياء والمرسلين محمد -صلى الله عليه وسلم- هو حامل راية السلم والسلام، ولقد كان من هديه وسُنَّته إذا انصرف من صلاته ذَكَّرَ أُمَّتَه بأن السلام من نِعَم الله، تُرجى وتستوهب من الله، فيقول: "اللهم أنتَ السلامُ، ومنكَ السلامُ، تباركتَ ذا الجلال والإكرام"

سيرة النبي حافلة بالدعوة للسلم والسلام


إن من استقرأ سيرةَ النبي الكريم، وَجَدَ دعوتَه إلى السلم والسلام، والاحتكام إليهما ظاهرة جليلة في حياته، قبل البعثة وبعدها، فقد كان مع أُولى سِنِي عمره، يسعى في إحلال السلام بمجتمعه؛ بالمشارَكة في فضائل الأخلاق، والإصلاح بين الناس، ونصرة المظلوم، فشارَكَ صلى الله عليه وسلم في حلف الفضول، وقال: "لقد شهدتُ في دار عبد الله بن جُدعانَ حِلْفًا ما أُحِبُّ أن لي به حمرَ النَّعَمِ، ولو أُدعى به في الإسلام لأجبتُ"

وأما بعد البعثة فكانت رسالته رأفة ورحمة، وسِلْمًا وسلاما، يدعو ويميل إليهما، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾[الْأَنْبِيَاءِ: 107]، ففي صحيح البخاري: "لَمَّا بركت القصواءُ في الحديبية، ومنع كفارُ قريشٍ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- من أداء العمرة قال: "والذي نفسي بيده لا يسألوني خطةً يعظمون فيها حرماتِ الله إلا أعطيتُهم إياها"، وقال: "إنَّا لم نجئ لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين"، ومع ذلك منعته قريش من دخول الحرم، فكتَب معهم بنود صلح تدلُّ على شخصية تُحِبُّ السِّلْمَ والسلامَ، ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾[الْأَنْفَالِ: 61].

علاقة المسلم مع المخالف قائمة على العدل والرحمة


فهذه سيرة النبي صلى الله عليه وسلم العطرة جَلِيَّة للعيان، فلم يكن صلى الله عليه وسلم داعيًا للحرب ولا إلى المخاصمة، ولا إلى التنازع والمشاجَرة، بل كان رحيما سمحا عَفُوًّا، ففي بداية الدعوة المكية وشدة ما وجَدَه صلى الله عليه وسلم من قومه يأتيه مَلَكُ الجبالِ فيستأذنه بأن يُطبق على كفار قريش جبلَيْ مكةَ، فيختار سبيل السِّلْم والسلام، ويقول: "بل أرجو أن يُخرج اللهُ من أصلابهم مَنْ يعبد اللهَ وحدَه لا يشرك به شيئا"

ولم تكن علاقته -صلى الله عليه وسلم- مع مخالفيه مجرد عدل وسلام ورحمة، بل تعدَّى ذلك إلى الإحسان والبر والصلة، ففي صحيح البخاري: "كان غلام يهودي يخدم النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَمَرِضَ، فأتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- يعوده، فقَعَدَ عند رأسه، فقال له: "أَسْلِمْ"، فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: أَطِعْ أبا القاسم، فأسلم، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: "الحمد لله الذي أنقذه من النار".

وفي مسند الإمام أحمد، بسند صحيح ، أن يهوديًّا دعا النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- إلى خبز شعير وإهالة سَنِخَة فأجابه صلى الله عليه وسلم.

إن هذه المواقف العظيمة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لَتُبَيِّن لنا منهجَ الإسلام وما يدعو له من سِلْم وسلام مع المخالِفينَ، ما لم يكونوا محاربينَ أو معتدينَ، وذلك بالعدل والإقساط إليهم، والإحسان في معاملتهم وإكرام جِوَارِهم، وإجابة دعوتهم وقبول هداياهم، دون المداهنة في دينهم.

ولقد فَقِهَ الصحابةُ -رضي الله عنه- ذلك، فكانوا يَصِلُونَ المشركينَ من أقاربهم وجيرانهم، ويُحسنون إليهم رجاءَ هدايتهم، ففي صحيح البخاري أن عمر -رضي الله عنه- أهدى حُلَّةً لأخ له مشرك بمكة، -والحلة ثوب ساتر لجميع البدن-، وقالت أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما-: "قَدِمَتْ عليَّ أمي وهي مشركة، فقلتُ: يا رسول الله، إن أمي قَدِمَتْ عليَّ وهي راغبة، أَفَأَصِلُهَا؟ قال: نعم صِلِيها"

وفي سنن الترمذي، بسند صحيح ، أن ابن عمرو -رضي الله عنهما- ذُبحت له شاةٌ في أهله، فلمَّا جاء قال: "أهدتيتم لجارنا اليهودي؟ سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه"؛ فالإسلام -يا عباد الله- هو دين السماحة والسلام، والرأفة والرحمة، جاء لنشر المحبة والألفة وتوحيد الصف وجمع الكلمة؛ من أجل إقامة مجتمع صالح له رسالة عظمى، السلام فيه عقيدة ودين، وسَمْتٌ وسلوكٌ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾[الْبَقَرَةِ: 208].

خطاب العنف والتحريض مرفوض في الإسلام


إن ما نسمعه اليومَ من خطابات العنف والتحريض ضد أي جنس أو لون أو ملة هو صورة من صور الإرهاب والتطرف الذي ترفضه الشرائعُ السماويةُ والعقولُ السويةُ؛ لِمَا في ذلك من انتشار الفوضى في المجتمعات، وما ينتج عنه من انتهاك الحرمات، ولا شك -أيها المؤمنون- أن حلول السِّلْم والسلام يبعث على انتشار المحبة والمودة والتعاون بين الناس، لتحقيق النهضة والنماء الذي تسعى له كلُّ أمة لبلادها، فلن تصلح أمور المجتمعات إلا بالسلام؛ فلذا أَوْجَبَ الإسلامُ حفظَ الضرورياتِ الخمسِ ورعايتَها؛ الدِّين والنَّفْس والعقل والمال والنَّسْل، فالنفس البشرية مكرَّمة ومحترمة، ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾[الْإِسْرَاءِ: 70].

الإسلام يحترم النفوس المعصومة


وفي الصحيحين ، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرَّت به جنازة فقام، فقيل له: إنه جنازة يهودي، فقال: "أَلَيْسَتْ نَفْسًا؟" فلا يجوز ظلمُ أي نفس، أو التعدي على حق من حقوقها، فالإسلام يأبى الظلم بكل صوره، والعدل فيه مطلق لا يتجزأ، وفي القرآن الكريم: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾[الْأَنْبِيَاءِ: 47]، فأيًّا كانت هذه النفسُ فإنها لن تُظلم يومَ القيامة شيئا، وفي الصحيحين ، لَمَّا أرسل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- معاذًا إلى اليمن قال: "اتَّقِ دعوةَ المظلومِ؛ فإنها ليس بينَها وبينَ اللهِ حجابٌ"، ولم يكن يوم ذاك قد دخَل أهلُ اليمنِ في الإسلام، فالإسلام العظيم يهدف إلى أن يعيش الناس في أوطانهم آمنينَ على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم مهما كانت مِلَلُهم وأجناسهم وألوانهم، فالناس كلهم لآدم وآدم من تراب، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾[الْحُجُرَاتِ: 13].

أكثر من الصلاة على النبي يكفيك الله ما أهمك من دنياك وآخرتك
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
0

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية