محتويات المقال
- الحياة الزوجية
- تعريف الخلع
- ألفاظ الخلع
- العوض في الخلع
- الخلع دون مقتض
- الخلع بتراضي الزوجين
- الشقاق من قبل الزوجة كاف
- حرمة الإساءة إلى الزوجة
- الخلع في الطهر والحيض
- الخلع بين الزوج وأجنبي
- الخلع يجعل أمر المرأة بيدها
- خلع الصغيرة المميزة
- خلع الصغيرة غير المميزة
- خلع المحجور عليها
- خلع المريضة
- هل الخلع طلاق أم فسخ؟
- هل يلحق المختلعة طلاق؟
- عدة المختلعة
- نشوز الرجل
- الشقاق بين الزوجين
الخلع في الإسلام
الحياة الزوجية
الحياة الزوجية لا تقوم إلا على السكن، والمودة، والرحمة، وحسن المعاشرة، وأداء كل من الزوجين ما عليه من حقوق ، وقد يحدث أن يكره الرجل زوجته، أو تكره هي زوجها. والاسلام في هذه الحال يوصي بالصبر والاحتمال، وينصح بعلاج ما عسى أن يكون من أسباب الكراهية، قال الله تعالى: ﴿..وَعاشِروهُنَّ بِالمَعروفِ فَإِن كَرِهتُموهُنَّ فَعَسى أَن تَكرَهوا شَيئًا وَيَجعَلَ اللَّهُ فيهِ خَيرًا كَثيرًا﴾ [النساء: ١٩]وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : «لا يفرَك مؤمنٌ مؤمنةً إن سخِطَ منْها خُلقًا رضِيَ منْها آخرَ». حديث صحيح
إلا أن البغض قد يتضاعف، ويشتد الشقاق، ويصعب العلاج، وينفد الصبر، ويذهب ما أسس عليه البيت من السكن والمودة، والرحمة، وأداء الحقوق ، وتصبح الحياة الزوجية غير قابلة للإصلاح، وحينئذ يرخص الاسلام بالعلاج الوحيد الذي لابد منه.
فإن كانت الكراهية من جهة الرجل، فبيده الطلاق، وهو حق من حقوقه، وله أن يستعمله في حدود ما شرع الله.
وان كانت الكراهية من جهة المرأة، فقد أباح لها الاسلام أن تتخلص من الزوجية بطريق الخلع، بأن تعطي الزوج ما كانت أخذت منه باسم الزوجية لينهي علاقته بها.
وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿.. وَلا يَحِلُّ لَكُم أَن تَأخُذوا مِمّا آتَيتُموهُنَّ شَيئًا إِلّا أَن يَخافا أَلّا يُقيما حُدودَ اللَّهِ فَإِن خِفتُم أَلّا يُقيما حُدودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيهِما فيمَا افتَدَت بِهِ تِلكَ حُدودُ اللَّهِ فَلا تَعتَدوها وَمَن يَتَعَدَّ حُدودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمونَ﴾ [البقرة: ٢٢٩]
وفي أخذ الزوج الفدية عدل وإنصاف، إذ أنه هو الذي أعطاها المهر وبذل تكاليف الزواج، والزفاف، وأنفق عليها، وهي التي قابلت هذا كله بالجحود، وطلبت الفراق، فكان من النصفة أن ترد عليه ما أخذت.
وإن كانت الكراهية منهما معا: فإن طلب الزوج التفريق فبيده الطلاق وعليه تبعاته، وإن طلبت الزوجة الفرقة، فبيدها الخلع وعليها تبعاته كذلك.
قيل إن الخلع وقع في الجاهلية ، ذلك أن عامر بن الظرب زوج ابنته ابن أخيه، عامر بن الحارث، فلما دخلت عليه، نفرت منه، فشكا إلى أبيها، فقال: «لا أجمع عليك فراق أهلك ومالك وقد خلعتها منك بما أعطيتها».
تعريف الخلع
الخلع الذي أباحه الاسلام مأخوذ من خلع الثوب إذا أزاله، لان المرأة لباس الرجل، والرجل لباس لها. قال الله تعالى: ﴿.. هُنَّ لِباسٌ لَكُم وَأَنتُم لِباسٌ لَهُنَّ ..﴾ [البقرة: ١٨٧]ويسمى كذلك الفداء، لان المرأة تفتدي نفسها بما تبذله لزوجها.
وقد عرفه الفقهاء بأنه : فراق الرجل زوجته يبدل يحصل له .
والاصل فيه ما رواه البخاري، والنسائي، عن ابن عباس.
وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنه ، عن ابنِ عباسٍ رضي اللهُ عنه قال : «جاءتْ امرأةُ ثابتِ بنِ قيسِ بنِ شَمَّاسٍ إلى رسولِ اللهِ ﷺ فقالتْ : يا رسولَ اللهِ ، ما أَنْقمُ على ثابتٍ في دِيْنٍ ولا خُلُقٍ ، إلا أنِّي أخافُ الكُفرَ ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ : تَرُدِّينَ عليه حديقتَه ؟ فقالت : نعم ، فَرَدَّتْ عليه ، وأمَرَهُ أن يُفارقَها ويُروَى أنه كان أَصْدَقَها تلك الحديقةَ ، فخَالَعَها عليها ويُقالُ : إنه أولُ خُلْعٍ جَرَى في الإسلامِ». رواه البخاري والنسائي .
ألفاظ الخلع
يرى الفقهاء أنه لابد في الخلع من أن يكون بلفظ الخلع أو بلفظ مشتق منه ، أو لفظ يؤدي معناه. مثل المبارأة والفدية. فإذا لم يكن بلفظ الخلع ولا بلفظ فيه معناه.كأن يقول لها: أنت طالق في مقابل مبلغ كذا، وقبلت، كان طلاقا على مال ولم يكن خلعا. وناقش ابن القيم هذا الرأي فقال: " ومن نظر إلى حقائق العقود ومقاصدها دون ألفاظها: يعد الخلع فسخا بأي لفظ كان، حتى بلفظ الطلاق ". وهذا أحد الوجهين لاصحاب أحمد. وهو إختيار شيخ الاسلام ابن تيمية، ونقل عن ابن عباس.
ثم قال ابن تيمية: " ومن اعتبر الالفاظ ووقف معها واعتبرها في أحكام العقود جعله " بلفظ الطلاق طلاقا ". ثم قال ابن القيم مرجحا هذا الرأي.
وقواعد الفقه وأصوله تشهد أن المرعي في العقود حقائقها ومعانيها، لا صورها وألفاظها ، ومما يدل على هذا أن النبي ﷺ أمر ثابت بن قيس أن يطلق امرأته في الخلع تطليقة، ومع هذا أمرها أن تعتد بحيضة وهذا صريح في أنه فسخ، ولو وقع بلفظ الطلاق ، وأيضا فإنه سبحانه علق عليه أحكام الفدية بكونه فدية ومعلوم أن الفدية لا تختص بلفظ، ولم يعين الله سبحانه لها لفظا معينا ، وطلاق الفداء طلاق مقيد، ولا يدخل تحت أحكام الطلاق المطلق ، كما لا يدخل تحتها في ثبوت الرجعة والاعتداد بثلاثة قروء بالسنة الثابتة ".
العوض في الخلع
الخلع كما سبق إزالة ملك النكاح في مقابل مال ، فالعوض جزء أساسي من مفهوم الخلع ، فإذا لما يتحقق العوض لا يتحقق الخلع ، فإذا قال الزوج لزوجته: خالعتك، وسكت . لم يكن ذلك خلعا، ثم إنه إن نوى الطلاق، كان طلاقا رجعيا ، وإن لم ينو شيئا لم يقع به شيء ، لأنه من ألفاظ الكتابة التي تفتقر إلى النية.كل ما جاز أن يكون مهرًا جاز أن يكون عوضا في الخلع: ذهبت الشافعية إلى أنه لا فرق في جواز الخلع، بين أن يخالع على الصداق، أو على بعضه، أو على مال آخر، سواء كان أقل من الصداق أم أكثر ، ولافرق بين العين، والدين والمنفعة ، وضابطه أن " كل ما جاز أن يكون صداقا جاز أن يكون عوضا في الخلع " لعموم قوله تعالى: ﴿.. فَلا جُناحَ عَلَيهِما فيمَا افتَدَت بِهِ ..﴾ [البقرة: ٢٢٩] ولأنه عقد على بضع فأشبه النكاح.
ويشترط في عوض الخلع أن يكون معلوما متمولا، مع سائر شروط الاعواض، كالقدرة على التسليم، استقرار الملك وغير ذلك، لان الخلع عقد معاوضة، فأشبه البيع والصداق، وهذا صحيح في الخلع الصحيح ، أما الخلع الفاسد فلا يشترط العلم به، فلو خالعها على مجهول، كثوب غير معين، أو على حمل هذه الدابة، أو خالعها بشرط فاسد ، كشرط ألا ينفق عليها وهي حامل، أو لا سكنى لها، أو خالعها بألف إلى أجل مجهول ونحو ذلك بانت منه بمهر المثل.
أما حصول الفرقة، فلان الخلع، إما فسخ أو طلاق، فإن كان فسخا فالنكاح لا يفسد بفساد العوض، فكذا فسخه، إذ الفسوخ تحكي العقود.
وإن كان طلاقا، فالطلاق يحصل بلا عوض، وماله حصول بلا عوض فيحسن مع فساد العوض، كالنكاح، بل أولى، ولقوة الطلاق وسرايته.
أما الرجوع إلى مهر المثل، فلان قضية فساد العوض ارتداد العوض الآخر ، والبضع لا يرتد بعد حصول الفرقة، فوجب رد بدله ، ويقاس بما ذكرنا ما يشبهه، لان ما لم يكن ركنا في شيء لا يضر الجهل به كالصداق.
ومن صور ذلك ما لو خالعها على ما في كفها، ولم يعلم، فإنها تبين منه بمهر المثل. فإن لم يكن في كفها شيء ، ففي الوسيط أنه يقع طلاقا رجعيا، والذي نقله غيره أنه يقع بائنا بمهر المثل.
أما المالكية فقالوا: يجوز الخلع بالغرر كجنين ببطن بقرة أو غيره ، وجاز بغير موصوف، وبثمرة لم يبد صلاحها، وبإسقاط حضانتها لولده ، ينتقل الحق له.
وإذا خالعها بشيء حرام ، كخمر، أو مسروق علم به، فلا شيء له، وبانت، وأريق الخمر، ورد المسروق لربه، ولا يلزم الزوجة شيء بدل ذلك، حيث كان الزوج عالما بالحرمة، علمت هي أم لا ،أما لو علمت هي بالحرمة دونه فلا يلزمه الخلع.
الزيادة في الخلع على ما أخذت الزوجة من الزوج: ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يجوز أن يأخذ الزوج من الزوجة زيادة على ما أخذت منه، لقول الله تعالى: ﴿... فَلا جُناحَ عَلَيهِما فيمَا افتَدَت بِهِ ..﴾ [البقرة: ٢٢٩] وهذا عام يتناول القليل والكثير.
روى البيهقي عن أبي سعيد الخدري قال: « كانت أختي تحت رجل من الانصار، فارتفعا إلى رسول الله ﷺ فقال: أتردين حديقته؟ قالت: وأزيد عليها، فردت عليه حديقته وزادته » .
ويرى بعض العلماء: أنه لا يجوز للزوج أن يأخذ منها أكثر مما أخذت منه، لما رواه الدار قطني بإسناد صحيح: " أن أبا الزبير قال: إنه كان أصدقها حديقة، فقال النبي ﷺ : أتردين عليه حديقته التي أعطاك.قالت: نعم وزيادة. فقال النبي ﷺ: أما الزيادة فلا، ولكن حديقته. قالت: نعم.
وأصل الخلاف في هذه المسألة الخلاف في تخصيص عموم الكتاب بالاحاديث الآحادية.
فمن رأى أن عموم الكتاب يخصص بأحاديث الآحاد: قال لا تجوز الزيادة، ومن ذهب إلى أن عموم الكتاب لا يخصص بأحاديث الآحاد، رأى جواز الزيادة.
وفي " بداية المجتهد " قال: " فمن شبهه بسائر الاعواض في المعاملات، رأى أن القدر فيه راجع إلى الرضا، ومن أخذ بظاهر الحديث لم يجز أكثر من ذلك، فكأنه رآه من باب أخذ المال بغير حق ".
الخلع دون مقتض
والخلع إنما يجوز إذا كان هناك سبب يقتضيه ، كأن يكون الرجل معيبا في خلقه، أو سيئا في خلقه، أو لا يؤدي للزوجة حقها، وأن تخاف المرأة ألا تقيم حدود الله، فيما يجب عليها من حسن الصحبة، وجميل المعاشرة ، كما هو ظاهر الآية.فإن لم يكن ثمة سبب يقتضيه فهو محظور، لما رواه أحمد والنسائي من حديث أبي هريرة: «وَإِنَّ المُخْتَلِعَاتِ هُنَّ المُنافِقَاتُ». وقد رأى العلماء الكراهة.
الخلع بتراضي الزوجين
والخلع يكون بتراضي الزوج والزوجة، فإذا لم يتم التراضي منهما فللقاضي إلزام الزوج بالخلع، لان ثابتا وزوجته رفعا أمرهما للنبي صلى الله عليه وسلم، وألزمه الرسول بأن يقبل الحديقة، ويطلق. كما تقدم في الحديث.الشقاق من قبل الزوجة كاف
قال الشوكاني: وظاهر أحاديث الباب أن مجرد وجود الشقاق من قبل المرأة كاف في جواز الخلع.واختار ابن المنذر أنه لا يجوز حتى يقع الشقاق منهما جميعا، وتمسك بظاهر الآية. وبذلك قال طاووس، والشعبي وجماعة من التابعين.
وأجاب عن ذلك جماعة، منهم الطبري: بأن المراد، أنها إذا لم تقم بحقوق الزوج كان ذلك مقتضيا لبغض الزوج لها، فنسبت المخالفة إليها لذلك ، ويؤيد عدم اعتبار ذلك من جهة الزوج أنه ﷺ لم يستفسر ثابتا عن كراهته لها عند إعلانها بالكراهة له.
حرمة الإساءة إلى الزوجة
يحرم على الرجل أن يؤذي زوجته بمنع بعض حقوقها ، حتى تضجر وتختلع نفسها ، فإن فعل ذلك فالخلع باطل، والبدل مردود، ولو حكم به قضاء.وإنما حرم ذلك حتى لا يجتمع على المرأة فراق الزوج والغرامة المالية، وقال الله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا يَحِلُّ لَكُم أَن تَرِثُوا النِّساءَ كَرهًا وَلا تَعضُلوهُنَّ لِتَذهَبوا بِبَعضِ ما آتَيتُموهُنَّ إِلّا أَن يَأتينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ..﴾ [النساء: ١٩]
ولقوله سبحانه: ﴿وَإِن أَرَدتُمُ استِبدالَ زَوجٍ مَكانَ زَوجٍ وَآتَيتُم إِحداهُنَّ قِنطارًا فَلا تَأخُذوا مِنهُ شَيئًا أَتَأخُذونَهُ بُهتانًا وَإِثمًا مُبينًا﴾ [النساء: ٢٠]
ويرى بعض العلماء نفاذ الخلع في هذه الحال مع حرمة العضل. وأما الامام مالك فيرى أن الخلع ينفذ على أنه طلاق، ويجب على الزوج أن يرد البدل الذي أخذه من زوجته جواز الخلع .
الخلع في الطهر والحيض
يجوز الخلع في الطهر والحيض، ولا يتقيد وقوعه بوقت: لان الله سبحانه أطلقه ولم يقيده بزمن دون زمن. قال الله تعالى: ﴿.. فَلا جُناحَ عَلَيهِما فيمَا افتَدَت بِهِ ..﴾ [البقرة: ٢٢٩]ولان الرسول ﷺ أطلق الحكم في الخلع بالنسبة لامرأة ثابت بن قيس، من غير بحث، ولا استفصال عن حال الزوجة، وليس الحيض بأمر نادر الوجود بالنسبة للنساء.
قال الشافعي: " ترك الاستفصال في قضايا الاحوال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال ، والنبي ﷺ لم يستفصل هل هي حائض أم لا؟ ولان المنهي عنه الطلاق في الحيض: من أجل ألا تطول عليها العدة ، وهي هنا التي طلبت الفراق، واختلعت نفسها ورضيت بالتطويل.
الخلع بين الزوج وأجنبي
يجوز أن يتفق أحد الاشخاص مع الزوج على أن يخلع الزوج زوجته، ويتعهد هذا الشخص الاجنبي بدفع بدل الخلع للزوج، وتقع الفرقة، ويلتزم الاجنبي بدفع البدل للزوج.ولا يتوقف الخلع في هذه الصورة على رضا الزوجة لأن الزوج يملك إيقاع الطلاق من نفسه بغير رضا زوجته، والبدل يجب على من التزم به.
وقال أبو ثور: لا يصح لأنه سفه، فإنه يبذل عوضا في مقابلة ما لا منفعة له فيه، فإن الملك لا يحصل له.
وقيده بعض علماء المالكية، بأن يقصد به تحقيق مصلحة أو درء مفسدة، فإن قصد به الاضرار بالزوجة فلا يصح.
ففي " مواهب الجليل ": " ينبغي أن يقيد المذهب بما إذا كان الغرض من التزام الاجنبي ذلك للزوج، حصول مصلحة، أو درء مفسدة ترجع إلى ذلك الاجنبي، مما لا يقصد به إضرار المرأة ".
وأما ما يفعله أهل الزمان في بلدنا من التزام أجنبي ذلك وليس قصده إلا إسقاط النفقة الواجبة في العدة للمطلقة على مطلقها فلا ينبغي أن يختلف في المنع ابتداء، وفي انتفاع المطلق بذلك بعد وقوعه نظر.
الخلع يجعل أمر المرأة بيدها
ذهب جمهور العلماء، ومنهم الائمة الاربعة، إلى أن الرجل إذا خالع امرأته ملكت نفسها وكان أمرها إليها، ولا رجعة له عليها، لأنها بذلت المال لتتخلص من الزوجية، ولو كان يملك رجعتها لم يحصل للمرأة الافتداء من الزوج بما بذلته له. وحتى لو رد عليها ما أخذ منها، وقبلت ليس له أن يرتجعها في العدة، لأنها قد بانت منه بنفس الخلع.روي عن ابن المسيب والزهري: أنه إن شاء أن يراجعها فليرد عليها ما أخذه منها في العدة، وليشهد على رجعته ، ويجوز للزوج أن يتزوجها برضاها في عدتها، ويعقد عليها عقدا جديدا.
خلع الصغيرة المميزة
ذهب الأحناف إلى أنه إذا كانت الزوجة صغيرة مميزة وخالعت زوجها، وقع عليها طلاق رجعي ولا يلزمها المال.أما وقوع الطلاق، فلأن عبارة الزوج معناها تعليق الطلاق على قبولها، وقد صح التعليق لصدوره من أهله، ووجد المعلق عليها، وهو القبول ممن هي أهل له، لان الاهلية للقبول تكون بالتمييز – وهي هنا صغيرة مميزة – ومتى وجد المعلق عليه وقع الطلاق المعلق.
وأما عدم لزوم المال: فلأنها صغيرة ليست أهلا للتبرع، إذ يشترط في الاهلية للتبرع: العقل والبلوغ، وعدم الحجر لسفه أو مرض.
وأما كون الطلاق رجعيًا فلأنه لما لم يصح التزام المال، كان طلاقا ً لا يقابله شيء من المال، فيقع رجعيًا.
خلع الصغيرة غير المميزة
وأما الصغيرة غير المميزة فلا يقع خلعها طلاقا أصلا، لعدم وجود المعلق عليه، وهو القبول ممن هو أهله.الخلع بين ولي الصغيرة وزوجها.
وإذا جرى الخلع بين ولي الصغيرة وزوجها، بأن قال زوج الصغيرة لأبيها : خالعت ابنتك على مهرها، أو على مائة جنيه من مالها، ولم يضمن الاب البدل له. وقال: قبلت، طُلِّقت، ولا يلزمها المال ولا يلزم أباها.
أما وقوع الطلاق فلأن الطلاق المعلق يقع متى وجد المعلق عليه، وهو هنا قبول الاب، وقد وجد.
أما عدم لزوجها المال، فلأنها ليست أهلا لالتزام التبرعات ، وأما عدم لزوم أبيها المال، فلانه لم يلتزمه بالضمان، ولا إلزام بدون التزام ، ولهذا إذا ضمنه لزمه. وقيل: لا يقع الطلاق في هذه الحال لان المعلق عليه قبول دفع البدل ، وهو لم يتحقق وهذا القول ظاهر، ولكن العمل بالقول الاول.
خلع المحجور عليها
قالوا: وإذا كانت الزوجة محجورًا عليها لسفه وخالعها زوجها على مال وقبلت، لا يلزمها المال، ويقع عليها الطلاق الرجعي، مثل الصغيرة المميزة ، في أنها ليست أهلا للتبرع، ولكنها أهل للقبول.خلع المريضة
لا خلاف بين العلماء في جواز الخلع من المريضة، مرض الموت ، فلها أن تخالع زوجها ، كما للصحيحة سواء بسواء ، إلا أنهم اختلفوا في القدر الذي يجب أن تبذله للزوج مخافة أن تكون راغبة في محاباة الزوج على حساب الورثة.فقال الامام مالك: يجب أن يكون بقدر ميراثه منها ، فإن زاد على إرثه منها تحرم الزيادة ويجب ردها، وينفذ الطلاق ، ولا توارث بينهما إذا كان الزوج صحيحا.
وعند الحنابلة: مثل ما عند مالك، في أنه إذا خالعت بميراثه منها فما دونه صح ولا رجوع فيه، وإن خالعته بزيادة بطلت هذه الزيادة.
وقال الشافعي: لو اختلعت منه بقدر مهر مثلها جاز ، وإن زاد على ذلك كانت الزيادة من الثلث وتعتبر تبرعا.
أما الاحناف: فقد صححوا خلعها بشرط ألا يزيد عن الثلث مما تملك ، وأنها متبرعة، والتبرع في مرض الموت وصية، والوصية لا تنفذ إلا من الثلث للأجنبي، والزوج صار بالخلع أجنبيا.
قالوا: وإذا ماتت هذه المخالعة المريضة وهي في العدة ، لا يستحق زوجها إلا أقل هذه الامور، بدل الخلع، وثلث تركتها، وميراثه منها ، لأنه قد تتواطأ الزوجة مع زوجها في مرض موتها وتسمي له بدل خلع باهظًا، يزيد عما يستحقه بالميراث ، فلأجل الاحتياط لحقوق ورثتها، وردا لقصد المتواطأ عليه.
قلنا: إنها إذا ماتت في العدة لا تأخذ إلا أقل الاشياء الثلاثة ، فإن برئت من مرضها ولم تمت منه، فله جميع البدل المسمى، لأنه تبين أن تصرفها لم يكن في مرض الموت ، أما إذا ماتت بعد انقضاء عدتها فله بدل الخلع المتفق عليه، بشرط ألا يزيد عن ثلث تركتها، لأنه في حكم الوصية.
هل الخلع طلاق أم فسخ؟
ذهب جمهور العلماء إلى أن الخلع طلاق بائن، لما تقدم في الحديث من قول رسول الله ﷺ : « خذ الحديقة وطلقها تطليقة».ولأن الفسوخ إنما هي التي تقتضي الفرقة الغالبة للزوج في الفراق، مما ليس يرجع إلى اختياره ، وهذا راجع إلى الاختيار، فليس بفسخ ، وذهب بعض العلماء، منهم أحمد، وداود من الفقهاء، وابن عباس، وعثمان، وابن عمر من الصحابة: إلى أنه فسخ ، لان الله تعالى ذكر في كتابه الطلاق، فقال: ﴿الطَّلاقُ مَرَّتانِ ..﴾ [البقرة: ٢٢٩] ثم ذكر الافتداء.
ثم قال: ﴿فَإِن طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعدُ حَتّى تَنكِحَ زَوجًا غَيرَهُ ..﴾ [البقرة: ٢٣٠]
فلو كان الافتداء طلاقا لكان الطلاق الذي لا تحل له فيه إلا بعد زواج، هو الطلاق الرابع.
ويجوز هؤلاء أن الفسوخ تقع بالتراضي، قياسا على فسوخ البيع كما في الاقالة.
قال ابن القيم: والذي يدل على أنه ليس بطلاق أنه سبحانه وتعالى رتب الطلاق بعد الدخول الذي لا يستوف عدده ثلاثة أحكام، كلها منتفية عن الخلع:
- الاول: أن الزوج أحق بالرجعة فيه.
- الثاني : أنه محسوب من الثلاث، فلا تحل بعد استيفاء العدد، إلا بعد دخول زوج وإصابته.
- الثالث: أن العدة فيه ثلاثة قروء.
وقد ثبت بالنص والاجماع أنه لا رجعة في الخلع، وثبت بالسنة وأقوال الصحابة أن العدة فيه حيضة واحدة ، وثبت بالنص جوازه بعد طلقتين، ووقوع ثالثة بعدها ، وهذا ظاهر جدا في كونه ليس بطلاق ، وثمرة هذا الخلاف تظهر في الاعتداد بالطلاق ، فمن رأى أنه طلاق، احتسبه طلقة بائنة ، ومن رأى أنه فسخ لم يحتسبه، فمن طلق امرأته تطليقتين ثم خالعها، ثم أراد أن يتزوجها فله ذلك، وإن لم تنكح زوجا غيره، لأنه ليس له غير تطليقتين. والخلع لغو.
ومن جعل الخلع طلاقًا قال: لم يجز له أن يرتجعها حتى تنكح زوجا غيره، لأنه بالخلع كملت الثلاث.
هل يلحق المختلعة طلاق؟
المختلعة لا يلحقها طلاق، سواء قلنا بأن الخلع طلاق أو فسخ، وكلاهما يصير المرأة أجنبية عن زوجها. وإذا صارت أجنبية عنه، فإنه لا يلحقها الطلاق. وقال أبو حنيفة: المختلعة يلحقها الطلاق، ولذلك لا يجوز عنده أن ينكح مع المبتوتة أختها.عدة المختلعة
ثبت من السنة أن المختلعة تعتد بحيضة ، ففي قصة ثابت أن النبي ﷺ قال له: « خذ الذي لها عليك وخل سبيلها» قال: نعم. فأمرها رسول الله ﷺ أن تعتد بحيضة واحدة وتلحق بأهلها». رواه النسائيوإلى هذا ذهب عثمان، وابن عباس، وأصح الروايتين عن أحمد، وهو مذهب إسحق بن راهويه، واختاره شيخ الاسلام ابن تيمية وقال: من نظر هذا القول وجده مقتضى قواعد الشريعة: فإن العدة إنما جعلت ثلاث حيض، ليطول زمن الرجعة، ويتروى الزوج ويتمكن من الرجعة في مدة العدة، فإذا لم تكن عليها رجعة فالمقصود براءة رحمها من الحمل، وذلك يكفي فيه حيضة كالاستبراء.
وقال ابن القيم: هذا مذهب أمير المؤمنين عثمان بن عفان، وعبد الله ابن عمر، والربيع بنت معوذ، وعمها وهو من كبار الصحابة رضي الله عنهم، فهؤلاء الاربعة من الصحابة لا يعرف لهم مخالف منهم، كما رواه الليث بن سعد، عن نافع مولى ابن عمر: أنه سمع الربيع بنت معوذ بن عفراء، وهي تخبر عبد الله بن عمر، أنها اختلعت من زوجها على عهد عثمان بن عفان ، فجاء عمها إلى عثمان، فقال له: إن ابنة معوذ اختلعت من زوجها اليوم، أفتنتقل ؟ فقال عثمان: لتنتقل، ولا ميراث بينهما ، ولا عدة عليها ، إلا أنها لا تنكح حتى تحيض حيضة خشية أن يكون بها حبل . فقال عبد الله بن عمر: فعثمان خيرنا وأعلمنا.
ونقل عن أبي جعفر النحاس في كتاب الناسخ والمنسوخ أن هذا إجماع من الصحابة ، ومذهب الجمهور من العلماء أن المختلعة عدتها ثلاث حيض إن كانت ممن يحيض.
نشوز الرجل
إذا خافت المرأة نشوز زوجها وإعراضة عنها إما لمرضها أو لكبر سنها، أو لدمامة وجهها، فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما، ولو كان في الصلح تنازل الزوجة عن بعض حقوقها ترضية لزوجها.لقول الله سبحانه: ﴿وَإِنِ امرَأَةٌ خافَت مِن بَعلِها نُشوزًا أَو إِعراضًا فَلا جُناحَ عَلَيهِما أَن يُصلِحا بَينَهُما صُلحًا وَالصُّلحُ خَيرٌ..﴾ [النساء: ١٢٨]
وروى البخاري عن عائشة قالت في هذه الرواية: « هي المرأة تكون عند الرجل، لا يستكثر منها، فيريد طلاقها، ويتزوج عليها، تقول: أمسكني، ولا تطلقني، وتزوج غيري، فأنت في حل من النفقة علي والقسمة لي».
وروى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أن سودة بنت زمعة حين أسنت وفرقت أن يفارقها رسول الله ﷺ قالت: « يا رسول الله يومي لعائشة» فقبل ذلك رسول الله ﷺ قالت: في ذلك أنزل الله جل ثناؤه، وفي أشباهها أراه قال: ﴿وَإِنِ امرَأَةٌ خافَت مِن بَعلِها نُشوزًا أَو إِعراضًا ..﴾ [النساء: ١٢٨]
قال في المغني: ومتى صالحته على ترك شيء من قسمتها أو نفقتها، أو على ذلك كله جاز، فإن رجعت فلها ذلك.
قال أحمد في الرجل يغيب عن امرأته فيقول لها: إن رضيت على هذا، وإلا فأنت أعلم، فتقول: قد رضيت، فهو جائز، فإن شاءت رجعت.
الشقاق بين الزوجين
إذا وقع الشقاق بين الزوجين واستحكم العداء وخيف من الفرقة وتعرضت الحياة الزوجية للانهيار بعث الحاكم حكمين لينظرا في أمرهما، ويفعلا ما فيه المصلحة من إبقاء الحياة للزوجية أو إنهائها. يقول الله سبحانه:﴿وَإِن خِفتُم شِقاقَ بَينِهِما فَابعَثوا حَكَمًا مِن أَهلِهِ وَحَكَمًا مِن أَهلِها إِن يُريدا إِصلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَينَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَليمًا خَبيرًا﴾ [النساء: ٣٥]ويشترط أن يكون الحكمان عاقلين بالغين عدلين مسلمين ، ولا يشترط أن يكونا من أهلهما، فإن كانا من غير أهلهما جاز، والامر في الآية للندب، لأنهما أرفق من جانب وأدرى بما يحدث، وأعلم بالحال من جانب آخر.
وللحكمين أن يفعلا ما فيه المصلحة من الابقاء أو الانهاء دون الحاجة إلى رضا الزوجين أو توكيلهما ، وهذا رأي علي، وابن عباس، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، والشعبي، والنخعي، وسعيد بن جبير، ومالك، والاوزاعي، وإسحاق، وابن المنذر.
لا تنس ذكر الله
سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر
0 / 100
إقرأ المزيد :
الفئة: مواضيع دينية منوعة أحكام شرعية