رمضان وحلاوة الإيمان

رمضان وحلاوة الإيمان
الفئة: رمضانيات

رمضان وحلاوة الإيمان


حلاوة الإيمان في شهر رمضان حلاوة لا يحسها ، ولا يدرك كنهها إلا من ذاقهـا وعرفها ، وكما قيل : " من ذاق عرف " ، وهي حلاوة يغترف منها العقل والجنان ويعترف بها اللسان والأركان ، قال تعالى : ﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدرَهُ لِلإِسلامِ فَهُوَ عَلى نورٍ مِن رَبِّهِ فَوَيلٌ لِلقاسِيَةِ قُلوبُهُم مِن ذِكرِ اللَّهِ أُولئِكَ في ضَلالٍ مُبينٍ﴾ [الزمر: ٢٢]

وعن عامر بن سعد عن العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله ﷺ يقول : «ذاق طعم الإيمان من رضى بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمـد رسـولا ». أخرجه أحمد و مسلم .

وعن أنس ، قال : قال رسول الله ﷺ :« ثلاث من كن فيـه وجـد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله ، عز وجل ، ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يكره العبد أن يرجع عن الإسلام ، كما يكره أن يقذف في النار ، وأن يحـب العبد العبد لا يحبه إلا لله ، عز وجل» . أخرجه أحمد مسلم .

ذكروا أن زوجاً غاضباً على زوجته ، قال لها متوعـداً : والله لأشـقينك .فقالـت الزوجة : إنك لا تستطيع أن تشقيني كما أنك لا تملك أن تسعدني . فقال لها : وكيف لا أستطيع ؟ فقالت : لو كانت السعاة في مال لقطعته عني ، أو في زينة أو حلـي لأخذته مني ، ولكنها في شيء لا تملكه أنت ، ولا الناس أجمعون . فقال لها فـي دهشة : وما هو ؟ فقالت : إني أجد سعادتي في إيماني ، وإيـمـانـي فـي قلبـي ، وقلبي لا سلطان له عليه غير ربي ! .

قال الشاعر:
فليتك تحطوا والحياة مريرة
وليتك ترضي والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر
وبيني وبين العالمين خراب
إذا صم منك الود فالكل فين
وكل الذي فوق التراب تراب

إنها سعادة الإيمان بالله التي وجدها أحد المؤمنين وصرح بها قائلا : إننا نعـيـش في سعادة لو علم بها الملوك لجالدونا عليها بالسيوف . وقال آخر وهو في قمـة السعادة الإيمانية التي ملأت عليه أقطار نفسه : إنه لتمر علي ساعات أقول فيها : لو كان أهل الجنة في مثل ما أنا فيه لكانوا في عيش طيب ! .

كان مجمع التيمي – رحمه الله يصوم في الصيف حتى يسقط . وكانـت بعـض الصالحات تتوخى أشد الأيام حرا فتصومه فيقـال لها في ذلـك ، فتقـول : إن السعر إذا رخص اشتراه كل أحد . في إشارة إلى إنها لا تؤثر إلا العمل الذي لا يقدر عليه إلا قليل من الناس لشدته عليهم ، وهذا من علو الهمة .

وقد كان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول : «صوموا يوما شديدا حـره لـحـر يـوم النشور ، وصلوا ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور» . وعن ابن سيرين قال :« خرجت أم أيمن مهاجرة إلى الله ورسوله وهي صائمة ليس معها زاد ، ولا حمولة ، ولا سقاء ، في شدة حر تهامة ، وقد كادت تموت من الجوع والعطش ، حتى إذا كان الحين الذي يفطر فيه الصائم سمعت حفيفا على رأسـها ، فرفعت رأسها فإذا دلو معلق برشاء أبيض ، قالت : فأخذته بيدي فشربت منه حتى رويت ، فما عطشت بعد ، فكانت تصوم وتطوف لكي تعطش في صومها فما قـدرت على أن تعطش حتى ماتت » مصنف عبد الرزاق .

وهو الحلاوة وتلك اللذة يستشعرها المؤمن حينما يهل عليه هلال رمضان فيـدعو ويقول : " اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام ربى وربك الله . ثم يعايشها حينما يصوم شهر رمضان ، وينقضي اليوم ويأتي موعد الإفطار فيفرح ويحس بحلاوة الإيمان ويشكر الله على أن وفقه لصيام ذلك اليوم ، وهكذا تتجـدد الفرحة وحلاوتها كل يوم إلى أن يفرح الفرح الأكبر يوم أن يلقى ربه ، قال تعالى : ﴿قُل بِفَضلِ اللَّهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذلِكَ فَليَفرَحوا هُوَ خَيرٌ مِمّا يَجمَعونَ﴾ [يونس: ٥٨]

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال :« كل عمل ابن آدم له ، إلا الصيام ، فإنه لي ، وأنا أجزي به ، والصيام جنة ، وإذا كان يوم صوم أحدكم ، فلا يرفث يومئذ ولا يصخب ، فإن سابه أحـد أو قاتلـه ، فليقل : إني امرؤ صائم مرتين ، والذي نفس محمد بيده ، لخلوف فـم الـصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك ، وللصائم فرحتان يفرحهما : إذا أفطر فرح بفطره ، وإذا لقي ربه ، عز وجل ، فرح بصيامه » . رواه البخاري ومسلم .

ثم يحس بحلاوة الإيمان حينما يعايش كتاب الله تعالى في رمضان تـلاوة وحفظـا وفهما وعملا ، قال الله عز وجل : ﴿إِنَّ الَّذينَ يَتلونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقوا مِمّا رَزَقناهُم سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرجونَ تِجارَةً لَن تَبورَ۝لِيُوَفِّيَهُم أُجورَهُم وَيَزيدَهُم مِن فَضلِهِ إِنَّهُ غَفورٌ شَكورٌ﴾ [فاطر: ٢٩-٣٠]

وعن ابن عباس قال : كان رسول الله ﷺ أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان يلقاه في كل ليلـة مـن رمـضـان فيدارسه القرآن ، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بـالخير مـن الـريـح المرس لة . أخرجـه أحمـد و البـخـاري ومسلم.

ثم يحس حلاوة الإيمان حينما يقف بين يدي الواحد الديان يدعوه ويناجيه ويتقرب إليه بالنوافل عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : «إنّ الله قال من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلى عبدي بشيء أحـب إلى مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبـه ، فـإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشى بها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن اسـتعاذني لأعيذنـه ، ومـا ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن ، يكره المـوت وأنـا أكـره مساءته » . أخرجه البخاري .

قيل لبعض الصالحين لما أكثر الخلوة : ألا تستوحش ؟ قال : وهل يستوحش مـع الله أحد ؟ !! .
روي عن السري بن مغلس السقطي أن لصاً دخل بيت مالك بن دينار فمـا وجـد شيئاً فجاء ليخرج فناداه مالك : سلام عليكم ، فقال : وعليك السلام ، قال : ما حـصل ، 33 لكم شيء من الدنيا فترغب في شيء من الآخرة – قال : نعم ، قال : توضأ من هـذا المركن وصل ركعتين ، ففعل ثم قال : يا سيدي أجلس إلى الصبح ، قال : فلما خـرج -مالك إلى المسجد قال أصحابه : من هذا معك – قال : جاء يسرقنا فسرقناه . تـاريخ الإسلام للذهبي .

وعن أبي هريرة ، أن رسول الله ﷺ قال :« من قام رمضان إيمانـا واحتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبـه ». أخرجه النسائي والألباني : صحيح.
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت : « يا رسول الله ، أرأيت إن علمت أي ليلـة ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال : قولي : اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني » رواه الترمذي وابن ماجه والنسائي في الكبرى وأحمد وصححه الحاكم وقال : على شرط الشيخين .

ثم يعاين تلك الحلاوة يوم القيامة حينما يأخذ الصوم بيديه ويشفع له عند ربـه ، ويدخله من باب الريان ، قال تعالى : ﴿قُل بِفَضلِ اللَّهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذلِكَ فَليَفرَحوا هُوَ خَيرٌ مِمّا يَجمَعونَ﴾ [يونس: ٥٨]

وعن عبد الله بن عمرو ، أن رسول الله ﷺ قال : « الصيام والقـرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام : أي رب ، منعتـه الطعـام والـشهوان بالنهار ، فشفعني فيه ، ويقول القرآن : منعته النوم بالليل ، فشفعني فيه . قال : فيشفعان» .أخرجه أحمد .

وعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال : « فـي الجنة ثمانية أبواب فيها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون » رواه الشيخان رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابـن ماجه وأحمد .

ومع أول قدم يضعها الصائم في الجنة تتلاشي كل المتاعب والنوائب التي عاشـها في الدنيا ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله ﷺ: «يـؤتى بأنعم أهل الدنيا ، من أهل النار ، يوم القيامة ، فيصبغ في النار صبغة ، ثم يقـال له : يا ابن آدم ، هل رأيت خيرا قط ؟ هل مر بك نعيم قط ؟ فيقول : لا ، والله ، يا رب ، ويؤتى بأشد الناس في الدنيا ، من أهل الجنة ، فيصبغ في الجنة صـبغة ، فيقال له : يا ابن آدم ، هل رأيت بؤسا قط ؟ هل مر بك شدة قـط ؟ فيقـول : لا ، والله ، يا رب ، ما مر بي بـوس قـط ، ولا رأيـت شـدة قـط » . أخرجه أحمد و مسلم .

وحينما يرى غرف الصائمين تتجدد حلاوة الإيمان ، عن أبي مالك الأشعري ، قال : قال رسول الله ﷺ: «إن في الجنة غرفة ، يرى ظاهرهـا مـن باطنها ، وباطنها من ظاهرها ، أعدها الله لمن أطعم الطعام ، وألان الكلام ، وتابع الصيام ، وصلى والناس نيام» وفي رواية : " إن في الجنة غرفا ، يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها ، أعدها الله لمن أطعم الطعام ، وأفشى السلام ، وصلى بالليل والناس نيام . أخرجه أحمد وابن خزيمة قال الشيخ الألباني : حسن.

قال الشاعر :
وغاية هذي الدار لذة ساعة
ويعقبها الأحزان والهم والندم
وهاتيك دار الأمن والعز والتقى
ورحمة رب الناس والجود والكرم
ثم الحلاوة الكبرى والنعيم والفوز الأكبر
حينما يرى وجه الكـريم المنـان

قـال رسول الله ﷺ: « إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تريدون شيئا أزيدكم فيقولون ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجنا مـن النـار فـيـكـشـف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهـم ». أخرجه مسلم والترمذي و أحمد .

قال الشاعر :
رضاك خير من الدنيا وما فيها
يا منية القلب قاصيها ودانيها
ونظرة منك يا سؤالي ويا أملي
أشهى إلي من الدنيا وما فيها
وليس للنفس أمال تؤملها
سوى رضاك فذا أقصى أمانيها

اللهم تقبل منا الصيام والقيام وصالح الأعمال ، وأذقنا حلاوة الإيمان ولذة الطاعة والإحسان .
المرجع : كتاب مقالات رمضانية


لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




الفئة: رمضانيات
عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية